عودة إلى المهن اليدوية في الكويت

12 ديسمبر 2017
يحب عمله ويتقنه (العربي الجديد)
+ الخط -
تشهد المهن اليدوية في الكويت إقبالاً كبيراً من المواطنين، في ظل تغير الظروف الاقتصادية والنظرة المجتمعية لها خلال السنوات الأخيرة، خصوصاً من الشباب الذين يتخرجون من الجامعات حديثاً. وتتنوّع هذه المهن بين الحدادة والنجارة والنحت والسباكة وإصلاح السيارات وغيرها. يقول محمد عباس، وهو طالب في كلية التربية الأساسية لـ "العربي الجديد": "أقوم بأعمال النجارة وتركيب الأبواب والخزانات الخشبية والنحت، وأحقّق دخلاً إضافياً جيداً من خلالها، ما يكفيني كطالب جامعي، عدا عن استمتاعي بها كهواية في أوقات الفراغ". وعن تعلّمه النجارة، يقول إن الهيئة العامة للتعليم التطبيقي تنظم دورات للمواطنين وغير المواطنين من الشباب لتعلم هذه الحرفة، إضافة إلى حرف أخرى، وتقدّم لهم محالاً بأسعار رمزية إذا ما أرادوا ممارسة هذه الحرفة بشكل رسمي. إلا أن بعض الشباب ما زال عالقاً في التقاليد، ويخجل أن يدل عليه في المجتمع كونه نجاراً أو حداداً.

أحمد العازمي، وهو موظف في وزارة الكهرباء والمياه، يدير فريقاً من العمال والفنيين والحرفيين الذين يتولون أعمال السباكة وإصلاح الأنابيب وغيرها. يقول لـ "العربي الجديد": "بدأتُ هذا العمل كهواية في مزرعة والدي، وكنتُ أساعد عمال المزرعة إلى أن تعلمت الحرفة بشكل تام. وحين ذهبت إلى بريطانيا للاهتمام بوالدتي التي كانت تتلقى العلاج، فوجئت أن الوضع المادي للعاملين في السباكة جيد. ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي، بدأت الترويج لنفسي كسباك كويتي، ووضعت رقم هاتفي، وبدأت الاتصالات تنهال علي. في هذه البلاد، يثقون بالكويتي أكثر من غيره". يضيف: "عادة ما أتولى الإشراف على العمال. لكن في حال استعصى عليهم أمر ما، أتولى مساعدتهم". وبالنسبة للعائد المالي، فإنه يفوق راتب الوظيفة الحكومية، الأمر الذي لا ينتبه إليه الناس.

صحيح أن عدداً من الكويتيين اختاروا هذه المهن، إلا أن ثقافة العيب ما زالت طاغية. وفي بعض الأحيان، ترفض عائلات تزويج بناتها للعاملين في مهن مثل النجارة والحدادة وغيرها. يقول أبو محمد، وهو مواطن في العقد الرابع من العمر، لـ "العربي الجديد": "سابقاً، كانت الطبقات الفقيرة تعمل في هذه المهن فقط، وكان يُطلق عليهم اسم الصنّاع. وبعد اكتشاف النفط، توقف كثيرون عن العمل في هذه المهن، إذ إن العمل كحداد كان إشارة إلى الفقر، وهذا حال المجتمعات الخليجية بشكل عام. لكن في الوقت الحالي، يفضل الشباب العمل في مهن لمجرد كونهم يحبونها".



أما فالح نصار، الذي يعمل في إحدى أكبر شركات الأثاث الكويتية، فيقول لـ"العربي الجديد" إن المجتمع ليس متصالحاً مع الماضي "حين اكتشف والدي موهبتي بالنجارة لم يعلق، لكن حين عملت كمصمم صغير في إحدى الشركات، غضب كثيراً. وبعد الترفيع الوظيفي وزيادة الراتب، بات ينظر إليّ باحترام أكبر. أعتقد أن الأمر ينسحب على مختلف المهن اليدوية، والتي لا يتقبلها المجتمع بسبب عائداتها المالية القليلة".

إلى ذلك، يقول الباحث الاجتماعي في جامعة الكويت، خليل خالد، لـ"العربي الجديد": "أتفق مع الذين يقولون إن الأمر مرتبط بالدخل، إذ إن العمل اليدوي في الكويت كان يعد عيباً في ما مضى، فإما أن تكون تاجراً أو بحاراً أو راعي غنم وإبل. ومع الثروة النفطية، بقيت الرواسب القبلية والرجعية عالقة في أذهان الناس، باستثناء العمل في حقول النفط. ومنذ زمن طويل، يتعامل مواطنون مع العمال بدونية، باستثناء عمال النفط لأنهم يجنون مالاً كثيراً، ما يدل على أن احتقار هذه المهن مرتبط بالمال فقط". يضيف: "بدأت الأمور تتطور مع تطور المجتمع أخيراً. وفي ظل الأزمات الاقتصادية وقلة الوظائف تزامناً مع انخفاض سعر النفط، نرى أنه لا ينظر إلى العمل اليدوي في البحرين والسعودية وعمان باحتقار بسبب انخفاض مستوى الدخل بشكل عام، وهو ما سيسري على الكويت قريباً، خصوصاً وأن الدورات التي تنظمها الوزارات الحكومية لتعليم الحدادة والصباغة والنجارة وميكانيك السيارات تشهد إقبالاً غير مسبوق".

إلى ذلك، يقول الخبير الاقتصادي سلطان العجمي إن نشر ثقافة العمل الحرفي بين الشباب تعني أن الدولة قد تقدمت شوطاً طويلاً في عمليتي الإصلاح المجتمعي والاقتصادي. من الناحية المجتمعية، تعمل على تمكين الشباب للحصول على وظائف حقيقية بدلاً من البطالة المقنعة، ومن الناحية الاقتصادية، ستزيح حملاً ثقيلاً عن الحكومة والمتمثل في بند الرواتب في ميزانيتها.