ترتفع نسبة العنوسة في اليمن في ظلّ الحرب المستمرة التي انعكست على الأوضاع الاقتصادية للشباب وجعلتهم غير قادرين على الزواج
حرب اليمن كانت سبباً في ارتفاع نسبة العنوسة في البلاد، في ظلّ انهيار الأوضاع الاقتصادية. وانعكس الأمر سلباً حتى على اللواتي كن قد رفضن الارتباط بهدف متابعة دراستهن الجامعية والدراسات العليا. ونتيجة الفقر وتردّي الأوضاع الاقتصادية، عزف عدد كبير من الشباب عن الزواج، إضافة إلى الأسباب الاجتماعية والعادات والتقاليد.
تقول رنا، التي تجاوزت الثامنة والعشرين من العمر، إنها لم تتزوّج بعد وتعيش حياتها مثل بقية صديقاتها. تضيف: "العمر يمضي، ويبدو أنّني لن أحقق حلمي في تكوين أسرة، خصوصاً أن كثيرين باتوا غير قادرين على توفير متطلبات الزواج والمعيشة". تؤكد لـ "العربي الجديد" أن فتيات كثيرات أرجأن زواجهن أو فسخن الخطوبة لعدم قدرة الشباب على الالتزام بمواعيد العرس ودفع التكاليف التي زادت، في ظل انعدام فرص العمل، وعدم حصول الموظفين على رواتبهم.
من جهتها، تحمّل ملك (28 عاماً) الحرب مسؤولية تأخير زواجها، حيث إنها أرجأت موعد زفافها أكثر من مرة. تقول لـ "العربي الجديد": "كان يُفترض أن أتزوج قبل ثلاثة أعوام، لكن الحرب حالت دون ذلك، لأدفع أنا وخطيبي الثمن بعدما خسر عمله ولم يعثر على بديل، ما يضمن توفير احتياجات الزواج وما بعد الزواج". تضيف: "أصبح كابوس العنوسة يطاردني بسبب عدم إتمام حفل الزواج. في اليمن، إذا تأخر الشاب في الزواج، يعد هذا طبيعياً ولا يلحقه العار أو يخسر شيئا، إلا أن الأمر مختلف بالنسبة للفتاة، إذ يفوتها وتصبح في نظر الناس عانساً ولا تجد فرصة للزواج، خصوصاً أن اليمنيين يفضلون الزواج بالفتيات الأصغر سناً".
ترى ملك أن علاقتها بخطيبها مهددة. ففي حال لم يتم الزواج في أسرع وقت، قد يحدث طارئ يجعلها من دون زواج طوال حياتها. تقول: "لا أستطيع أن أتخيل نفسي من دون أسرة وأطفال. لا أستطيع إلا أن أكون أماً. هذا يعطي قيمة للحياة".
وعن نظرة المجتمع للعانس في اليمن، تقول ملك إنها ليست سيئة. "المرأة في اليمن لها مكانتها رغم كل شيء، إلا أن المرأة التي تتأخر في الزواج أو لا تتزوج تخسر على المستوى الشخصي، وتُحرم جزءاً كبيراً من حقوقهاً"، لافتة إلى أنّه "للآباء دور كبير في حرمان بناتهم من الزواج عندما يضعون العقبات والشروط التعجيزية أمام الشباب".
القلق من عدم الزواج لا يقتصر على الفتيات فقط، إذ إن للشباب مخاوفهم أيضاً، منهم عبد الرحمن سرحان الذي يؤمن بأنّ الرجال أيضاً يخسرون في حال تأخر زواجهم. يقول: "كنا نأمل أن ينفرج الوضع في اليمن، لكنّه ازداد سوءاً. فرص العمل انعدمت تماماً، وأصبحتُ اليوم أبحث عن أي عمل حتى وإن كان بعيداً عن مجالي، من أجل تأمين لقمة العيش والمصاريف الأساسية، كي أستطيع الزواج بعدما تجاوز عمري 35 عاماً". ويؤكد أن الإقدام على الزواج في ظل هذه الأوضاع الحالية "يعدّ مغامرة غير محسوبة. الوضع سيئ جداً ولم نعد نفكر في الزواج، لاسيما أن المهور في ارتفاع مستمر، وأولياء الأمور لا يراعون ظروف الشباب".
ولبعض أولياء الأمور آراؤهم في ما يخص تعقيد شروط الزواج. يقول هادي العواضي: "لا يمكن أن أزوّج ابنتي لشاب عاجز عن توفير أبسط احتياجاتها، وأفضّل أن تبقى في بيتي معززة مكرمة على أن تتزوج شابا لا يملك بيتاً ويتنقل بها في بيوت الإيجار، أو أن تنام من دون طعام وسط هذه الظروف الصعبة".
إلى ذلك، تقول الباحثة الاجتماعية هيفاء محمد، إن ارتفاع المهور وعدم قدرة الشباب على الزواج، يؤديان إلى ارتفاع نسبة العنوسة بين اليمنيات، إضافة إلى أسباب أخرى، مثل خوف أولياء الأمور على الميراث، أو رفضهم تزويج بناتهم لأشخاص ينتسبون إلى طبقات معينة. تضيف لـ "العربي الجديد": "كثير من الآباء لا يقبلون تزويج بناتهم بسبب خوفهم من أن يذهب جزء من ميراث العائلة لشخص من خارج العائلة، كما أن بعضهم يرفض المتقدمين لابنتهم لأنه لا ينتمي إلى العائلة نفسها". في اليمن، يقدّر عدد الفتيات اللواتي لم يتزوجن بعد بأكثر من مليونين، بينهن أكثر من نصف مليون ممن تجاوزن سن الثلاثين، بحسب تقرير أعده جهاز الإحصاء في عام 2014. في السياق، يقول وكيل الجهاز المركزي للإحصاء في اليمن، طارق الكبسي، لـ "العربي الجديد"، إنّ الأوضاع الراهنة في البلاد، وغياب التمويل، حالا دون إصدار التقرير السنوي للجهاز الذي يتضمن مسحاً شاملاً للأسرة اليمنية. ويلفت إلى أن المؤشرات الأولية تؤكّد ارتفاع عدد الفتيات غير المتزوجات إلى نحو مليونين ونصف المليون فتاة.