خصخصة التأمين... صحة فقراء مصر في خطر

09 نوفمبر 2017
الفقراء هم الأكثر تأثراً بأيّ قرار (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
يتخوّف مواطنون مصريون وجمعيات حقوقية من مشروع قانون جديد للتأمين الصحي الاجتماعي ويعتبرونه خطوة باتجاه خصخصة التأمين على صحة المصريين. يؤكد هؤلاء أنّ القانون إذا ما أقرّ بصيغته الحالية سيؤدي إلى أضرار كبيرة على الفقراء خصوصاً

أرسلت النقابة العامة للأطباء المصريين، أخيراً، خطاباً إلى رئيس الوزراء، ورئيس مجلس النواب (البرلمان)، ورئيس لجنة الصحة بالبرلمان، للمطالبة بإرسال نسخة من مشروع قانون التأمين الصحي الاجتماعي الشامل للنقابة، لدراسته وإبداء الملاحظات عليه قبل مناقشته رسمياً في المجلس. جاء ذلك بعد موافقة مجلس الوزراء على مشروع القانون، وإحالته إلى مجلس النواب.

كذلك، طالبت النقابة بجلسة استماع بخصوص مشروع القانون يحضرها أعضاء مجلس النقابة وذلك حتى يكون النواب على بينة من جميع الملاحظات وقت مناقشتهم مشروع القانون.

الاهتمام بمشروع القانون، باعتباره يمسّ كلّ المصريين، هو الركيزة الأولى التي تجعل نقابة الأطباء حريصة على الاطلاع على كلّ التعديلات التي أُدخلت عليه قبل إقراره، خصوصاً وسط مخاوف من تحميل الفقراء مزيداً من الأعباء وتسليم الصحة للقطاع الخاص، إذا ما صدر القانون ببعض البنود التي واجهت اعتراضات مجتمعية عدة منذ إعداده.

المخاوف من مشروع القانون الحالي، تتركز على كونه "لا يعتمد إلّا على المستشفيات عالية الجودة، علماً أنّ المستشفيات الحكومية هي الأقل جودة في المنظومة الصحية المصرية"، كما أنّ القانون لم يحدد مصادر التمويل لتطوير المنظومة الصحية في مصر، بينما اكتفى برصد 130 مليار جنيه (7 مليارات و376 مليون دولار أميركي) من أجل تفعيله، بالإضافة إلى أنّ تطبيق القانون سيُنفذ في خمس محافظات فقط تجريبياً، وبذلك لا يمثل إلا 3 في المائة من سكان مصر.

يشار إلى أنّ نظام التأمين الصحي الحالي في مصر يغني نحو 60 في المائة من السكان، ولا تعتمد عليه نسبة كبيرة منهم بسبب رداءة خدماته المقدمة. يهدف القانون الجديد إلى توسيع التغطية التأمينية لتشمل كلّ السكان التزاماً بما نص عليه دستور 2014 بتوفير "تأمين صحي لكلّ المصريين"، إلا أنّ فئات مجتمعية عدة شككت في نوايا الحكومة ومدى التزامها بالدستور، خصوصاً أنّ ما جرى إنفاقه هذا العام على الصحة يمثل نصف الميزانية التي اشترطها الدستور، والتي أقرّ ألا تقل عن 3 في المائة من الناتج القومي الإجمالي، مع استهداف إنشاء نظام صحي يغطي كلّ الأمراض لجميع المواطنين.

هذه المخاوف سبق أن طرحتها المؤسسة المصرية لحماية الدستور التي تضم مجموعة كبيرة من السياسيين والشخصيات العامة البارزة في مصر، في إبريل/ نيسان الماضي. فقد أصدرت المؤسسة بياناً حول مشروع قانون التأمين الصحي الاجتماعي الشامل، أكدت فيه أنّ "دستور 2014، أولى في صدارة رؤيته للمقومات الأساسية للمجتمع المصري، عنايته الواضحة للحق في الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقاً لمعايير الجودة، وكفل الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التي تقدم للشعب وقرر دعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافي العادل من خلال التزام الدولة بإقامة نظام تأمين صحي شامل لجميع المصريين، يغطي كلّ الأمراض". تابع البيان: "أناط الدستور بالقانون تنظيم إسهام المواطنين في اشتراكاته أو إعفائهم منها طبقاً لمعدلات مداخيلهم، بالإضافة إلى تخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للصحة، لا تقل عن 3 في المائة من الناتج القومي الإجمالي، تتصاعد تدريجياً حتى تتفق مع المعدلات العالمية، وتأكيد تجريم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكلّ إنسان في حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة".



وطالبت المؤسسة بالأخذ في الاعتبار عند مناقشة القانون، عدة معايير "لتمكين الهيئة العامة للتأمين الصحي الشامل من القدرة على الإنفاق على الرعاية الصحية وفقاً للمحددات الدستورية، ومن أجل تخفيف العبء على جمهور المنتفعين، إذ تتعين إعادة النظر في ما جرى تقليصه من مصادر موارد الضرائب الموجهة إلى تمويل التأمين الصحي الشامل". كذلك، أشارت المؤسسة في معاييرها إلى أنّ "الأصل في التأمين الصحي الاجتماعي الشامل أن تُدفع نسبة ثابتة من الدخل كاشتراك دوري بما يحقق العدالة بين المواطنين، وتتجنب نظم التأمين الفعالة فرض مساهمات إضافية عند تلقي الخدمة فعلاً، إلا في أضيق الحدود، من قبيل رسم موحد على تذكرة صرف العلاج أو نسبة بسيطة من قيمة الدواء، ضماناً لجدية طلب الخدمة وترشيداً لاستخدامها".

وتضم المؤسسة السياسي عمرو موسى، والطبيب العالمي مجدي يعقوب، والروائي والأديب بهاء طاهر، والطبيب والسياسي عبد الجليل مصطفى، والفقيه الدستوري نور فرحات، والصحافي والبرلماني عمرو الشوبكي، إلى جانب عدد كبير من الشخصيات العامة المصرية، من بينها نبيل فهمي، منى ذو الفقار، محمد أبو الغار، زياد بهاء الدين، يحيى قلاش، خالد يوسف، عبد الله السناوي.

من جهتها، انتقدت لجنة الدفاع عن الحق في الصحة (مجتمع مدني) بعض مواد قانون التأمين الصحي الجديد، داعية إلى تشكيل حملة شعبية تتبنى مطالب تعديل مواده التي تفرض أعباءً كبيرة على كاهل الأسر المصرية. وأشارت اللجنة إلى أنّ القانون الجديد يُحمّل أسرة لديها أربعة أطفال ويعمل ربّ الأسرة في القطاع غير الرسمي، ما يقرب من 10 في المائة من مدخوله، وهي نسبة كبيرة. ومن ضمن الاعتراضات على القانون، أنّه يفرض تأميناً صحياً على الزوجة غير العاملة بنسبة 2.5 في المائة من أجر الزوج، وعلى كلّ طفل 0.75 في المائة من أجره، فضلاً عن رفع قيمة التأمين الصحي على التلاميذ من 4 جنيهات سنوياً إلى أكثر من 100 جنيه (5.6 دولارات)، وذلك للأسر التي يتقاضى الأب فيها الحد الأدنى الحكومي للأجور الذي يعادل 1200 جنيه (68 دولاراً). ومن ضمن مساوئ القانون، بحسب لجنة الدفاع عن الحق في الصحة أيضاً، أنّه يفرض على العمالة غير الرسمية الاشتراك بنسبة 4 في المائة من المدخول الشهري. كذلك، تخوفت اللجنة من اتخاذ شعار "الجودة" كذريعة للاعتماد بشكل مفرط على القطاع الخاص، ما يهدد بخصخصة المستشفيات العامة تدريجياً.

إلى ذلك، يقدّر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي) حجم العمالة المشتغلة بعقد عمل قانوني بـ53.8 في المائة فقط من إجمالي عدد العمال والأجراء والمستخدمين في مصر.
المساهمون