ما بعد الإسلاموفوبيا

06 نوفمبر 2017
مسلمون في أميركا (أوليفر دولييري/ فرانس برس)
+ الخط -
من المفارقات التاريخيّة التي يمكن إدراجها في لائحة التحوّلات العميقة التي شهدها المجتمع الأميركي خلال السنوات القليلة الماضية، أن ظاهرة الإسلاموفوبيا التي ارتفعت نسبتها بين أوساط الأميركيين نتيجة اعتداءات سبتمبر/ أيلول الإرهابية عام 2001، وأدّت إلى اعتداءات عنصرية استهدفت المسلمين المقيمين في الولايات المتحدة، دفعت أفراد الجاليات المسلمة في الولايات المتحدة إلى التحرك والردّ على تشويه صورة الإسلام في وسائل الإعلام الأميركية. هؤلاء ساهموا في ولادة تيار أميركي شعبي حاضن للمسلمين، ومعاد للإسلاموفوبيا.

ولا يُخفى على المراقب أنّ حضور المسلمين في المشهد السياسي والإعلامي الأميركي، أفضل في زمن الرئيس دونالد ترامب ممّا كان عليه الحال قبل العام 2001. مثال على ذلك السجال الذي أثارته التقارير الإعلامية، والمتعلّقة بمنفذ عملية الدهس في مانهاتن الذي قال بعد تنفيذ جريمته "الله اكبر". خلال التغطية، لفت مذيع محطّة "سي إن إن"، جايك تابر، انتباه المشاهدين إلى جمال وقع عبارة "الله أكبر" حين يرددها المسلمون في صلاتهم وفي أوقات ومناسبات أخرى. وبطبيعة الحال، تعرّض لحملة انتقادات عنيفة على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي محطة فوكس نيوز، خصوصاً من مجموعات ورموز اليمين العنصري، وآخرين.

ولعلّ التحرّك الشعبي الأميركي الواسع رفضاً لقرار ترامب حظر دخول رعايا ست دول ذات غالبية إسلامية إلى الولايات المتّحدة، وإبطال القضاة الفدراليين ثلاثة قرارات منع متتالية، شجع الأجيال المسلمة الجديدة على الاندماج أكثر في الحياة الأميركية العامة.
وواكبت وسائل الإعلام الأميركية المعارضة لترامب هذا الحراك السياسي المتعاطف مع المسلمين، بمعزل عن حقيقة أن مناصرة المسلمين ومكافحة التمييز الذي يتعرضون له، ليس بريئاً من الاستثمار السياسي في إطار معركة تصفية الحسابات مع إدارة ترامب.

وعرضت محطّة "سي إن إن" مؤخراً فيلماً وثائقياً يتناول انتشار الإسلام في الأحياء الفقيرة للمدن الأميركية، والتي يقطنها ذوو الأصول الأفريقية. ورصدت الكاميرا كيفيّة تحوّل عشرات السود في أحد السجون الأميركية إلى الإسلام، وحياتهم اليومية، وكيفية ابتعاد هؤلاء بعد إسلامهم عن عالم العنف والجريمة والمخدرات، وقد باتوا أكثر اهتماماً بمحيطهم الاجتماعي والعمل التطوعي. ويقدّم الفيلم رسالة مختلفة عن الصورة المشوّهة للإسلام، التي ساهمت العمليات الإرهابية ووسائل الإعلام في ترسيخها في أذهان الأميركيين.



واستفاد المسلمون في أميركا من السجال الداخلي وعمليات الاستقطاب التي أفرزتها الانقسامات العنصرية في المجتمع خلال السنوات الماضية، وتحالفوا مع الأقليّتين الأفريقية واللاتينية اللتين تتعرضان للتمييز العنصري. وفي بعض الأحيان، تجمعهم مع المحافظين البيض قيم مشتركة مثل القيمة الاجتماعية للعائلة والحياة الدينية المحافظة. رغم ذلك، فإنهم قد لا يترددون في التصويت لصالح مرشح يهودي، كما حصل في ولاية ميشيغن، التي يطلق عليها لقب عاصمة العرب في أميركا، وذلك خلال الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشح الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية في عام 2016. واقترع الناخبون الأميركيون من أصول عربية لصالح السيناتور بيرني ساندرز، الذي سجّل فوزاً ساحقاً على وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، وذلك بسبب حصوله على تأييد الناخبين من الأصول العربية الذين يشكلون صوتاً وازناً في بعض المدن والبلدات في الولاية. طبعاً، يجب الأخذ بالاعتبار أن ساندرز من المناصرين للقضية الفلسطينية، ومن المنتقدين لسياسات الاحتلال الإسرائيلي.

وإن دّل ذلك على شيء، فانّه يدل على نضج سياسي أكبر في أوساط الجاليات الإسلامية، بدأ يظهر من خلال المشاركة في الحياة السياسية الأميركية، وزيادة إقبال الناخبين من أصول إسلامية على التصويت في الانتخابات الأميركية، سواء على صعيد انتخابات الرئاسة والكونغرس، أو على صعيد الانتخابات المحلية والبلدية في الولايات، حيث يشارك المسلمون بكثافة اقتراعاً وترشيحاً.

وترتبط القوة المتنامية لحضور المسلمين في الحياة الأميركية على كافة الصعد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بتزايد نسبتهم في البلاد. ويقدّر عدد الحاصلين منهم على الجنسية الأميركية بنحو عشرة ملايين أي 3 في المائة من سكان الولايات المتحدة. لكن على الرغم من اعتبارهم ثاني أكبر مجموعة دينية بعد المسيحيين، إلا أن تأثيرهم ودورهم يبقى محدوداً جداً بالمقارنة مع نفوذ اليهود الأميركيين أصحاب النفوذ القوي على القرار الاقتصادي والسياسي الأميركي.

ومن الأمور اللافتة في المجتمع الأميركي أن عدد مساجد المسلمين ارتفع رغم الحملات العنصرية خصوصاً بعد عام 2001، وتجاوز عدد المساجد الثلاثة آلاف مسجد في أكثر من عشرين ولاية أميركية. كذلك، زاد عدد معتنقي الإسلام، والمهتمين بقراءة القرآن وتعلم اللغة العربية.