الجزائر تخسر ساعي بريدها ورسائلها الورقية

28 نوفمبر 2017
قريباً يصبح مجرّد ذكرى (فاروق باتيش/ فرانس برس)
+ الخط -
مع التطوّر التكنولوجي المتسارع، تندثر تقاليد وعادات ومظاهر ومهن كثيرة. ساعي البريد والرسائل الورقيّة إلى اندثار كذلك، لا سيّما مع دور البريد الإلكتروني الذي يختصر الوقت والجهد والمسافات

أكثر فأكثر يتقلّص دور سعاة البريد في الجزائر، وكأنّ هذه المهنة سوف تندثر في القريب. ولعلّ تراجع المراسلات الورقية، لا سيّما الرسميّة منها، هو السبب الرئيسي الذي يتزامن مع اختفاء صناديق البريد من المباني السكنية الجديدة.

في الماضي، كان ساعي البريد يعرف كلّ حيّ قديم وحديث (حينذاك) ويعرف كلّ بيت ومبنى وعائلة. ويتذكّر العمّ عبد السلام آيت يعلى كيف كان الساعي "يتنقّل مع حقيبته وقبّعته الجلديتَين وابتسامته العريضة، ويوزّع الرسائل على الناس. هو كان من تفاصيل الحياة اليومية في الأحياء الشعبية للعاصمة الجزائرية". يضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "اليوم، ومع التوسّع العمراني والاكتظاظ، صار من الصعب العثور على الناس".

اليوم، بالفعل، تغيّر كلّ شيء. ساعي البريد الذي كان يطلق عليه الجزائريون لقب "الرجل الأمين"، إذ هو مؤتمن على الرسائل الموجّهة إلى الناس، صار عمله مقتصراً على توصيل الرسائل الرسمية، لا سيّما تلك المتعلقة بفواتير الكهرباء والغاز والماء، بالإضافة إلى مراسلات مديريات البلديات وغيرها من المراسلات التي تقتضي أن تكون ورقية.

لكنّ مديرية البريد الجزائرية قلّصت من جهتها عمل سعاة البريد في مختلف نواحي العاصمة الجزائرية ومناطقها، وكأنّ في ذلك توجّه أكبر نحو الحدّ من دور هؤلاء. ويقول ساعي البريد السعيد بومعراف لـ"العربي الجديد" إنّه "على الرغم من ذلك، صارت مهمّتنا اليومية صعبة جداً. نحن نضطر إلى البحث على مدى ساعات عن أسماء السكان الجدد الذين يتغيّرون من فترة إلى فترة وعناوين آخرين انتقلوا من مساكنهم القديمة إلى مبان جديدة".

الإلكتروني محلّ الورقي
ويتّجه عمل هؤلاء أكثر إلى الاندثار، مع "عملية التطوير" الحاصلة. ويوضح بومعراف أنّ "التعامل بالبريد الإلكتروني صار وسيلة تعتمدها المؤسسات للتواصل مع العملاء، لا سيّما في ما يتعلّق بفواتير الكهرباء والغاز والماء وغيرها من المعاملات. وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه العملية ما زالت في بداياتها في الجزائر".

وبومعراف ينقل اليوم رسائل المواطنين من البريد المركزي نحو مبان في أحياء باب الوادي ورويسو وعين البنيان التي تضمّ عشرات العائلات التي سكنت حديثاً هناك. ولأنّ الشقق بمعظمها مؤجّرة، فإنّ الأمر شاق بالنسبة إلى بومعراف، إذ يتوجّب عليه البحث عن العناوين الجديدة لأصحاب الشقق حتى يتمكّن من نقل المراسلات لهم، لا سيّما من المؤسسات الرسمية التي بقيت تتعامل مع المواطنين عبر الرسائل الورقية.



صناديق بريد
في عدد كبير من المباني السكنية في الجزائر، تتكدس الرسائل، إذ إنّ العناوين لم تُحدَّث. كذلك، فإنّ صناديق البريد ما زالت قديمة، وبعضها غير صالح للاستخدام وبعضها يحمل أسماء أشخاص رحلوا إلى مساكن أخرى، الأمر الذي يعني ضياع عشرات الرسائل. وفي حين يبقى بعض من تلك الرسائل في الصناديق القديمة، يجري تمزيق بعض آخر. أمّا الأشخاص الذين يحالفهم الحظ، فتعود رسائلهم إلى مقرّ البريد المركزي، وهو ما يعني أنّ "صاحب الرسالة في عداد المفقودين".

إلى ذلك، ثمّة معاناة من نوع آخر يشكو منها سكان المباني الجديدة، وهي غياب صناديق البريد. ويقول أحد السكان، عمار بن حمية، لـ"العربي الجديد" إنّهم أصبحوا "من دون عنوان". يضيف أنّ "وسائل التواصل الاجتماعي صارت هي الطريقة رقم واحد للتواصل بين الأشخاص، وهو الأمر الذي جعل الرسائل الورقية آخر اهتمامات الجزائريين". وهذا ما يوافق عليه كثيرون، في حين ما زالت الحكومة الإلكترونية مشروعاً مؤجلاً في التعاملات مع الأفراد والمؤسسات، من قبيل المعاملات المصرفية وتلك المتعلقة بالجامعات والمدارس.

بين الرسالة والإلكتروني قصة
كثيرون هم الجزائريون الذين يحنّون إلى الزمن الماضي ويستذكرون الرسائل الورقية. يقول محمد بلواهم لـ"العربي الجديد" إنّه "كانت لها نكهة خاصة. فالرسالة الورقية تحمل كثيراً من المعاني، ولعلّ أهمها اللغة المستعملة والمشاعر الصادقة في حين كان الانتظار محبباً. أمّا الرسالة الإلكترونية فهي سريعة وتخلو من الحميمية والشوق".

"جزء من الماضي الجميل"، هكذا توصف المراسلات، في حين يحتفظ كثيرون برسائل قديمة تحمل ذكريات جميلة. منهم من وضعها في ألبومات للذكرى، ومنهم من حفظها بطريقته الخاص، إذ هي تسترجع أيام الصبا والشباب وذكرى الأصدقاء.. أمور لا يمكن توفيرها من خلال رسائل البريد الإلكتروني.
دلالات