تتجه جمهورية كازاخستان السوفييتية السابقة إلى الانتقال التدريجي من الأبجدية السيريلية إلى الأبجدية اللاتينية، على أن تنتهي من تلك العملية الإصلاحية بحلول عام 2025. وفي الوقت الذي تؤكد فيه سلطات كازاخستان أنّ هذا الإصلاح يهدف إلى تحديث اللغة الكازاخية واقتصاد البلاد وثقافتها، يتوقّع باحثون لغويّون أن يحدث حالة من الإرباك بين سكان البلاد، لا سيّما من الجيل الكبير ومن ذوي الأصول الروسية.
يرى إيليا روديرمان صاحب متجر الخطوط "تايب توداي"، أنّ "الانتقال إلى الأبجدية اللاتينية ينطوي على مخاطر عدّة، وفي مقدّمتها إحداث فجوة بين الأجيال وزيادة صعوبة الحصول على معلومات". ويوضح لـ"العربي الجديد" أنّه "من الصعب جداً أن تنقل معرفة جديدة إلى جيل تعوّد على ما هو قديم. سوف يواجه المسنّون صعوبة في التعوّد على الأحرف اللاتينية. إلى ذلك، تراكمت لدى كازاخستان معرفة كبيرة مدوّنة بالأحرف السيريلية، ومع مرور الزمن سوف يواجه الناس صعوبة في الاطلاع على هذا التراث". يضيف روديرمان أنّ "الأبجدية اللاتينية لا تغطّي كل أصوات اللغة الكازاخية"، علماً أنّ "الأحرف السيريلية الكازاخية يبلغ عددها 42 حرفاً".
ولمّا كانت اللغة الكازاخية تتبع لمجموعة اللغات التركية الأصل ظلّ سكان كازاخستان يعتمدون الكتابة العربية حتى عام 1929، قبل التحوّل إلى الأبجدية اللاتينية ثمّ السيريلية. ويوضح روديرمان أنّ "تحويل لغات الشعوب السوفييتية إلى الأحرف السيريلية لم يكن لدوافع سياسية فحسب، بل كذلك لأسباب عمليّة مثل إصدار الكتب والتدريس بالمدارس باللغتَين الروسية والوطنية بالتوازي".
إلى ذلك، تُعَدّ أستانة حليفاً أساسياً لموسكو في فضاء الاتحاد السوفييتي السابق، نظراً إلى عضوية كازاخستان مع كلّ من روسيا وبيلاروسيا وأرمينيا وقرغيزيا في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي. وقد أثار قرار التحوّل إلى الأبجدية اللاتينية تساؤلات حول الدوافع السياسية لذلك وسعي رئيس جمهورية كازاخستان، نورسلطان نزارباييف، إلى إثبات استقلاله عن موسكو. في السياق، وصف النائب في مجلس الدوما (النواب) الروسي، أليكسي جورافليوف، قرار أستانة بأنّه "خطوة غير ودية تجاه روسيا الاتحادية"، بينما رأت فيه وزارة الخارجية الروسية شأناً داخلياً للبلاد.
اقــرأ أيضاً
بحسب بيانات عام 2016، يبلغ عدد سكان كازاخستان من أصول روسية نحو 3.65 ملايين نسمة، أي نحو 20 في المائة من إجمالي سكان البلاد البالغ عددهم 18 مليوناً تقريباً. وقد حذّر خبراء من أنّ الإصلاح اللغوي سوف يؤدّي إلى تراجع في استخدام اللغة الروسية وهجرة أعداد كبيرة من السكان من أصول روسية في مقابل زيادة اندماج كازاخستان في "العالم التركي". ويقول مدير البرامج الدولية في معهد الاستراتيجية الوطنية في روسيا، يوري سولوزوبوف، إنّ "الانتقال إلى الأبجدية اللاتينية يعني لكازاخستان تعزيز اندماجها في العالم التركي والانضمام إلى المشروع التركي". يضيف: "سوف تتجلى تداعيات الانتقال إلى اللاتينية بعد 10 أو 15 عاماً، مع وصول جيل جديد من السياسيين إلى سدّة الحكم. وطالما أنّ نزارباييف في السلطة، فإنّ كازاخستان لن تبتعد كثيراً عن روسيا، ولدينا الاتحاد الاقتصادي الأوراسي. لكنّ هذه إشارة لموسكو". ويرى سولوزوبوف أنّه "من أجل الحفاظ على مواقع اللغة الروسية، يتعيّن على موسكو انتهاج سياسة التوسّع اللغوي وليس مجرّد تنظيم فعاليات إعلامية وتوزيع كتب دراسية".
ويذكّر سولوزوبوف بأنّ "الانتقال إلى الأحرف اللاتينية في أذربيجان أدّى إلى فقدان أغلب الوثائق التقنية المكتوبة باللغة الروسية، بينما تصدر وثائق كثيرة في أوزبكستان باللغتَين الوطنية والروسية لعدم تكيّف الأجيال الكبيرة مع الأبجدية الجديدة".
في السياق، وفي دراسة حملت عنوان "ماذا يغيّر انتقال كازاخستان إلى اللاتينية؟" ونُشِرت على موقع مركز كارنيغي في موسكو، رأى المؤرّخ مكسيم أرتيمييف أنّ قادة بعض الجمهوريات السوفييتية السابقة استرشدوا في التحوّل إلى الأبجدية اللاتينية بتجربة مؤسس الجمهورية التركية، كمال أتاتورك، في التخلي عن الخط العربي في عام 1928 وتأليف لغة جديدة. وعلى الرغم من ذلك، توقّع أرتيمييف استمرار هيمنة اللغة الروسية في كازاخستان لجيل أو ثلاثة نظراً إلى عوامل جغرافية، معيداً دوافع نزارباييف إلى "نيّته إظهار استقلاله عن روسيا، وتحويل جزء من طاقة المجتمع إلى الترويج للقضية اللغوية في سياق قومي، ورغبته في دخول التاريخ كإصلاحي".
تجدر الإشارة إلى أنّه بعد سنوات من النقاشات، وقّع نزارباييف في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي على مرسوم تحويل الأبجدية الكازاخية من السيريلية إلى اللاتينية. وأرجع نزارباييف قراره إلى "منطق تاريخي عميق" و"خصائص الاتصالات في العالم الحديث". وبموجب هذا الإصلاح، سوف تصدر كازاخستان كل الوثائق والدوريات والكتب التعليمية بالأبجدية اللاتينية بحلول عام 2025.
اقــرأ أيضاً
يرى إيليا روديرمان صاحب متجر الخطوط "تايب توداي"، أنّ "الانتقال إلى الأبجدية اللاتينية ينطوي على مخاطر عدّة، وفي مقدّمتها إحداث فجوة بين الأجيال وزيادة صعوبة الحصول على معلومات". ويوضح لـ"العربي الجديد" أنّه "من الصعب جداً أن تنقل معرفة جديدة إلى جيل تعوّد على ما هو قديم. سوف يواجه المسنّون صعوبة في التعوّد على الأحرف اللاتينية. إلى ذلك، تراكمت لدى كازاخستان معرفة كبيرة مدوّنة بالأحرف السيريلية، ومع مرور الزمن سوف يواجه الناس صعوبة في الاطلاع على هذا التراث". يضيف روديرمان أنّ "الأبجدية اللاتينية لا تغطّي كل أصوات اللغة الكازاخية"، علماً أنّ "الأحرف السيريلية الكازاخية يبلغ عددها 42 حرفاً".
ولمّا كانت اللغة الكازاخية تتبع لمجموعة اللغات التركية الأصل ظلّ سكان كازاخستان يعتمدون الكتابة العربية حتى عام 1929، قبل التحوّل إلى الأبجدية اللاتينية ثمّ السيريلية. ويوضح روديرمان أنّ "تحويل لغات الشعوب السوفييتية إلى الأحرف السيريلية لم يكن لدوافع سياسية فحسب، بل كذلك لأسباب عمليّة مثل إصدار الكتب والتدريس بالمدارس باللغتَين الروسية والوطنية بالتوازي".
إلى ذلك، تُعَدّ أستانة حليفاً أساسياً لموسكو في فضاء الاتحاد السوفييتي السابق، نظراً إلى عضوية كازاخستان مع كلّ من روسيا وبيلاروسيا وأرمينيا وقرغيزيا في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي. وقد أثار قرار التحوّل إلى الأبجدية اللاتينية تساؤلات حول الدوافع السياسية لذلك وسعي رئيس جمهورية كازاخستان، نورسلطان نزارباييف، إلى إثبات استقلاله عن موسكو. في السياق، وصف النائب في مجلس الدوما (النواب) الروسي، أليكسي جورافليوف، قرار أستانة بأنّه "خطوة غير ودية تجاه روسيا الاتحادية"، بينما رأت فيه وزارة الخارجية الروسية شأناً داخلياً للبلاد.
ويذكّر سولوزوبوف بأنّ "الانتقال إلى الأحرف اللاتينية في أذربيجان أدّى إلى فقدان أغلب الوثائق التقنية المكتوبة باللغة الروسية، بينما تصدر وثائق كثيرة في أوزبكستان باللغتَين الوطنية والروسية لعدم تكيّف الأجيال الكبيرة مع الأبجدية الجديدة".
في السياق، وفي دراسة حملت عنوان "ماذا يغيّر انتقال كازاخستان إلى اللاتينية؟" ونُشِرت على موقع مركز كارنيغي في موسكو، رأى المؤرّخ مكسيم أرتيمييف أنّ قادة بعض الجمهوريات السوفييتية السابقة استرشدوا في التحوّل إلى الأبجدية اللاتينية بتجربة مؤسس الجمهورية التركية، كمال أتاتورك، في التخلي عن الخط العربي في عام 1928 وتأليف لغة جديدة. وعلى الرغم من ذلك، توقّع أرتيمييف استمرار هيمنة اللغة الروسية في كازاخستان لجيل أو ثلاثة نظراً إلى عوامل جغرافية، معيداً دوافع نزارباييف إلى "نيّته إظهار استقلاله عن روسيا، وتحويل جزء من طاقة المجتمع إلى الترويج للقضية اللغوية في سياق قومي، ورغبته في دخول التاريخ كإصلاحي".
تجدر الإشارة إلى أنّه بعد سنوات من النقاشات، وقّع نزارباييف في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي على مرسوم تحويل الأبجدية الكازاخية من السيريلية إلى اللاتينية. وأرجع نزارباييف قراره إلى "منطق تاريخي عميق" و"خصائص الاتصالات في العالم الحديث". وبموجب هذا الإصلاح، سوف تصدر كازاخستان كل الوثائق والدوريات والكتب التعليمية بالأبجدية اللاتينية بحلول عام 2025.