مطالبات بزيادة إجازة الأبوّة في فرنسا

18 نوفمبر 2017
خطوة لنسج علاقة أفضل مع الطفل (خافيير ليوتي/فرانس برس)
+ الخط -

خطوة جديدة في مسار المساواة بين الرجال والنساء في فرنسا من خلال مطالبات بزيادة إجازة الأبوّة إلى ستة أسابيع.

أطلقت مجلة "كوزيت" الأسبوعية الفرنسية، قبل نحو أسبوعين، عريضة مفتوحة موجهة إلى رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون ووزيرة التضامن والصحة أنييس بوزين وسكرتيرة الدولة المكلفة بالمساواة بين الرجال والنساء مارلين شيابا، تطالب بحلّ قضية إجازة الأبوّة، أي زيادة المدة الزمنية التي يمكن للزوج/ الأب أن يظل فيها مع عائلته بعد كلّ ولادة لشريكته.

القانون الحالي في فرنسا يمنح الأم ستة أسابيع قبل الوضع، بالإضافة إلى عشرة أسابيع بعد الولادة، ولا يسمح للزوج بأكثر من 11 يوماً متتالياً، بما فيها إجازة نهاية الأسبوع. ولإعادة الاعتبار للأب، تطالب العريضة بمنحه ستة أسابيع.

يشدد الموقعون على العريضة على أنّ مدة الإجازة الحالية "تافهة". يطالبون بأن تكون "إلزامية" مصحوبة بتعويضات مالية كما هو الشأن مع إجازة الأم. الإلزام يمنحها "شرعية" وينزع عنها "شعوراً محتملاً بالذنب أمام المُشغِّل" كثيراً ما يراود الآباء.

تتحدث العريضة عن الظروف المؤلمة للوالدين، فالأب يترك زوجته ويذهب إلى العمل في كلّ الأحوال، ومهما كانت ظروف الولادة. وغالباً ما يعيش الزوجان هذا المستجد باعتباره "صدمة". يكون الأمر بالغ الصعوبة مع المولود الأول، إذ يتعين الاعتياد على أشياء جديدة في حياة الزوجين. وتستعين العريضة (التي وقّع عليها حتى الآن أكثر من 42 ألف شخص، من بينهم شخصيات معروفة) بآراء محللين نفسيين تتفق على أنّه يتوجب منح الزوج إجازة 21 يوماً، على الأقل، حتى يتأقلم مع الظروف المستجدة، فالأم تجد نفسها وحدها في الاهتمام برضيعها مع كلّ ما يمكن أن يؤثر على صحتها، من قلق ونقص في النوم مع بطء في التعافي من الولادة. يؤكد هؤلاء أن حضور الشريك/ الزوج يمكنه أن يحدّ أيضاً من اكتئاب ما بعد الولادة.




في ظل الواقع الحالي، إذ لا يمنح الأب سوى 11 يوم إجازة، فإنّ كلّ المهام في غياب الشريك تظلّ على عاتق الأمّ، التي يتوجب عليها تنظيم بيتها والاهتمام بالرضيع، وهذا ما يثقل كاهلها. ولا يبقى أمام الأب سوى المساء لرؤية شريكته وطفله الرضيع، ويتمكن من تعلم كيفية الاهتمام به. أمام هذا التقسيم للعمل، فإن الأمّ، كما يرى المحلل النفسي سيرج هيفيز، وهو من الموقعين الأوائل على العريضة، "هي التي تأخذ على عاتقها العبء الأكبر في تربية أبنائها".

تستعرض العريضة إيجابيات الزيادة في إجازة الأب بعد الولادة. منها أنها ستتيح للوالدين أن ينسجا، منذ اللحظات الأولى، علاقات متميزة مع طفلهما، كما ستساعد الأمهات في الأوقات الأولى التي يكون فيها الاهتمام بالرضيع بالغ الصعوبة. وستساعد في دفع الآباء للاهتمام أكثر بتربية الأبناء. وأخيراً تساعد في عدم دفع النساء إلى الاكتفاء بدور ربّة البيت فحسب. تقول العريضة إنّ إتاحة المجال للرجال أن يأخذوا، بشكل حقيقي، على كاهلهم مسؤولية إدارة البيت، بشكلٍ مُساوٍ للزوجة سيذهب بفرنسا إلى الأمام في المناصفة. وسيمثل الانتقال من إجازة 11 يوماً إلى ستة أسابيع كاملة "خطوة كبرى في هذا المجال".



وإذا كانت هذه العريضة تنطلق من مبدأ يحضر في فرنسا بقوة منذ فترة، وهو مبدأ المناصفة بين المرأة والرجل، وهو ما دفع الرئيس إيمانويل ماكرون إلى تعيين سكرتيرة دولة مكلفة بالمساواة بين الجنسين، فإنّ ظروف تطبيق المساواة، ليست بالأمر السهل، فمنذ سنوات تتعالى أصوات رجال ونساء تعيب عدم التساوي في الأجور بين النساء والرجال، ولم يحسم الأمر بعد.

السيدة سليمة، فرنسية من أصول جزائرية، ترحب بما ورد في العريضة، وقد وقّعت عليها، ودفعت زوجها إلى التوقيع عليها. تقول: "هي مبادرة جيدة، فعند ولادة ابني الأول كان زوجي يعمل بعيداً جداً عن البيت، فاضطررت لإحضار أمي من الجزائر". أما زوجها فيعلق: "ليس الأمر سهلاً، لأنّ أرباب العمل لن يوافقوا، والأزمة الاقتصادية لن تسمح بتنفيذه. أما الدولة فهي بصدد ترشيد الخدمات، ولا يمكنها أن تموّل مثل هذا الأمر".

من سيموّل هذا الاقتراح في حال قبوله؟ هو سؤال طرحه كثيرون ممن التقت "العربي الجديد" بهم. جان بيير، سائق باص، يرحّب بالفكرة ويعتبرها مفيدة، لكنّه يحكم بأنّها مجرد حلم بعيد المنال "كم سيكون رائعاً أن أحضر ولادة طفلي، وأظل عدة أسابيع معه ومع زوجتي حتى تتحسن صحتها بشكل كافٍ".

طبيبة الأطفال كورين مورو، ترى في تحقيق هذه الرغبة فائدة للأبوين وللرضيع. تقول لـ"العربي الجديد": "الفكرة إنْ تحققت مفيدة للأب حتى يكون واعياً، بشكل أكبر، بتضحيات الزوجة/ الأم، ومفيدة للزوجة لأنّها تجد من يساعدها في مواقف جديدة عليها، خصوصاً مع المولود الأول. وهي مفيدة أيضاً للرضيع حتى ينعم بحضور والديه معاً".

من جهة أخرى، يرى الباحث الاقتصادي علي بوكبّوس أنّ المبادرة قد تجد صدى لدى الحكومة، لكنّ تمويلها غير متوفر، في ظل ظروف اقتصادية ليست جيدة، تضررت منها حتى وزارة الجيوش الفرنسية نفسها. وفي المحصلة النهائية، قد يسمح للرجال/ الآباء بإجازة أكبر، لكن غير مدفوعة الأجر.

وينتظر مطلقو العريضة توقيع 50 ألف شخص حتى يتقدموا بها إلى سكرتيرة الدولة المكلفة بالمساواة بين الرجل والمساواة، ومنها إلى الرئيس الفرنسي.