قبل سنوات لم يكن الجزائري يهتم بفاتورة الكهرباء والغاز والماء، لكنّ الأزمة الاقتصادية وهبوط أسعار النفط أدخلت التقشف إلى قاموسه اليومي في كلّ شيء.
أسعار كلّ شيء ترتفع في الجزائر والمداخيل على حالها، بل أسوأ من ذلك فكثير من الموظفين مهددون بتوقيفهم عن العمل التزاماً بسياسة حكومية جديدة هدفها ضبط الموازنة والحدّ من الإنفاق.
بذلك، ينتشر في الشارع الجزائري الحديث عن التقشف، المرتبط بجيب المواطن، وكيف سيتحمل توفير نفقات الأسبوع لأولاده، أما نفقات الشهر فهي بالنسبة إليه في خانة التأجيل. قبل عامين، كانت الأزمة مجرد كلمات مبعثرة يطرحها البعض كأفكار، لكنّها بدأت في التغلغل إلى الوقائع اليومية مع رفع أسعار المحروقات، وبالتالي المواصلات، لتضرب الأسعار الجديدة كلّ شيء بدءاً من إيجارات المنازل وصولاً إلى الملبس والمأكل حتى بات التقشف نهجاً معتمداً لدى كثيرين يتيح لهم الصمود في وجه الأزمة.
يشير البعض إلى أنّ التقشف ليس وليد اليوم بل هو من ركائز الثقافة الاستهلاكية للمواطن. يقول السعيد، وهو مدرس ثانوي، لـ"العربي الجديد" إنّ الاستهلاك اليومي للجزائريين يرتفع وينخفض بحسب الأسعار، خصوصاً بالنسبة للمواد التي لا يستهلكها الجزائري كثيراً أو تعد إضافية أي التي يمكنه أن يتخلى عنها أو يتركها إلى حين انخفاض أسعارها".
لكنّ الحديث عن التقشف يخيف الجزائريين، خصوصاً أولياء الأمور من ذوي الدخل المحدود، وهو مؤشر على تغلغل الوعي الاستهلاكي لدى الجزائريين إنّما "في الوقت بدل الضائع" كما يردد أحد موظفي إدارة بلدية السمار في العاصمة الجزائرية. يقول: "الحكومة استفاقت على فراغ الخزينة العمومية وترسل خطاباً مرعباً للمواطنين، لكن في الجهة المقابلة فإنّ المواطن اعتاد على الاستهلاك الكبير لمواد كمالية، وعلى الإنفاق غير الضروري من دون أي ترشيد".
سياسة التقشف التي أعلنت عنها الحكومة الجزائرية أخيراً يعتبرها البعض جساً للنبض، يهدف إلى استشعار الشارع الجزائري، والتمهيد لتقبل صعوبة الأيام القادمة مع انخفاض أسعار البترول. يقول البعض لـ"العربي الجديد" إنّ المواطن مطالب بأن يستجيب للأمر الواقع ويلغي من أجندته اليومية الاستهلاكية العديد من المواد التي كان يستهلكها بكثرة مع أنّها "ليست ضرورية".
أكبر المتأثرين موظفو عقود ما قبل التشغيل (فاروق باطيش/ فرانس برس) |
بالرغم من كلّ الآراء يظل التشقف مخيفاً للجزائريين، خصوصاً إذا ما قررت الحكومة الجزائرية وقف بعض المشروعات المتعلقة مثلاً بالسكن وغيرها مما يمس المواطن، وتخفيض ميزانية بعض القطاعات، وبالتالي "حرمان الآلاف من العمال والموظفين من علاوات شهرية وفي المناسبات" فضلاً عن تجميد الزيادات في الأجور بحسب وعود الحكومة السابقة برئاسة عبد المالك سلال.
هواجس كثيرة للمواطنين الجزائريين من سياسة التقشف. من ذلك ما يتعلق بموظفين بعقود ما قبل التشغيل وهي العقود التي خصصتها الحكومة الجزائرية لتشغيل المتخرجين حديثاً من الجامعات في إطار سياسة القضاء على البطالة. وفي خصوص ذلك يتخوف كثيرون من إلغاء هذه العقود ما يؤدي إلى بطالة آلاف الموظفين بحسب وليد رحماني (29 عاماً). يؤكد لـ"العربي الجديد" أنّ مخاوفه نابعة من تلك التصريحات التي أطلقها السياسيون وتتعلق بتقليص ميزانية الحكومة، ما سيؤثر على أجور العمال، وسيكون العمال المؤقتون "أكبر ضحية" كما يوضح.
يقول الخبير الاجتماعي نور الدين بوقاس لـ"العربي الجديد": "الجزائري لا يمكن إقناعه اليوم أنّ الخزينة فرغت، بل كلّ أصابع الاتهام ستوجه للحكومة، فضلاً عن وصفها بأفظع الأوصاف. لكنّ الحكومة نفسها علمتنا أن تستجيب للمطالب بحلول ترقيعية للأزمات الصغيرة مثل أزمة السكن وأزمة البطالة وتوزيع القروض على الشباب من دون تحديد سبل تعويض تلك الخزينة من خلال المشاريع الاستثمارية للشباب ومن خلال الضرائب أيضاً".
بالفعل، فإنّ كثيرين يعتبرون ما وصلت إليه الجزائر اليوم بالرغم من أنّها بلد الثروات الطبيعية، تتحمله الحكومة "بتسهيل الحصول على السيولة المالية، وبسياسة الدعم التي خلقت جيلاً اتكالياً" بحسب الأستاذ في علم الاجتماع الأسري محمد مناد لـ"العربي الجديد". يوضح أنّ المواطن أيضاً يتحمل المسؤولية: "في وقت سابق لم يكن الجزائري يعير أدنى اهتمام لحجم التبذير ورمي الخبز وعدم الاكتراث لاستهلاك الكهرباء والماء وغير ذلك".
بدورها، تلفت الطبيبة في مستشفى "مصطفى باشا الجامعي" الدكتورة هدى بنورة إلى أنّ النقابات الطبية كانت تنتظر رفع الأجور وتحسين ظروف عمل قطاع الصحة العام، لكنّ ذلك يبدو من دون معنى الآن، فطريقة معالجة الأزمة الاقتصادية ستمنع الموظفين في قطاعات مختلفة عن الدعوة الى تحسين ظروفهم المهنية والاجتماعية، كما تقول لـ"العربي الجديد".