مُهجّرون سوريون يخاطرون بحياتهم للعبور إلى تركيا

30 يناير 2017
يطلب المهربون مبالغ كبيرة (أوزان كوزي/Getty)
+ الخط -
تسببت عمليات التهجير التي قام بها النظام السوري، خلال الأشهر الماضية بحق أهالي العديد من المدن السورية كحلب وريف دمشق، بخلق كتلة سكانية جديدة وضخمة في مدينة إدلب وريفها، وسط ظروف اقتصادية وأمنية بالغة الصعوبة، وهو ما دفع كثيراً من العائلات المهجرة حديثاً لمحاولة العبور إلى الأراضي التركية بوساطة مهربين، يساعدونهم على قطع الحدود البرية بشكل غير شرعي، بسبب إغلاق المعابر الحدودية.

عبدالله الخان، سوري يعيش في مدينة الريحانية الحدودية جنوب تركيا، يقول لـ"العربي الجديد": "في كل يوم يصل العشرات من السوريين العابرين للحدود، ازدادت أعدادهم بعد عمليات التهجير الأخيرة، بعد أن كانت قد تناقصت كثيراً بسبب مقتل العشرات ممن حاولوا العبور برصاص الجندرمة التركية، تزايد الطلب دفع أيضاً المهربين إلى تفضيل من يدفع أكثر، فارتفعت أجور المهربين من حوالى 300 دولار إلى 600 أو 700 دولار أخيراً، أراد أخي وعائلته القدوم إلى هنا، لكن بهذا السعر استطاع إرسال ابنه فقط وبقيت العائلة هناك".

أما علي، وهو شاب سوري هجّر من مدينة داريا، فيقول: "تنقلت بين ثلاثة مخيمات، لم أستطع التأقلم في أي منها، مورست علي ضغوط للانضمام إلى أحد الفصائل المسلحة المتواجدة في إدلب ممن لا تمثل ثورتنا، فقررت أن أسافر إلى تركيا".

ويروي علي  تفاصيل رحلته في العبور إلى الأراضي التركية: "كنا حوالى 25 شخصاً، التقينا في نقطة الانطلاق، كنت قد دفعت 500 دولار للمهرب، وهو من أبناء إحدى القرى الحدودية، انتظرنا حتى أولى ساعات الليل، كان البرد قارساً، كان علينا أن نعبر الحدود تحت جنح الظلام، وقبيل الانطلاق بحوالى الساعة أمرنا المهرب أن نرمي حقائبنا وألّا نحتفظ إلا بحقائب ظهر خفيفة، لأن علينا أن نركض، اعترضت نساء كثيرات، لكن اضطررن أخيراً لرمي كل الحقائب بما فيها من ثياب وحاجيات، والاحتفاظ بأوراقهن الثبوتية وما يملكنه من بعض المال، بالنسبة لي لم أكن أحمل أكثر من تلك الحقيبة، حوالى الساعة العاشرة ليلاً، بدأنا المشي باتجاه السياج الشائك".



ويضيف: "الطريق الذي سلكناه كان صعباً جداً، في أراض زراعية ومليئاً بالأوحال، قال لنا المهرب إنه آمن أكثر من غيره، مع أن هناك طرقاً أقصر لكن أخطر، تتواجد معظم الطرق في منطقة خربة الجوز، استغرقنا حوالى الساعة إلى أن وصلنا للسياج".

ويتابع: "جلسنا هناك خلف بعض الأشجار ننتظر مرور سيارة الحراسة التركية، كانت أمامنا المرحلة الأصعب، وهي عبور السياج، وهو عبارة عن طريق مزفت، على جانبيه سياجان شائكان، وعلى طوله تتوزع أبراج مراقبة عالية، تفصل بينها عدة كيلومترات فقط، بعد مرور السيارة، ركض المهرب ورفع السياج، وطلب منّا أن نزحف من تحته، فزحفنا واحداً تلو الآخر".

ويستذكر علي: "كنا لا نرى أي شيء، فأمامنا ظلام دامس، وأنا أزحف من تحت السياج علق حذائي فيه، كنت في وضع حرج، إما أن أخلعه وأمضي في طريق وعرة بقدم حافية، أو أن أتخلف عن الركب وأضيع وحدي، لكني كنت محظوظاً لأنني استطعت تخليصه وركضت مسرعاً لألحق بالبقية".

ويضيف: "في هذه المرحلة، كان علينا أيضاً أن نسلك طرقاً وعرة جداً بين الجبال حتى لا ترانا أبراج المراقبة، كنا نسير كالحبل واحداً تلو الآخر حتى لا نتوه، لكن الطريق كان مظلماً جداً، لا نعرف على ماذا نمشي وماذا أمامنا، حين وجدنا أضواء بعيدة عرفنا أننا اقتربنا من إحدى البلدات، وهنا بدأنا نتعجل بمشيتنا ونتفرق، وحين استطعت أن أرى نفسي وجدتني مغطى بالطين والغبار، وعند وصولي لأول قرية تركية، كنت أخشى أن تُمسك بي الشرطة، فاستنجدت بأول منزل وجدته، كانوا أتراكاً وطيبين جداً، ثم اتصلت بأحد أقربائي فجاء واصطحبني".

بالنسبة لكثيرين، لا تنتهي هذه الرحلة على خير، إذ يتعرضون أحياناً لإطلاق النار من الجندرمة التركية، وقد يقبض عليهم وينقلون إلى سجن مؤقت، وتتم إعادتهم للأراضي السورية من جديد.

بثينة شابة سورية، من مدينة حلب، قررت الهروب إلى الأراضي التركية بعدما هجّرت من مدينتها مع اقتحام قوات النظام السوري لها.

رحلة بثينة في عبور الحدود استغرقت يوماً كاملاً، إذ تقول: "كانت الحراسة شديدة يومها، تقدمنا وتراجعنا كثيراً، وحين عبرنا، لحقت بنا كلاب حراسة وهي تنبح بصوت عال وتحت جنح الظلام، اضطررت لإلقاء الحقيبة التي أحملها من شدة الخوف، لأركض بسرعة، كانت فيها كل أوراقي الثبوتية هويتي وجواز سفري وأوراق تخرجي.. أنا لا أملك أي إثبات لهويتي اليوم، وأعيش بشكل غير شرعي في هذه البلاد. الله وحده يعلم إلى أي حد هذا صعب".

وتضيف: "حاولت السؤال عن إمكانية إيجاد الحقيبة، فقال لي المهرب: "احمدي الله على وضعك.. الآن نحن بصدد البحث عن طفلة عمرها 4 سنوات ضاعت من أمها في الطريق، ولا نعرف إن كانت حية. لكني علمت أن أحدهم وجدها وأعادها لأمها بعد يومين".


 

المساهمون