تتفاقم معاناة نحو نصف مليون مدني سوري يعيشون في محافظة دير الزور، والتي يتقاسم النظام السوري وتنظيم الدولة "داعش" السيطرة عليها، وذلك بعد تجدد المعارك بين الطرفين، وتعرّض المدنيين للقصف على يد الطرفين.
في مناطق سيطرة النظام، تستمر معاناة نحو 70 ألف مدني يتواجدون في أحياء القصور والجورة، بسبب حصار "داعش" الذي يمنع دخول الأغذية ومقومات الحياة منذ عامين، في حين تمنع قوات النظام المدنيين من مغادرة المنطقة.
ويقول عبد الله الديري، وهو ناشط إعلامي من المحافظة، إن "الحصار على مدى سنتين كاملتين حرم المدنيين من أبسط مقومات الحياة، حتى المساعدات الإنسانية التي أسقطتها الأمم المتحدة جواً على دير الزور، ذهب معظمها إلى قوات النظام وأتباعه، ولا يحصل الأهالي منها إلا على الفتات"، مضيفاً أن "المواد الغذائية تباع في الأسواق بكميات قليلة وأسعار مرتفعة".
ويتابع الناشط أنه "على مدى السنوات الماضية، خسر الأهالي مدخراتهم المالية، وهناك من باع ممتلكاته ليبقى حياً يأكل ويشرب، في الوقت الذي جمع فيه الأمنيون وسماسرتهم الثروات على حساب الناس من خلال بيع المنتجات التي تأتي عن طريق المطار، وابتزازهم مقابل إخراجهم من المدينة أو إخراج ذويهم من المعتقلات".
ويضيف "أعلن النظام منذ أشهر فتح باب التقدم بطلبات لمن يود الخروج جواً من المدينة، فأخرج بضع عشرات من المرضى وقام بتصويرهم وعرضهم على الشاشات، وكانت تلك شرعنة للرشوة والابتزاز. كل أهالي الدير قدموا طلبات، لكن أحداً لا يخرج إلا بدفع المال".
وتستمر قوات النظام في عمليات التجنيد الإجباري في المناطق التي تسيطر عليها، وتجمع الشبان للخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياطية من خلال الاعتقالات والمداهمات، إذ يؤكد الناشط الديري: "رغم نجاح عشرات الأهالي في الخروج من المدينة من خلال طائرات النظام مقابل مبالغ مادية كبيرة قدمت كرشوة لضباط النظام، إلا أن هذه الرشاوى كانت تستثني الشباب والرجال ممن هم تحت 40 عاماً، فقد حاول النظام تغذية مليشياته وقواته من أهالي المدينة، واستعمال الباقي كدروع بشرية، وهناك من اضطر إلى التطوع في مليشياته ليحصل على طعام له ولعائلته".
مناطق داعش
ويعاني المدنيون في الأرياف التي يسيطر عليها "داعش" من عدم توفر أدنى متطلبات الحياة الإنسانية، في ظل نقص الدواء والغذاء والماء، وتزيد الأمر سوءاً القبضة الأمنية والترهيب الذي يمارسه عناصر التنظيم عليهم، إضافة إلى خطر قصف قوات التحالف الدولي لهذه المناطق التي تنتشر فيها مقرات "داعش" وسجونه، وهو ما يودي بحياة العشرات من المدنيين الأبرياء.
وأطلق عدد من ناشطي المدينة وأهلها نداءات استغاثة، عبر حملتي "على ضفتي الموت" و"وجع الفرات"، ناشدوا فيها أطراف النزاع تحييد المدنيين عن قصف قوات التحالف الدولي، التي تستهدف مناطق واسعة في دير الزور.
يقول محمد الذي تعيش عائلته في مناطق سيطرة التنظيم، إن "داعش يمنع الإنترنت، أتواصل مع أهلي بصعوبة بالغة. باءت كل محاولاتي لإخراجهم بالفشل. من يحاول الفرار يغامر بحياته، وقامت حواجز داعش بتصفية العشرات ممن حاولوا الهرب، بينما تتعمد قوات التنظيم القيام بإعدامات متكررة في الساحات، لترهيب الأهالي وتخويفهم، تارة بتهمة الكفر، وتارة بتهمة العمالة".
ويضيف "رغم اختلاف الجلاد بين طرفي المدينة، إلا أن المعاناة واحدة، والأهالي يعانون القمع والاعتقالات والقصف والتجويع".
وبعد إغلاق الطرق في المناطق المحيطة، كطريق دمشق دير الزور الدولي، يحاول بعض الأهالي الهرب من قبضة "داعش" عبر محافظة الحسكة إلى مخيم "الهول" في ريف الحسكة الشرقي، والذي يبعد عن مدينة الحسكة قرابة 50 كم، ويضم نحو 15 ألف مدني، معظمهم نازحون من العراق ودير الزور، إلا أنهم يصطدمون بقوة عسكرية تابعة لـ"حزب الاتحاد الديمقراطي" الكردي، باتت تمنع مرور المدنيين باتجاه المخيم منذ بداية أيلول/سبتمبر من العام الماضي.
ووثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان "تجمّع ما لا يقل عن 2100 مدني، معظمهم من النساء والأطفال والمرضى، يقيمون في العراء في منطقة صحراوية بجوار الحاجز، ويفتقدون إلى أدنى مقومات الحياة، إضافة إلى تناقص كميات الطَّعام، وانعدام شبه تامٍّ للرعاية الصحية، والنَّظافة الشخصية"، مشيرة إلى أن "قلَّة الماء النظيف أدى إلى تدهور الوضع الصحي للمرضى، ما يتسبب في وفيات".