لن يكون العام الدراسي سهلاً في اليمن في ظلّ الحرب المستمرّة في البلاد، والوضع الاقتصادي الصعب، والانقسام في العملية التعليميّة. وقد أثّرت الحرب وزيادة عدد النازحين وضعف التمويل على جودة التعليم.
يبدأ العام الدراسي الجديد في اليمن في ظلّ ظروف سياسيّة واقتصاديّة تعدّ الأسوأ للعام الثاني على التوالي، ما يهدّد المسيرة التعليمية ومستقبل أكثر من ستة ملايين تلميذ. وقبل بدء العام الدراسي، انعكس الانقسام السياسي في البلاد على وزارة التربية والتعليم، بعدما أصدر رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي مرسوماً رئاسيّاً بتعيين عبدالله لَملَس وزيراً للتعليم، يكون مقرّ وزارته، عدن، العاصمة المؤقتة لليمن. واحتفظ أنصار الله (الحوثيّون) بمقر وطاقم وزارة التعليم السابقة في مدينة صنعاء، في خطوة تعبر عن رفضهم توحيد المسيرة التعليمية، وتمردهم على سياستها.
تزامن الانقسام مع انقسام إداري واضح في العملية التعليميّة، بعدما أعلنت وزارة التعليم في عدن عن بدء العام الدراسي الجديد، اليوم، في مدارس المحافظات المحرّرة من سيطرة الحوثيين، في وقت أعلنت الوزارة الخاضعة لسيطرة الحوثيين في صنعاء عن بدء العام الدراسي في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
وبعد إعلان المصرف المركزي الحكومي إفلاسه وعجزه عن توفير السيولة المالية لتسيير مرافق الخدمة العامة، يمر اليمن بظروف مالية عصيبة. وتخشى الأسرة اليمنيّة من عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها وتعليم أبنائها وتمويل ما تحتاجه، من دون أن يؤثّر الأمر على قدرة الوزارتين على تسيير العملية التعليميّة بالحد الأدنى، ليهدد كل ذلك إمكانية عدم تلقي الوزارتين دعماً مالياً من الأطراف الدولية الداعمة لليمن.
تقول التلميذة عبير عبدالله، وهي في مدرسة سكينة الثانوية للبنات (شرق مدينة صنعاء)، لـ "العربي الجديد"، إنها لا تشعر بالحماس للذهاب إلى المدرسة هذا العام لأسباب شخصيّة وعامة. وأكثر ما يقلقها هو عدم اهتمام والدها بها، والاكتفاء بتعليم أشقائها الذكور، خصوصاً بعدما صرف كل مدخراته، وسرّح من عمله بسبب الحرب، في ظل وجود متطلّبات معيشيّة أكثر أهمية من التعليم. تشير إلى أن كثيراً من زميلاتها في مدارس مختلفة أكدن بأن مدرِّسات في صفوف مختلفة توقفن عن التدريس طوال العام الماضي، ما دفع إدارات المدارس إلى التعاقد مع مدرسات لم يعملن في هذه المهنة من قبل، الأمر الذي أثّر على العملية التعليمية "وفي النهاية، توضع الدرجات بالمجاملة من دون أن يكون هناك إنصاف للمتفوقين".
بالنسبة إلى خالد الذماري، والذي ترفع إلى الصف الثالث الثانوي، يقول إنه "محبط"، وبات مقتنعاً أنه لا طائل من الدراسة هذا العام. لا تجد أسرته ما تأكله بسبب عدم حصولها على راتب الوالد المتوفّى. يقول: "أفكر في أن أتوقّف عن الدراسة هذا العام، والبحث عن عمل لأساعد أسرتي وأنتظر استقرار الأوضاع"، مشيراً إلى أن دراسته في ظل هذه الأوضاع تعني أنه سيظلم.
يقول الذماري بإنه فقد الأمل في أن تتعدل الأوضاع التعليمية في مثل هذه الظروف، ليفكر بأن يتوقف هذا العام عن الدراسة على أمل أن يجد فرصة حقيقيّة لدراسة الثانوية العامة في ظروف أكثر اطمئناناً. يضيف: "ينتهي العام ولا نحصل على مبتغانا من الدراسة. كما أن غالبية التلاميذ يعتمدون على الغش ليتجاوزوا المراحل الدراسية، وهذا ما يجعلني أؤمن بأننا نكذب على أنفسنا ولا ندرس"، لافتاً إلى أن توقفه عن الدراسة مؤقتاً أفضل من الاستمرار فيها، لا سيما أنه سيعمل خلال هذه الفترة على مساعدة أفراد أسرته.
ويؤكد الذماري أن الكثير من التلاميذ اليمنيّين الذين كانوا يرغبون فعلاً في التعلّم باتوا يؤمنون بأن اليمن ليس قادراً على تقديم خدمة لهم، وهم يبحثون عن فرص للخروج من البلاد. يتابع أن "فرص الخروج من اليمن معدومة تماماً في ظل رفض غالبية الدول استقبالهم وتوقف حركة الطيران".
كانت وما زالت طباعة الكتاب المدرسي في مطابع الحكومة الثلاث إحدى أهم عقبات التعليم خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وأصبحت المدارس تُلزم الطلاب بتوارث الكتب المستخدمة لتصبح مهترئة ومليئة بالحبر هذا العام. في المناطق المحررة، والتي تحتضن 40 في المائة من إجمالي عدد الطلاب في البلاد، تقدم عدد قليل من المنظمات الدولية، وعلى رأسها "يونيسف"، دعماً لمكاتب التعليم في معظم المناطق اليمنية. إلا أنّ المراقبين يعربون عن شكوكهم من قدرة هذه المنظمات على الوفاء بأدنى الاحتياجات بسبب ضخامة المتطلبات، ومنها رواتب المدرسين وطباعة الكتاب المدرسي وترميم 1600 مرفق تعليمي متضرر من الحرب، والإنفاق على متطلبات ونفقات الإشراف والامتحانات.
وبلغت آخر موازنة حكوميّة لقطاع التعليم في عام 2014 ملياري دولار، سيكون توفيرها قضية بالغة الصعوبة، في وقت حصلت فيه جميع المنظمات الإنسانية البالغ عددها 110 منظمة دولية ومحلية على نحو 635 مليون دولار فقط خلال العام الجاري، لتغطية الاحتياجات الإنسانية لليمنيين، بما فيها التعليم الذي لم يحظ سوى بما نسبته 17 في المائة من ذلك المبلغ.
بعض النشاطات والمتطلبات التعليمية قد تكون متاحة للدعم من قبل المنظمات الدولية، لكن أضخم تلك المتطلبات، وعلى رأسها توفير رواتب المدرسين والإدارة المدرسية، خصوصاً في مناطق سيطرة الانقلابيين، تظل صعبة التحقيق في ظل الصعوبات المالية الراهنة.
يقول أستاذ اللغة العربية عبد الرحمن الحيمي إن "إيقاف رواتب المدرّسين مثل كثير من موظفي الدولة خلال هذا العام يظل احتمالاً وارداً تماماً بسبب وجود موارد مالية ضئيلة للحكومة وعدم إعلان أي دولة استعدادها لدعم الرواتب". ويؤكد الحيمي أنه في حال إيقاف راتبه، سيتوقف عن التدريس ليبحث لنفسه عن أي مشروع صغير، مشيراً إلى أن "توقف المدرّسين المعتمدين عن التدريس سيسبب وضعاً كارثياً للتعليم، خصوصاً في الأرياف التي تحتضن معظم التلاميذ، ولا يلقى التعليم اهتمام الحكومة أو الأسرة كما في المدن".
وعن المشاكل المختلفة التي تواجهها العمليّة التعليميّة في اليمن، يؤكد وزير التربية والتعليم عبدالله لملس، استعداد مطبعتي عدن والمكلا لطباعة 50 في المائة فقط من احتياجات الطلاب في تلك المناطق، في وقت تتوقف فيه مطبعة صنعاء تماماً للعام الثاني على التوالي، عن العمل، ليحرم معظم تلاميذ البلاد من الكتاب. ويشير إلى حاجة المحافظات المحررة إلى مدرسين، على أن تحدّد النقص لمتابعة دفع رواتبهم بالتنسيق مع الجهات المانحة. ويلفت إلى أن معظم المتغيّبين إداريّون، ويحتاجون إلى قرار لضبط تقصيرهم.
وفي ظلّ وجود متطلّبات تعليميّة كثيرة هذا العام، أبدت جهات قليلة دعمها للعمليّة التعليميّة، رغم أنها لم تنفّذ سوى القليل فعلياً. ويكشف لملس لـ "العربي الجديد" بعضاً من ذلك الدعم، قائلاً إن الحرب أضرّت بنحو 1600 مدرسة، واتخذ النازحون نحو 150 مدرسة للسكن فيها. يقول: "نحن الآن في صدد توقيع اتفاقية مع مؤسسة العون التجارية قريباً، لتوفير فصول دراسية مؤقتة على شكل خيام لنحو 12 ألف تلميذ، إلى حين الانتهاء من إعادة تأهيل المدارس المتضررة". كما يتوقع دعماً من بعض منظمات المجتمع المدني والهلال الأحمر الإماراتي ولجنة الإغاثة الكويتية.
في السياق، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، وهي أكبر داعم للتعليم في البلاد، من خلال "العربي الجديد"، عن دعمها للتعليم خلال العام الدراسي من خلال مجموعة من النشاطات التي استهدفت دعم الآباء المتأثرين من الحروب أخيراً. ويؤكد المتحدث باسم "يونيسف" في اليمن، محمد الأسعدي، أن المنظمة بدأت فعلياً تدشين حملة إعلامية واسعة النطاق على مستوى اليمن، تحت عنوان "العودة إلى مدرسة"، تقودها فروع وزارة التعليم في المحافظات والمديريات، وتتضمن عقد لقاءات تشاورية بين الأطراف المعنية بالتعليم لمعالجة التحديات التي تواجه عودة الأطفال إلى مدارسهم في 40 مديرية متضررة من الصراعات الأخيرة.
ومن بين اجمالي المدارس المتضررة من الحرب، يلفت الأسعدي إلى أن "يونيسف عمدت إلى إعادة تأهيل 62 مدرسة متضررة من الصراع، بينما يجري العمل في 128 مدرسة، ونخطط لاستكمال 638 مدرسة أخرى، بالإضافة إلى أعمال النظافة التي يستفيد منها 223 ألف تلميذ". وتقدم المنظّمة الدعم النفسي والإجتماعي لـ 241 ألفاً و230 تلميذاً. ويتضمن الدعم إنشاء 695 مساحة تعليمية مؤقتة يستفيد منها نحو 24 ألف تلميذ، مع توزيع 390 ألف حقيبة مدرسية للأطفال الأكثر تضرراً واحتياجاً في المحافظات.