فساد العراق يسهّل إفلات اللصوص من المحاسبة

21 اغسطس 2016
أولئك القابعون في الفقر لا يهتمون (حيدر حمدان/فرانس برس)
+ الخط -

كثيرة هي أبواب العراق وشبابيكه التي زُوّدت بقضبان من حديد، لعلّها تقيها من الخلع والكسر، بالتالي تبعد احتمال اقتحام البيوت والأملاك بسهولة. فاللصوص في كل مكان. أمّا أولئك القابعون في الفقر فلا يهتمون. هم يدركون جيداً أنّ من ينوي السرقة لن يجد شيئاً في تلك الأكواخ.

منذ الغزو الأميركي للبلاد في عام 2003 اختفى الأمان، وهو ما دعا العراقيين إلى تحصين بيوتهم ومحالهم. على الرغم من ذلك تنتشر حالات السرقة، بعد كسر الأقفال واختراق التحصينات الأمنية. إلى ذلك، تُرفع اللافتات وتنتشر الإعلانات على الألواح، لتفيد بتوفّر وسائل حماية للأبواب والشبابيك، فيما يؤكّد حدّادون وشركات ومحال مختصة في إعلانات أخرى متانة البضاعة التي ينتجونها.

على الرغم من إعلان وزارة الداخلية العراقية المتكرر عن اعتقال عصابات متخصصة في السرقة إلا أنّ الوضع الأمني مستمرّ في التراجع، بحسب ما تؤكد مصادر أمنية. وعلى الرغم من لجوء العراقيين إلى تحصين أملاكهم إلا أنّ اللصوص استحدثوا وسائل للسرقة تنجح في التغلّب على التحصينات، بحسب ما يؤكّد الرائد في وزارة الداخلية علي السعدي. ويقول لـ "العربي الجديد" إنّ "الفساد منح المجرمين فرصة القيام بما يحلو لهم. في النهاية، لن ينالوا العقاب القانوني المفترض تطبيقه بحقهم".

ويوضح أنّ "عدم نزاهة مسؤولين أمنيّين وانتشار السلاح في أيدي جهات خارج سلطة القانون (المليشيات) من شأنهما أن يمنعا فرض القانون على الجميع، بما في ذلك نشر الأمن في البلاد". يضيف أنّ "ثمّة من لم ينل جزاءه من بين المجرمين، بسبب ارتباطه بمليشيات أو بشخصيات ذات نفوذ في الأجهزة الأمنية"، لافتاً النظر إلى أنّ "بعضهم قد يبيت ليلة أو اثنتين في مركز الشرطة قبل أن يُفرَج عنه، على الرغم من القبض عليه متلبّساً. وكلّ ذلك على خلفية الفساد المالي".

في هذا الإطار، يؤكد مواطنون تعرّضت منازلهم للسرقة على الرغم من تأمينها لـ "العربي الجديد"، أنّ من الممكن نجاة الجاني من العقاب القانوني، مشيرين إلى أنّ ذلك يتمّ عبر العلاقات ودفع مبالغ مالية.

يقول جهاد موسى الذي تعرّضت داره في بغداد للسرقة بعد تحطيم أحد الشبابيك، حين كان مسافراً وعائلته إلى محافظة البصرة (جنوب) في عام 2010، إنّهم تمكّنوا من تحديد هويّة السارق من خلال شهادة جاره الذي تعرّف إليه. فهو كان من سكان الحيّ نفسه، و"معروف بسلوكه المشين والإجرامي"، بحسب قوله. لكنّ عناصر في المليشيات طلبوا منه التزام الصمت هو والشاهد، "وتلقينا تهديدات بالقتل إن رفعت دعوى ضدّه لدى الجهات الأمنية أو تعرّض له أحد. وهذا ما اضطرنا إلى السكوت".




من جهته، يروي صلاح الحمامي الذي سُرق منزله في وضح النهار عام 2015 أنّ اللصوص استغلوا خلوّ المنزل من ساكنيه بخروجه وزوجته إلى وظيفتيهما والأولاد إلى المدارس، فتسللوا عبر السياج الخارجي وحطّموا الباب الخلفي بواسطة منشار كهربائي. ويقول "بعد شهر واحد تمكّنت الشرطة من القبض على الجناة، من بينهم شاب يسكن بالقرب من بيتي. سُجن الشاب ثلاثة أشهر، قبل أن يخرج بحكم من القضاء يفيد ببراءته". يضيف: "تبيّن أنّ الجناة دفعوا مبالغ كبيرة لسماسرة يرتبطون بعلاقات مع ضباط أمنيين وأحزاب وشخصيات سياسية، فأفرِج عنهم على الرغم من أنّهم اعترفوا بكل صراحة بمشاركتهم في سرقات وعمليات اقتحام منازل واختطاف، وقد عرضت اعترافاتهم على شاشة التلفزيون الرسمي".

إلى ذلك، يعبّر مواطنون عن قناعتهم بأنّ اللصوص قادرون على تنفيذ عملياتهم بطرق مختلفة. أمّا التحصينات التي يعتمدونها فلا تمنع إلا اللصوص الصغار من السرقة. والعراقيون اعتادوا تصنيف اللصوص على الشكل الآتي: صغار يستغلون غفلة الناس، وهؤلاء ليس لهم من ينجّيهم من العقوبات القانونية في حال ألقي القبض عليهم، وكبار يلجؤون إلى كل الوسائل لإتمام عملياتهم من دون خوف من عقوبة لأنّهم "محميّون من العقاب".

في سياق متّصل، يشير المحامي طه الحسيني إلى أنّ فساد الأجهزة الأمنية يتجسّد في تعطيل القانون من خلال الرشوة أو الانتماءات المذهبية والطائفية والفئوية التي صارت واضحة بأنّها تعلو على القانون. يضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "بعض القضايا تسوّى قبل أن تصل إلى القضاء"، معللاً ذلك "بلجوء الجناة إلى تقديم الرشوة لمسؤولين أمنيين أو شخصيات سياسية". ويتابع: "كذلك ظهور عدد غير قليل من المليشيات المسلحة كقوة مؤثّرة في البلاد وفتحها المجال أمام الشباب للانخراط فيها. ورأى بعض الشباب اللصوص في ذلك فرصة، يحصلون من خلالها على الحماية بالانتماء إلى المليشيات".

تجدر الإشارة إلى أنّ منظمة الشفافية الدولية تبيّن في تقاريرها أنّ الأحزاب السياسية هي المؤسسات الأكثر فساداً في العراق، يليها البرلمان وبعده القضاء والمؤسسة العسكرية. وقد سجّل العراق في السنوات الأربع الأخيرة درجات متدنية جداً بحسب مؤشّر مدركات الفساد، جعله من أكثر الدول فساداً في العالم، بحسب ما خلصت دراسات المنظمة. في عام 2012 سجّل 18 في المائة، وتراجع بعد ذلك إلى 16 في المائة. وقد أكدت المنظمة أنّ مؤشر الدفاع والأمن يشير إلى أنّ الفساد ومخاطر الفساد في المؤسسة الأمنية، يصنّف العراق في نسخته الأخيرة الصادرة في عام 2015، على درجة عالية جداً من الهشاشة في مجال الفساد في قطاع الأمن والدفاع.

دلالات