ينثرون الريحان على قبور أحبّائهم

06 يوليو 2016
يبكين أحبائهن (فابيو بوسياريلي/فرانس برس)
+ الخط -
كلّما حلّ عيد يأمل السوريّون أن يكون "العيد المقبل" أفضل، وأن يقضوه في سورية بعد لمّ شمل أسرهم وعودة المعتقلين والمفقودين. لكن آمالهم تتضاءل عيداً بعد آخر. هذا العام أيضاً، لن يكون هناك عيد في بيوت الشهداء والمعتقلات وخيام النازحين ومنازل المحاصرين. ربّما يزور السوريون مقابر الشهداء أكثر من بيوت الأقارب أو الأصدقاء.

خلف بسطة مليئة بحلويات الأطفال والجوارب والإكسسوارات في أحد أسواق مدينة حلب، كان أبو مصطفى يقف متكئاً على عكازه، وينادي بصوته المبحوح: "يلي مالو جراب مالو عيد، يلي مالها حلق مالها عيد". تردّ عليه إحدى النساء: "لم يبق لنا عيد". يضيف: "ويلي مالو وطن مالو عيد". يحكي هذه الحادثة وهو يضحك، ثم يرفع سبابته ويقول: "لو بقي من عمرنا يوم واحد نريد أن نعيّد ونعيش، غصباً عنه".

في مدينة حلب، يتمسّك كثيرون، على غرار أبو مصطفى، بأي فرصة صغيرة للفرح. تقول هالة عبد الرحمن، وهي مدرّسة في حلب: "اشتريت الكعك بدلاً من المعمول (كعك العيد)، واشتريت أحذية جديدة وملابس صيفية لأطفالي. العيد ليس لنا بل للأطفال، ولا ذنب لهم في ما يحدث. من حقهم علينا أن نجعلهم يفرحون بقدر ما نستطيع. يكفيهم ما يعيشونه".

في المقابل، لا يقوى آخرون على أحزانهم ويرفضون ممارسة أي من مظاهر العيد، عدا زيارة قبور شهدائهم. أم صبحي، والتي فقدت ابنها الأصغر في غارة جوية منذ أشهر عدة، من بين هؤلاء. تقول: "لم أعرف يوماً جميلاً منذ استشهاده. في العيد سنشتري الريحان ونزور قبره، وسأعود وأصلّي وأقرأ له القرآن ليرتاح ويشفع لنا".

إلى مدينة إدلب التي ودّعت الكثير من سكانها العام الماضي، ملأ الباعة المتجولون والبسطات الأسواق. يمكنك أن تجد ألعاباً للأطفال وأحذية وملابس وحلويات. في هذا الإطار، يقول أبو شاكر إنه لم يبع أكثر من قطعة ملابس حتى الظهر، لكنه يتوقع أن تنشط حركة السوق بعد الإفطار "صار الناس يخشون النزول إلى السوق خشية سقوط البراميل المتفجرة. يقفون أمام المحل فيما تراقب عيونهم السماء. أما نحن، فهذا رزقنا ولا يمكن تركه. اشتريت بضاعة جديدة للعيد، إلا أنها ليست الأولى، فلا أحد يستطيع دفع ثمنها. مع ذلك، فإن معظم الذين نراهم في السوق يتفرّجون ولا يشترون. كان الله في عون الناس".

حال المناطق المحاصرة في العيد هو الأصعب، على غرار حي الوعر في حمص وغوطة دمشق ومدينة دير الزور. لا بضائع جديدة ولا حلويات. تقول هبة حلواني من غوطة دمشق: "نظّمت وعدداً من المدّرسات برنامجاً ترفيهياً للأطفال خلال العيد. ليس لدينا ما نقدّمه لهم إلا بعض المرح، من رقصات وألعاب ومسابقات". تضيف أن الكثير من الأطفال الذين تدرّسهم يتامى وفقراء، وليس هناك من يشتري لهم شيئاً في العيد. تقول: "أخبرني أحد التلاميذ أن والدته قالت له إن عيد هذا العام أُرجئ". فعلت هذا حتى لا تخيب آماله، ولأنها غير قادرة على شراء شيء له.



على الرغم من المخاطر الكثيرة، يصرّ عشرات آلاف السوريين الفارين إلى تركيا على زيارة سورية خلال فترة العيد. ومنذ 30 يونيو/ حزيران الماضي، يحتشد آلاف السوريين على الجانب التركي من معبر باب الهوى على الحدود السورية التركية، بعدما أصدرت الإدارة التركية للمعبر قراراً يسمح للسوريين الحاملين بطاقة الحماية المؤقتة (كملك) بالدخول إلى سورية والعودة منها خلال مدة أقصاها عشرة أيام بعد العيد.

بعد ساعات عدة، استطاعت أم أحمد (57 عاماً) الدخول إلى الأراضي السورية. منزلها هُدّم بالكامل في ريف إدلب، ومن بقي من عائلتها يعيش خارج سورية. تريد فقط زيارة المقبرة، حيث يرقد ابنها الأصغر عبد الحليم. تقول: "قرّرت أن آتي لزيارة ابني مهما كان الثمن. حين استشهد ودفنوه لم أودّعه. لم أضمّ جسده وأشم رائحته للمرة الأخيرة. هذه حسرة في قلبي. لا تهمّني البراميل المتفجّرة. سأزور قبره وأجلس قربه وأبكي، ربما يطفئ هذا النار المشتعلة في قلبي". تضيف: "الحمدلله على كل حال. نصف من دخلوا سورية اليوم سيزورون شهداءهم. هذا ما بقي لنا من هذه البلاد".

صهيب الحمدان (أبو علي)، وهو رجل خمسيني، عبر في اليوم نفسه إلى سورية لقضاء العيد في مدينة إدلب. مشى كيلومترات عدة وهو يحمل حقيبة ثقيلة فيها أغراض لوالديه، من ثياب وبطاريات وأدوية وغيرها. كالكثير من السوريين، لم يستطع والدا أبو علي اللحاق به إلى تركيا بسبب إغلاق الحدود "حالهما مأساوي هنا. كنت خائفاً ألا أستطيع رؤيتهما هذا العام، لكنني عبرت أخيراً. هذا اللقاء هو العيد بالنسبة إلي".