التسوّل في السودان ظاهرة مستعصية

30 يونيو 2016
لن تُحلّ الأزمة إلا بالنظر في جذور المشكلة (الأناضول)
+ الخط -
تفعيلاً للقانون الذي سنّه السودان حول مكافحة التشرّد والتسوّل والذي ينصّ على مواد تجرّم التسوّل وعلى عقوبات بالسجن والغرامة، شرعت الحكومة بالقبض على المتسوّلين الذين ينتشرون بالعشرات في شوارع العاصمة الخرطوم. وقد أثار القانون الذي أقرّ في العام الماضي، امتعاض شريحة واسعة من السودانيين الذين يرون أنّ الحكومة استنسخت القانون من دول في الإقليم تختلف أوضاعها عن أوضاع السودان المحليّة، لاسيّما الحالة الاقتصادية المتردية وموجات النزوح بسبب الحرب في الأطراف فضلاً عن موجات الهجرة من الريف إلى المدن.

ويعيش السودان ضائقة اقتصادية فاقم من حدّتها انفصال جنوبه وإقامة دولته المستقلة في عام 2011 وانسحاب إيرادات النفط جنوباً. يُذكر أنّها كانت تمثّل نحو 74 في المائة من إيرادات ميزانية الدولة. ووفق آخر إحصائية رسمية أجريت في عام 2009، فإنّ معدّل الفقر بلغ 46.5 في المائة، وهو ما دفع خبراء إلى ترجيح ارتفاع معدّلات الفقر إلى 80 في المائة وفقاً للإحصاء الرسمي الذي لم تعلن الحكومة نتائجه.

دافعت وزارة التنمية الاجتماعية في ولاية الخرطوم عن قانون التسوّل الذي يهدف إلى إخلاء العاصمة من الظاهرة التي زادت حدّتها في الفترة الأخيرة، والتي تشمل متسوّلين من دول غرب أفريقيا. يُذكر أنّ الحكومة عمدت، في وقت سابق، إلى ترحيل المئات منهم. ووفقاً لإحصاءات رسمية صدرت قبل ما يزيد عن عام، فإنّ عدد المتسوّلين في العاصمة وحدها وصل إلى نحو 2700 متسوّل.

وقد كشفت وزيرة التنمية الاجتماعية، أمل البيلي، أخيراً، وجود شبكات تعمل على إدارة ظاهرتَي التشرّد والتسوّل ونقل الأموال، فضلاً عن الاتجار بالبشر. وأوضحت أنّ وزارتها وضعت برنامجاً خاصاً بشريحة المشرّدين والمتسوّلين والأسر الضعيفة التي تمارس التسوّل، يتضمّن جملة معالجات من بينها تدريب المتسوّلين والمشرّدين وتأهيلهم وإعادة دمجهم في المجتمع، بالإضافة إلى تقديم الخدمات لهم وتقديم مشروعات منتجة للأسر.


ينصّ قانون التسوّل والتشرّد على حبس المتسوّل لمدّة لا تتجاوز شهراً مع غرامة بقيمة ثلاثة آلاف جنيه سوداني (نحو 495 دولاراً أميركياً)، فيما يعاقَب من يتصنّع الإصابة بغرض التسوّل والغشّ بالحبس لمدّة لا تتجاوز شهرَين مع غرامة بقيمة ستة آلاف جنيه (نحو 990 دولاراً). كذلك يُعاقَب بالحبس أربعة أشهر مع غرامة بقيمة عشرة آلاف جنيه (نحو 1650 دولاراً) لمن يستغلّ أي شخص بغرض التسوّل. أيضاً، شدّد القانون على إبعاد المتسوّلين الأجانب عن البلاد، وعلى تحويل 50 في المائة من الغرامات إلى وزارة التنمية الاجتماعية، لتوضع في حساب خاص لمكافحة التشرّد والتسوّل ومعالجتهما.

في هذا السياق، يرى المدير التنفيذي للمرصد السوداني لحقوق الإنسان، البراق النزير البراق، في تنفيذ قانون التشرّد والتسوّل، "انتهاكاً لحقوق الإنسان نظراً إلى استحالة معاقبة شخص لم تُوفَّر له الضروريات والحقوق الأساسية". يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "من غير الممكن القول إنّ المتسوّلين والمشرّدين في حاجة إلى دلائل توضح أسباب انتهاجهم ذلك المسلك. هم بأكثرهم، أغلِقت في وجوههم الأبواب، لذا لجأوا إلى التسوّل". ويشير البراق إلى التدهور الاقتصادي في البلاد، والمشاكل الكثيرة المتصلة بالتنمية والتهميش والنزوح والحرب، مضيفاً أنّ "المؤسسات المسؤولة عن كفالة هؤلاء ضعيفة على مستوى التنظيم والموارد". ويشدّد على أنّ "أزمة المتسوّلين والمشرّدين لن تحلّ إلا بالنظر في جذور المشكلة"، لافتاً إلى أنّ في القانون إعلاناً لفشل الدولة في إدارة أزماتها.

من جهته، يرى الباحث الاجتماعي علي وليد أنّ القوانين وحدها لا تكفي لتعديل سلوك الفرد. وأوضح لـ "العربي الجديد" أنّ "السلطات بكل آلياتها من طرد المتسوّلين واعتقالهم وإبعادهم وتغريمهم، لن تكبح الظاهرة ولو بعد ألف عام". والتشرّد والتسوّل بحسب وليد، "يأتيان نتيجة عوامل عديدة منها الهجرة والنزوح والتفكك الأسري وغياب المعيل، إلى جانب عدم توفّر العدالة في توفير فرص العمل والضمان الاجتماعي، بالإضافة إلى تنفيذ الدولة التزاماتها بالحدّ الأدنى. أمّا الحلّ، فيكمن في معالجة أصل المشكلة والمساعدة في استباب السلام الاجتماعي وتقوية المهارات النفسية والقضاء على الرغبة في التسوّل بأشكاله المختلفة، إلى جانب تصحيح السلوك وإعادة صياغة شخصية المتسوّل ودمجه في المجتمع مع إزالة الوصمة والتخلّص من الآثار السلبية للظاهرة المتمثلة في الشعور بالدونية". يضيف: "وبعد ذلك فقط، يأتي دور القانون للتعامل مع الأشخاص الذين يتّخذون من التسوّل مهنة، خصوصاً الأجانب".