مليشيات تغوي فقراء العراق للقتال في سورية

10 مايو 2016
تشييع عراقيين قتلوا في سورية (العربي الجديد)
+ الخط -
في أكثر المناطق العراقية بؤساً وفقراً، تنتشر لافتات على الجدران المتهالكة ومفارق طرق تؤدي إلى أزقة ضيقة تحف بها المياه الآسنة، كتبت فيها عبارات تدل على أن شاباً في مقتبل العمر قتل في سورية.

اللافتات كما جرت العادة لونها أسود؛ كدليل على الحزن، لتزيد بلونها الكئيب وعباراتها الحزينة مشهد تلك المناطق كآبة، فالشباب المقتولون في مقتبل العمر، والعبارات تكاد تتشابه، وفي جميعها تسبق اسم القتيل عبارة "الشهيد السعيد"، مذيلة بتعريف عن مكان القتل "سورية" والسبب "دفاعاً عن المراقد المقدسة" أو "دفاعاً عن مرقد العقيلة زينب".
لا أحد يرفع لافتات النعي من أماكنها عند مفارق الطرق، رغم أن بعضها يؤشر تاريخه إلى أنها وضعت قبل أشهر. حين لا يتسع المكان فقط تتم إزالتها ووضع الجديدة محلها، وأحيانا تخلعها ريح قوية أو تزيلها الأمطار من مكانها.

سرادقات العزاء موجودة باستمرار في تلك المناطق؛ لشباب جلبت جثثهم من مناطق القتال في سورية، "يقدم الناس العزاء لذوي القتيل، يصبرونهم على المصاب، ويبشرونهم أن فقيدهم في الجنة".
ورغم الاعتبارات الدينية والعقائدية التي تشير اللافتات إلى أنها الدافع وراء ذهابهم إلى القتال في سورية، إلا أن ما تكشف لـ"العربي الجديد" يوضح خلاف ذلك، فجميع المقاتلين المقتولين في سورية هم من مناطق فقيرة بائسة، ومن أسر تصنف معيشتها تحت خط الفقر، وتم إغراؤهم بالمال بالإضافة إلى الاعتبارات العقائدية الأخرى.

وبحسب قياديين في مليشيا الخراساني، تحدثوا لـ"العربي الجديد"، فإن "الشاب عند تطوعه للقتال دفاعاً عن المراقد المقدسة في سورية، فإنه سيترك أهله، وكثير من هؤلاء يعيلون أسرهم، كما أنه أعطى أغلى ما لديه وهي حياته، وما يخصص له من راتب لا يساوي شيئاً مما قدمه".


في المناطق الفقيرة، خصوصاً في جنوب العراق، تنتشر الخطب والمواعظ التي تحث على الدفاع عن المقدسات، ويقدمها معممون. الجميع ينصتون بإصغاء لتلك المحاضرات، لا سيما إن كان المحاضر سيداً يلف عمامة سوداء، قادماً من النجف أو كربلاء.

دائماً ما تلقى المحاضرات في أماكن يجتمع فيها أكبر عدد من الناس، كالمساجد، وسرادقات العزاء، في نهاية تلك المحاضرات؛ إن لم يبادر الشاب ويعلن نيته التطوع، يبادر والده إلى نصحه وترغيبه بالتطوع، فهناك في سورية، حتماً سيكون نصيب المدافع عن "المراقد المقدسة" الجنة، بحسب عبد الحسين الشويلي، والذي شجع ولده حيدر ليكون مقاتلاً ضمن أحد الفصائل هناك، فيما يلمع بريق الراتب الشهري في مخيلة الأسرة التي يتطوع ابنها.

يبدو الشويلي أكثر تمكناً في منطقته بسبب حظوته عند المليشيات بعد مغادرة ابنه للقتال في سورية، وليس الشويلي وحده بل جميع أفراد أسرته، هم أيضاً تحسن حالهم المعيشي، وصاروا يتزودون بكهرباء مستمرة من المولدات الأهلية، لأنهم باتوا متمكنين من دفع أجورها، وأجروا بعض الإصلاحات لدارهم المتهالكة، كل ذلك من الراتب الذي يتسلمه ولدهم حيدر، مقابل قتاله في سورية.
خالد العزي، الضابط برتبة رائد في الشرطة العراقية، وبحسب علاقته بقادة المليشيات وتنسيقه العمل معهم في مناطق ببغداد، يملك معلومات كثيرة عن المتطوعين. يقول لـ"العربي الجديد"، إن "التطوع في صفوف المليشيات للقتال بسورية مستمر"، لافتاً إلى أن "جميع المتطوعين يحملون ذات الصفات، هم شباب صغار بين 17 و20 عاماً، ومن عوائل فقيرة أو معدمة، وغالبيتهم أميون".


وأضاف: "قلة وعي هؤلاء الشباب تسهل إقناعهم بالتطوع. هم يرون في ارتداء الزي العسكري وحمل السلاح وإطلاق الرصاص أمراً رائعاً، بعضهم متأثر بالأفلام الأجنبية التي تدور حول معارك وهذا ما يظهر في أحاديثهم قبل تطوعهم وبعده، هم ينشرون صورهم في سورية حاملين الأسلحة، وهم أيضاً بذلك يثيرون رغبة شباب آخرين في التطوع".

وحول المبلغ الذي يتقاضونه، يقول "بالعادة لا يزيد عن ألف دولار، وهذا مبلغ جيد بالنسبة للشباب المعدمين، كما أنه جيد بالنسبة للجهة التي تدفعه، وهي إيران في الغالب، من خلال مكاتبها المنشرة في عموم المناطق الفقيرة بالعراق، مستدركا "إنه استغلال والحكومة تتفرج".