الحاجة أمينة تروي عوزها

01 مايو 2016
لا معيل لي إلا بعض الخيّرين (العربي الجديد)
+ الخط -

كثر هم هؤلاء الفلسطينيون الذين ما زالت أحداث تهجيرهم من فلسطين عالقة في أذهانهم، على الرغم من سنين غربتهم الطويلة. ما زالوا يتذكّرون تفاصيل دقيقة بعد انقضاء 68 عاماً، فيما حلم العودة يراودهم. الحاجة أمينة السعدي من هؤلاء. خرجت من فلسطين مرغمة، بعد الهجوم الصهيوني على بلدتها صفورية.

كانت تبلغ من العمر 14 عاماً، حين هُجّرت مع أهلها وزوجها وعائلته إلى خارج وطنها، بعدما شهدت على ما ارتكبته العصابات الصهيونية من قتل وفتك بالإنسان والشجر والحجر. خلال خروجها من فلسطين، ذاقت المرّ والهمّ والتعب في تنقلاتها الكثيرة من مكان إلى آخر، قبل أن تستقرّ مع زوجها في لبنان.

والحاجة أمينة التي تبلغ اليوم من العمر 82 عاماً، كانت قد تزوجت وهي في الثالثة عشرة من عمرها. عاشت مع زوجها 36 عاماً حتى وافته المنيّة، من دون أن يُرزقا بأولاد. وبعد أربعة أشهر من وفاة زوجها، أصرّ أخوها وزوجته على تزويجها. طرداها من بيتها واستقرا فيه. وعلى مدى ثماني سنوات، عاشت "حياة تعيسة" مع ذلك الرجل الذي يكبرها كثيراً في السنّ. وهي اليوم تنتظر المحسنين ليصرفوا عليها.

تروي الحاجة أمينة أنّ "في عام النكبة، كنت أعيش مع زوجي في صفورية، وبعد اشتداد المعارك دخلت العصابات اليهودية وأجبرتنا على الخروج منها، قائلة: اخرجوا من منازلكم وغداً صباحاً تعودون. لكنّنا حتى الساعة لم نعد". تكمل سردها: "خرجنا من صفورية وذهبنا إلى كفرمندا حيث بتنا ليلتنا، ومنها إلى عرابة التي لم تكن قد احتلت بعد. بقينا هناك لمدّة شهرَين. قالوا إن الجليل سوف يسقط. اجتزنا الحدود مع لبنان، وبلغنا منطقة بنت جبيل في الجنوب اللبناني. ومنها، انتقلنا إلى بلدة الغازية القريبة من مدينة صيدا (جنوب) حيث استقررنا".

وتتابع الحاجة أمينة: "رحنا نعمل في الزراعة في تلك البلدة. نزرع الأرض شتاءً لنحصدها صيفاً، ونزرعها صيفاً لنحصدها شتاءً. كنت أزرع البامية واللوبياء والخيار وغيرها من الخضراوات التي كنا نعيش عليها". وبأسى تقول: "لم أنجب الأولاد، لكنّ زوجي كانت لديه ابنتان، إحداهما تزوجت وعادت إلى فلسطين لتستقر فيها، أما الابنة الثانية فقد تزوجها أخي. والأخيران هما سبب ما حلّ بي من تعاسة". تخبر: "بعدما توفى زوجي، أراد أخي وزوجته الاستيلاء على البيت الذي تركه لي المرحوم. لذا قررا تزويجي. كان الرجل الذين اختاراه متقدماً في السنّ من بلدة سعسع في فلسطين، وذلك تحديداً بعد مضي أربعة أشهر وعشرة أيام على وفاة زوجي الأول. بالتأكيد، رفضت عندما أخبرتني زوجة أخي بالأمر. وجزمت أنني لن أتزوّج ثانية بعد زوجي الأول. لكنّ أخي أرغمني على ذلك وانتزع منزلي مني. كنت حينها في الخمسين من عمري، وكان ذلك في عام 1984".

تركت الحاجة أمينة الغازية وانتقلت مع زوجها الثاني إلى مخيّم الرشيدية في صور (جنوب) "حيث عشت معه في غرفة صغيرة جداً طوال ثماني سنوات. عندما توفى، لم يترك لي سوى غرفة ضيقة في المخيم. وأنا بالاتفاق مع الأونروا (وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) بنيت الغرفة التي أعيش فيها اليوم". هي اليوم "في حالة عوز شديد، فلا معيل لي ولا مساعد غير بعض الخيّرين الذين يجودون عليّ بالقليل حتى أسدّ به جوعي".

تجهش الحاجة أمينة بالبكاء وهي تروي عوزها واحتياجها، وكيف تنام في غرفتها المتواضعة وسط أغراض مكوّمة هنا وهناك، ومجموعة من القطط التي تشاركها طعامها. تجدر الإشارة إلى أنّ الغرفة التي تعيش فيها اليوم، لا تكاد تصلح للقطط. من سقف تلك الغرفة تتسرّب مياه الأمطار في فصل الشتاء. كذلك فإنّ بابها غير قابل للغلق. من جهة أخرى، تحتاج تلك الغرفة إلى التنظيف، إذ لم تعد صحة الحاجة أمينة ولا عمرها يسمحان لها بتنظيفها كما يجب. هي بالكاد قادرة اليوم على تحضير طعامها، بالإضافة إلى بعض الترتيب.

إلى ذلك، كأنّ سوء الحظ يجرّ سوء الحظ. ثمّة من يدخل منزلها ليلاً ليسرق ما لديها من مال قليل جاد عليها به المحسنون، أو حتى بعض اللحم الذي قدّمه لها أحدهم.

المساهمون