"أيها الوسيم، انظر إليّ بعينَيك الجميلتين".. "غزال يمشي على الأرض".. "أنتظرك لتجالسني لنشرب معاً فنجان قهوة"... وتكثر عبارات الملاطفة والمعاكسة التي لم تعد حكراً على الرجال. وبات تحرّش النساء بالرجال في المجتمع المغربي موضوعاً مطروحاً للنقاش، خصوصاً مع ارتفاع الحالات، وفق الشبكة المغربية للدفاع عن حقوق الرجال، وإن لم تتوفر إحصاءات دقيقة.
وتحرّش المرأة بالرجل في المغرب، غالباً ما يحصل في أماكن الشغل، خصوصاً من قبل ربّة العمل أو مسؤولة ما. يلفت نظرها مُستخدَم أو عامل ما، فتلاطفه بالكلمات، كما يحدث كثيراً في الشوارع وفي الحافلات والمقاهي والمطاعم.
يخبر مراد، الموظف في إحدى شركات التأمين، أنه لا ينسى اليوم الذي تحرّشت به رئيسته من دون أي حرج. يقول: "كانت تمهّد لذلك بنظراتها التي كانت ترمقني بها. كلما دخلت مكتبي راحت تركّز على هيئتي وملابسي، وكثيراً ما كانت تدعوني بوكوص (وسيم)". يضيف لـ"العربي الجديد"، أن نظرات رئيسته في العمل كثرت وتزايدت حتى صار يتضايق منها، "خصوصاً أنها امرأة مطلقة وأنا رجل متزوج لا أستطيع مجاراتها في خطتها، مخافة خيانة زوجتي وأسرتي". ويلفت إلى أنه لم يستطع الطلب منها الكف عن تصرفاتها تلك، "حتى لا أثير حنقها وتتخذ ضدي تدابير عقابية مثلاً".
ويتابع مراد أن "نظرات رئيستي كانت تخترق جسدي، ليتحول الأمر تدريجياً إلى كلام وتعابير ذات إيحاءات جنسية". يقول: "ذات يوم، جاءت إلى مكتبي الصغير وطلبت مني العمل على ملف بعد انتهاء الدوام. وبعد خروج الموظفين، دخلت إلى مكتبي وطلبت مني صراحة أن أحضر إلى بيتها لتناول العشاء". وهذه "الدعوة الملغومة أثارت انزعاجي وخوفي. الهدف منها لم يكن بالتأكيد تناول العشاء فحسب، وإنما كانت تحرشاً جنسياً صريحاً". في البداية، "وافقت حتى أفلت من حبالها. لكنني عندما حان الموعد، لم أذهب. وبعثت إليها برسالة هاتفية كتبتُ فيها أنني متزوج وأحب زوجتي وأبنائي".
وفي اليوم التالي، قصد عمله وهو يترقب رد فعل رئيسته، لكنه لم يلتقِ بها طيلة اليوم. وفي الأيام التي تلت، بدأ يشعر بكثير من التضييق، حتى أنها أرجأت ترقيته. حينها، قرّر ترك عمله والتحق بشركة أخرى.
باها الأزعر، سائق خاص، تعرّض أيضاً إلى تحرّش. يعود بذاكرته إلى بداية عمله لدى إحدى العائلات الثرية، ويروي لـ"العربي الجديد"، أن "الأمور كانت عادية وكنت أؤدي عملي من دون مشاكل، إلى أن أصيب ربّ الأسرة بمرض أقعده في الفراش". يضيف: "بعدما عشت أشهراً في سلام وراحة بال، وبينما كنت ألقى التقدير من قبل جميع أفراد الأسرة، لاحظت تغيّراً في تصرفات زوجة ربّ عملي إزائي. لم يعد الأمر يقتصر كما في السابق على أوامر بنقلها إلى السوق أو إلى صديقاتها، أو نقل أبنائها إلى مدارسهم. هي أضحت أكثر حناناً نحوي، بكلماتها الطيبة ومحاولتها التعرّف على حياتي الخاصة".
ويتابع الأزعر أن "الزوجة صارت تعاملني بكثير من الأريحية، وتكافئني بسبب أو من دون سبب. لم أعد أعرف كيف أرد لها ذلك الجميل الذي طوّقتني به من هدايا ومنح، وكذلك ما تخصصه لأبنائي". ويلفت إلى أنها صارت تحرص على قضاء أكبر وقت معي داخل السيارة، "ووقع ما كنت أخشاه بالفعل، حين صارحتني برغبتها في أن يكون لها صديق حميم يعوّضها عن خسارة زوجها المشلول". يقول: "ضيّقت عليّ الخناق حتى وافقت على خطتها، واضطررت إلى مرافقتها في كل مكان. خنت ثقة مشغّلي، وعوّضت مكانه في الفراش أيضاً".
في هذا السياق، يقول رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن حقوق الرجال، عبد الفتاح بهجاجي، إن "حالات تحرّش النساء بالرجال كثيرة، وترصدها جمعيتنا. وهي تدخل في سياق العنف المعنوي، خصوصاً عندما تكون العلاقة بين رئيسة العمل أو مسؤولة في شركة ما وبين موظف أو مستخدم تحت إمرتها". والمشكلة، وفق بهجاجي، هي "عندما يرفض الرجل تحرش رئيسته به، فيقع في مشاكل لا حصر لها. قد يتعرض للطرد أو الفصل، ويُدرج على قائمة العاطلين من العمل". ويشير لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "أحياناً تتهم المتحرشة ضحيتها بأنه عمد إلى سرقتها أو تعنيفها، إما انتقاماً منه أو للضغط عليه ليذعن لرغباتها الخاصة".
أما الباحثة الاجتماعية مريم الرابحي، فتقول لـ"العربي الجديد"، إن "تحرّش النساء بالرجال موجود، لكنه لا يرقى إلى مرتبة الظاهرة"، مبيّنة أن "المجتمع المغربي يعيش في أتون تناقضات وتفاعلات بخصوص قيمه. لم يعد ذلك المجتمع المنغلق على نفسه، بل يعيش تحولات عميقة طاولت حتى طريقة التواصل بين الجنسين".
اقرأ أيضاً: اغتصاب الأطفال.. "إرهاب" جديد يضرب المغرب