امتحان سنة أولى زواج

30 ديسمبر 2016
هل انتهى شهر العسل؟ (مارتان بورو/ فرانس برس)
+ الخط -

ينطوي العام الأول من الزواج على توتّر كبير، إذ يُعدّ تجربة جديدة لكلا الطرفين، العروس والعريس. فيحاول كلّ منهما اكتشاف الآخر. قد ينجحان، لكنّهما قد يفشلان كذلك.

تُظهر إحصاءات كثيرة أنّ الزوجين يكونان غير قادرين على متابعة الزواج بعد انقضاء عامهما الأول معاً، وحالات الطلاق بمعظمها تقع في العام الأول من الزواج. وأفاد تقرير صدر في عام 2015 عن مركز معلومات مجلس الوزراء، بأنّ مصر تحتل المرتبة الأولى عالمياً في ارتفاع نسبة الطلاق. فقد ارتفعت من سبعة في المائة إلى 40 في المائة خلال السنوات الخمسين الأخيرة. وذكر التقرير نفسه أنّ نحو 240 حالة طلاق تقع يومياً في مصر، أي بمعدّل عشر حالات في كلّ ساعة، بينما تذهب نحو مليون حالة طلاق سنوياً إلى محاكم الأسر. أمّا إجمالي عدد حالات الخُلع والطلاق لعام 2015 فقد بلغ ربع مليون، أي بزيادة 89 ألف حالة عن عام 2014، ووصل عدد المطلقات إلى ثلاثة ملايين.

جمال مهندس مدني، متزوج منذ ثمانية أشهر، يقول إنّ "زواجي لا يسير بالشكل الذي تمنّيته. كنت أتوقّع استقراراً أكبر وسعادة واطمئناناً، لكنّ كلّ ذلك لم يتحقق". يضيف أنّه ركّز على درجة زوجته التعليمية وشهادتها العالية لتليق به، "ولم ألتفت إلى حياتها الاجتماعية في منزلها وتهاونها في أمور عدّة مثل الطبخ وتنظيم المنزل والنظافة الشخصية. كنت أظنّ أنّها تُكتسب بالممارسة بعد الزواج، لكنّ الوضع استمرّ على ما هو عليه. وصرت أهرب من المنزل قدر المستطاع تجنباً للمشاكل، فأزور أهلي وألتقي بأصدقائي".

من جهتها، تشكو سمر من تحوّل حياتها إلى روتين. تقول: "تركت وظيفتي لأنّ زوجي طلب أن أكون ربة منزل. اليوم، اقترب زواجي من نهاية عامه الأول، وعلى الرغم من قلة المشاكل، إلا أنّني أشعر بالملل والروتين الذي يكاد يخنقني". تضيف أنّها لم تعتد المكوث في المنزل، وبعد الزواج تحوّلت حياتها كلّها لزوجها الذي لا يملك وقتاً كافياً ليرفّه عنها ببعض "خروجات". وتشير سمر إلى أنّ "الاهتمام يقلّ مع الوقت، وهذا يميت الحياة. لا يوجد شيء جديد ولا مفاجأة مفرحة. هو لم يهدني شيئاً منذ زواجنا، ولم يذكرني ولو حتى بزهرة صغيرة قد تسعد قلبي".




أمّا سعيد وهو محاسب في إحدى الشركات الخاصة، فقد مرّ على زواجه ستة أشهر. يقول إنّ "أكبر مشكلة أعاني منها في زواجي هو ارتباط زوجتي بأسرتها كثيراً. أُفاجأ دائماً بأنّ والدتها تعلم بكلّ تفاصيل حياتنا". يشير إلى أنّ الأمر كان طبيعياً في فترة الخطوبة، إذ كانت تستعين بأهلها نظراً إلى قلّة خبرتها. لكن بعد الزواج أصبح تدخّلهم سبباً للمشاكل، إلى حدّ جعله يفكر في الطلاق أكثر من مرّة. يتابع أنّه "في المرّة الأخيرة التي هددها بالانفصال، أدركت خطورة الأمر ووعدتني بعدم تكرار ذلك. لكنّ ذلك أوجد أزمة من الثقة".

إلى هؤلاء، تزوّجت إسراء قبل ثلاثة أشهر فقط، لكنّها تتحدّث عن "أزمة" مع زوجها، إذ لم يكن صادقاً معها في فترة الخطوبة. تقول: "كان يدّعي الطيبة والخلق الحسن. لكنّ كلّ ذلك تبدّل بعد الزواج. فأصبح يختلق المشاكل ويتنازع معي لأسباب لا أهمية لها، ويستخدم ألفاظاً حادة وأسلوباً يتناقض تماماً مع ما كان يُظهره خلال خطوبتنا". وتلوم إسراء نفسها لأنّها لم تختبره كفاية لتكتشف حقيقته، مضيفة: "كنت أصدّقه من دون أن أخوض في تفاصيل الثغرات التي ظهرت منه خلال الخطوبة". وتتأسّف: "الندم لا يفيد بشيء الآن".

في هذا السياق، يقول الخبير الأسري والتربوي الدكتور أسامة يحيى، أنّ "الخطوة الأهمّ التي يقدم عليها المرء هي الزواج. لكنّ الطالب الجامعي في مصر لم يتلقَ ولو ربع ساعة في أيّ من فصول مراحل وسنوات دراسته الطويلة، ليتعلّم كيف يكون زوجاً أو لتتعلّم كيف تكون زوجة. وهذا تقصير من المؤسسات التعليمية في غاية الخطورة، إذ يرى المرء نفسه وهو يستقي معلوماته إمّا من واقع أليم في أسرته أو من الدراما التلفزيونية الوهمية والإعلام". يضيف أنّ ذلك يؤدّي إلى أسر تكاد تنهار قبل أن تبدأ".

ويوضح يحيى أنّ "من الأسباب الأساسية للمشاكل في العام الأول من الزواج، عدم فهم سيكولوجية الطرف الآخر. كما قال الله عزّ وجلّ "ليس الذكر كالأنثى". وفي فهم احتياجات كلّ طرف مساعدة على الاستقرار. فالرجل دافعه مادي دائماً بعكس المرأة التي تحرّكها العاطفة. هو يريد طعاماً جيداً وملبساً نظيفاً وبيتاً مرتباً يستريح فيه استعداداً للعمل في اليوم التالي، وهي تريد زوجها أن يكون رومانسياً حانياً عليها يتحدّث معها طيلة الليل. واستيعاب تلك الفروقات تجعل كلّ طرف يتنازل عن طبيعته لإشباع حاجات الطرف الآخر". ويتابع أنّ "التعوّد على هذا الفهم يكون منذ الصغر. على الأسرة تربية أبنائها الذكور على ضرورة معاملة أخواتهم الإناث بقدر من الحنية والرومانسية، وحثّهم على شراء الهدايا لهنّ واحترام رقّة مشاعرهنّ. وفي المقابل، يُفضّل أن تربى الفتيات على خدمة إخوانهنّ الذكور والعمل على تلبية احتياجاتهم المادية من تحضير الطعام إلى تنظيف البيت وغيرها".


دلالات