سيدرا تنتظر حرية والدتها

22 ديسمبر 2016
الأم وابنتها (العربي الجديد)
+ الخط -

ذلك اليوم، أصرّت سيدرا على أن تكون قريبة من والدتها شفاء الشلودي (37 عاماً). أما الوالد حمزة الشلودي، الذي كان يقف بينهما قرب سجن المسكوبية في القدس الغربية، فيصف هذه اللحظات بـ "الصعبة والقاسية". فزوجته وأم أطفاله الأربعة ستقضي عقوبة السجن لمدة سبعة أشهر. وهذه الفترة لن تكون قصيرة بالنسبة للعائلة.

بدا الوالد قلقاً، وكان يتلافى النظر في عيني طفلته سيدرا التي أصرّت على مرافقة والدتها حتى بوابة السجن لوداعها. هذه الطفلة التي لم تتجاوز التاسعة من عمرها، وهي وحيدة بين ثلاثة أشقاء، أصرت على حمل أغراض والدتها على ظهرها. ولم تنس أن تحمل بعض الأقلام والدفاتر، لتؤكّد لوالدتها أنّ غيابها عن البيت لن ينسيها دروسها وواجباتها المدرسية. ومن خلالها، ستظلّ تعبّر عن مشاعر الحبّ لأمّها التي كان الاحتلال قد اعتقلها في وقت سابق لمدة 40 يوماً. وبعد خروجها، أمضت نحو عام كامل في الحبس المنزلي، الذي لم يكن أقل قساوة.

حكم قضائي

يقول الزوج لـ "العربي الجديد" إنه في بداية ديسمبر/ كانون الأول الجاري، أصدر القاضي الإسرائيلي حكماً بسجن شفاء الشلودي سبعة أشهر. سبق ذلك قرارات أخرى بإبعادها عن القدس لمدة ثلاث سنوات بتهمة التواجد غير القانوني في المدينة المقدسة، علماً أنها تحمل بطاقة هوية الضفة الغربية، وتقيم مع زوجها وأطفالها بموجب معاملة جمع شمل ألغيت بعد اعتقالها الأول.

ويوضح الشلودي أنّها سجنت للمرة الأولى في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني في عام 2015. في ذلك الوقت، اعتُقلت مع ابنيها فادي (13 عاماً) وسامر (17 عاماً)، بتهمة إلقاء حجارة في وجه جنود الاحتلال والمستوطنين. وبعد 40 يوماً من اعتقال الأم، أُفرج عنها بكفالة مالية، بالإضافة إلى حبس منزلي في بيتها في سلوان (جنوب القدس). وبعد جلسات عدّة، تقرّر حبسها سبعة أشهر، مع إبعادها عن القدس مدّة ثلاث سنوات بتهمة محاولة الاعتداء على شرطي، والتواجد غير القانوني في القدس.




ممنوعة من القدس

صباح أوّل من أمس، استيقظت العائلة من دون أن تكون الأم بينهم. يقول الشلودي: "مرّت الساعات طويلة وصعبة وقاسية منذ أن سلمت نفسها تمام الساعة الثانية عشرة ظهراً من يوم الإثنين الماضي. وكانت أكثر صعوبة على سيدرا التي ذهبت إلى المدرسة من دون والدتها، التي اعتادت مرافقتها صباح كل يوم".

ترى العائلة أن المرحلة الأصعب ستكون بعد الإفراج عن الأم، إذ لن يسمح لها بدخول القدس مدة ثلاث سنوات بموجب قرار المحكمة. وحتى بعد انتهاء قرار المنع، لن تتمكّن من دخول المدينة المقدسة والالتحاق بأسرتها في سلوان، ما سيضطر أفراد العائلة للسكن إما في حي رأس خميس (أحد أحياء مخيم شعفاط في شمال القدس)، أو الذهاب أبعد من ذلك إلى سمير أميس قرب رام الله.

ويلفت الزوج إلى أنّه "خلال الفترة التي سبقت تسليم زوجتي نفسها، عرض جهاز الاستخبارات الإسرائيلي علي العمل معهم، في مقابل الإفراج عنها فوراً وإعطائها إقامة دائمة، لكنّني رفضت". بعدها سلّمت الأم نفسها لساعات. وفي الصباح، جمعت كتبها التي تركتها قرب سريرها، وخرجت حتى من دون أن تتناول وجبتها. أمّا فادي وسامر، فكانا منهمكان في غرفة نومهما يتصفحان هاتفيهما ويتابعان أخبار بلدتهما سلوان، بعد اعتقال الشقيقين عامر وأحمد زيداني.

كان زوج شفاء عامل تنظيف في بلدية الاحتلال، وقد أمضى فيها نحو أربع سنوات قبل أن يطرد بعد استشهاد ابن أخيه عبد الرحمن الشلودي قبل أكثر من عام بتهمة محاولة تنفيذ عملية دهس. حالياً، يدير محلاً صغيراً للإنترنت. لكن بعد استشهاد ابن أخيه، باتت العائلة هدفاً لجنود الاحتلال والمستوطنين. ومن حين إلى آخر، يقتحم أفراد من البلدية المحلّ. وفي أحد الأيام، قيل لهم: "ارحلوا من سلوان. لا نريدكم هناك".

"حملة مسعورة"

ويرى الشلودي أن ما تعرّضت له عائلته هو "جزء من حملة مسعورة للاحتلال ضد أهالي سلوان، إذ يريدهم أن يتركوا بيوتهم وأرضهم". يضيف أن الاحتلال لا يخفي الأمر، ويضيّق على المواطنين من خلال اعتقالهم أو إطلاق الرصاص عليهم كما حدث قبل يومين، حين اقتحموا حي بطن الهوى في سلوان، وأصابوا مواطنين بالرصاص الحي.

في غياب شفاء، ستتولى جدتا سيدرا رعايتها وإدارة شؤون البيت، ريثما يفرج عنها. سيدرا التي تفتقد والدتها، وعدتها بالاهتمام بدروسها كما اعتادت، والنجاح. من جهته، وعدها والدها بأنه سيحاول تعويضها عن غياب أمها بعض الشيء، في انتظار أن تعود.