ذي قار... أرض الحضارات التي قهرت كسرى

29 أكتوبر 2016
تحتضن العديد من المواقع الأثرية (علي السعدي- فرانس برس)
+ الخط -


تعتبر بطحاء ذي قار واحدة من أقدم حواضر بلاد الرافدين، وفيها تطورت فنون العمارة، ومنها قامت حضارات العُبيّد، وأور، ولارسا، وأوروك، والأخيرة يعتقد بأنها مصدر اسم العراق الذي اقتبس منها.

تقع محافظة ذي قار في الجنوب الشرقي من العراق، عاصمتها مدينة الناصرية، ويصل عدد سكانها إلى مليون وثمانمائة ألف نسمة، غالبيتهم من العرب، كما تقيم فيها عرب الأهوار والأكراد، وتبعد عن العاصمة بغداد نحو 387 كيلومتراً، وعن شمالي البصرة بنحو 214 كليومتراً وتتصل بالمدينتين من خلال سكة الحديد.

جغرافيتها

تمتد مساحة ذي قار لتصل إلى اثني عشر ألفاً وتسعمائة كيلومتر مربع، ويعبرها نهر الفرات من شمال المحافظة وصولاً إلى الجنوب، وتعتبر المدينة ذات ثروة نفطية هائلة لوجود حقول نفطية متعددة، منها حقل الرافدين وحقل صبة وحقل الغراف، فيبلغ حجم احتياطي النفط ما يفوق ستة مليارات برميل، وتتبع ذي قار خمسة أقضية هي الناصرية، الشطرة، الرفاعي، سوق الشيوخ، الجبايش، والعديد من المدن والنواحي والقصبات. وتشتهر أغلبها بالزراعة وخاصة زراعة النخيل.

تسميتها

تشير الدلائل التاريخية إلى أن هذا الاسم موجود لهذه المنطقة منذ القدم، في بداية تأسيسها عرفت باسم لواء المنتفك (المنتفج باللهجة الجنوبية)، ثم في العهد الجمهوري أصبح اسمها لواء الناصرية، وفي عام 1969 بدل اسمها إلى محافظة ذي قار عندما قام حزب البعث في تلك الفترة بتغيير أسماء المحافظات العراقية، فصار اسم محافظة الناصرية هو محافظة ذي قار نسبة إلى الواقعة التاريخية التي حدثت في القتال بين القبائل العربية وملك الفرس الساسانيين، كسرى أبرويز.

ويقال إن المعركة وقعت قبل بعثة النبي محمد، في هذه البقعة الجغرافية، والتي كان فيها عيون ماء عذبة تسمى عيون ذي قار، وقد اختلفت الروايات في تسميتها، منها تقول سميت بهذا الاسم لأنها تحتوي في أرضها على مادة القار فسميت ذات القار، ولكثرة استعمال القار في أبنيتها.

تاريخها

وفي بداية التأسيس كانت الصحراء الجنوبية للعراق تقع ضمن هذه المحافظة، إلا أنه في عام 1970 أضيفت الصحراء إلى محافظة المثنى ومركزها السماوة، التي تأسست حديثاً. تضم المحافظة تجمعات ومواقع أثرية تعود إلى 6 آلاف سنة قبل الميلاد، وتوجد فيها مدينة أور القديمة، وهي الأرض التي كانت يسكنها السومريون والأكاديون وغيرهم، والتي ولد فيها نبي الله إبراهيم الخليل عليه السلام.




حضارات أقيمت على أرض ذي قار

مهد الحضارات ومنها، سومر وأور ولكش وغيرها، وقال عنها عالم الآثار جيم مارس، إن مجموع ما اخترعه وابتكره السومريون لا يصل إليه مجتمعنا المعاصر، وبالتالي يجب أن نتساءل من أين جاؤوا بكل هذه الأفكار؟

وتضم محافظة ذي قار نحو 1200 موقع آثاري يعود معظمها إلى عصر فجر السلالات والحضارات السومرية والأكادية والبابلية والأخمينية والفرثية والساسانية والعصر الإسلامي، وتعد من أغنى المدن العراقية بالمواقع الآثارية المهمة، إذ تضم بيت النبي إبراهيم (ع) وزقورة أور التاريخية، فضلا عن المقبرة الملكية، وقصر شولكي ومعبد (دب لال ماخ) الذي يعد أقدم محكمة في التاريخ.

ومن معالمها، أور، وهو موقع أثري لمدينة سومرية بتل المقير جنوب العراق. وكانت عاصمة للسومريين عام 2100 قبل الميلاد، وكانت بيضاوية الشكل وكانت تقع على مصب نهر الفرات في الخليج العربي قرب أريدو، إلا أنها حاليا تقع في منطقة نائية بعيدة عن النهر وذلك بسبب تغير مجرى الفرات على مدى آلاف السنين الماضية. وتقع أور على بعد بضعة كيلومترات عن مدينة الناصرية جنوب العراق وعلى بعد نحو 100 ميل شمالي البصرة. وتعتبر واحدة من أقدم الحضارات المعروفة في تاريخ العالم. ولد بها الخليل إبراهيم أبو الأنبياء عام ألفين قبل الميلاد، ونزلت عليه فيها الرسالة الحنفية.

واشتهرت المدينة بالزقورة التي هي معبد لنانا آلهة القمر في الأساطير (الميثولوجيا) السومرية. وكان بها 16 مقبرة ملكية شيدت من الطوب اللبن. وكانت توجد في كل مقبرة بئر. وكان الملك الميت تدفن معه جواريه بملابسهن وحليهن بعد قتلهن بالسم عند موته. وكان للمقبرة قبة.

لكش أو لجش، مدينة أثرية في محافظة ذي قار، كانت تعتبر أحد أقدم مدن السومريين، تعرف أيضا باسم تل الهبة. تقع لكش على بعد 22 كيلومترا شرق مدينة الشطره في محافظه ذي قار.

زقورة أور العملاقة (إينا زيكورات) التي لا تزال شامخة لليوم منذ آلاف السنين، وهي بناء حجري متدرج مخصص لآلهة الشمس السومرية (إنانا)، وتحيط بالزقورة مواقع أثرية منها (أريدو) و(العبيد) و(الدحيلة) و(لارسا). هذه الزقورة التي هي من أعلى المباني في مدينة الناصرية اليوم رغم أنها قد شيدت قبل آلاف السنين.

أهوار ذي قار

أطلق العرب الأوائل على هذه المناطق اسم "البطائح"، جمع بطيحة، لأن المياه تبطحت فيها، أي سالت واتسعت في الأرض وكان ينبت فيها القصب. قالت عنها منظمة "يونيسكو" إن "الأهوار العراقية فريدة من نوعها باعتبارها واحدة من أكبر المسطحات المائية الداخلية في العالم في بيئة جافة وشديدة الحرارة".

وتضم محافظة ذي قار عدداً من الأهوار، منها هور الحمار الغربي، والأهوار الوسطى، وهي مجموعة من المسطحات المائية التي تغطي الأراضي المنخفضة الواقعة في جنوبي السهل الرسوبي العراقي، وتكون على شكل مثلث تقع مدن العمارة والناصرية والبصرة على رؤوسه، وتتسع مساحة الأراضي المغطاة بالمياه وقت الفيضان في اواخر الشتاء وخلال الربيع وتتقلص أيام الصيهود، كما تعتبر معلما سياحيا، وتعيش فيها بعض أنواع الطيور النادرة ومنها، بلشون الليل، الغاق، النسر الذهبي، العرسق، مالك الحزين، بجع دالماسي أو نعجة الماء وغيرها كثير من الطيور المهددة بالانقراض.

في يوم 17 يوليو/تموز 2016 وافقت يونيسكو على وضع الأهوار ضمن لائحة التراث العالمي كمحمية طبيعية دولية، بالإضافة إلى المدن الأثرية القديمة الموجودة بالقرب منها، مثل أور وأريدو والوركاء.

كما تحتوي على عدد كبير من الجوامع والمراقد والمساجد التراثية والأثرية القديمة، والتي يرجع تاريخ بنائها إلى عهد الدولة العثمانية، جامع فالح باشا الكبير، مسجد فالح باشا الصغير، مسجد معروف آغا، جامع سوق الشيوخ، جامع عبد الرحمن الشمري، مسجد النجادة، جامع ثويني السعدون، مسجد الصفا.