لا أرصفة لباعة تونس المتجوّلين

26 أكتوبر 2016
إحدى حملات الشرطة ضد الباعة المتجوّلين (العربي الجديد)
+ الخط -
على أرصفة بعض شوارع تونس، تنتشر الملابس والألعاب والأدوات المنزلية والمواد الغذائية وغيرها. مشهدٌ أصبح مألوفاً لدى التونسيّين. يتذمّر الناس من الفوضى التي يتسبّب بها الباعة المتجولون، وإن كانوا يشترون منهم، بالإضافة إلى رمي النفايات في الشوارع يوميّاً. وتضاعف عدد هؤلاء الباعة بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، ليصل عددهم إلى نحو 1500 بائع في العاصمة.

تعاقبت الحكومات وبقي الحال على ما هو عليه. وترى غالبيّة الجهات الرسمية أنّ التصدّي لتلك الظاهرة قد يخلق حالة من الاحتقان لدى فئة كبيرة من هؤلاء الشبان في مختلف الجهات. ولم تبحث تلك الحكومات عن حلول قد تجنّبها الصدام مع هؤلاء، لاسيما وأنّهم طالبوا أكثر من مرّة بتخصيص أماكن كافية لهم حتّى يتمكّنوا من بيع بضائعهم.

وأدّى انتشارهم إلى ملاحقتهم من قبل شرطة البلدية، التي تشنّ حملات مستمرة بحقهم. وما إن تصل الشرطة حتى يفرّ الباعة جارّين عرباتهم في الأزقة، ويدخلون إلى أقرب مخبأ في انتظار رحيل أعوان شرطة البلدية، قبل أن يعودوا مجدّداً إلى أماكنهم. هذا المشهد يتكرّر كثيراً.

مشهد أدّى إلى انتقادات من قبل المواطنين والمجتمع المدني وحتى بعض السياسيين، الذين أكدوا أنّ مردّ ذلك يعود إلى ارتفاع نسبة التهريب، وتهاون شرطة البلدية في التصدي للفوضى والباعة المتجولين. وردّاً على الانتقادات، يؤكّد كاتب عام موظفي الشرطة البلدية، محمد الولهازي، أنّ أعوان شرطة البلدية شنّوا حملة واسعة في العاصمة وغيرها من المدن التونسية، مؤكداً أنّ الحملات مستمرّة خلال الأسابيع المقبلة. يضيف لـ "العربي الجديد" أنّ أعوان الشرطة، وبدعم من وزارة الداخلية، نفّذوا عمليات كبيرة واستطاعوا من خلالها التصدّي لهؤلاء الباعة، وحجز العديد من البضائع، وتحرير محاضر. وتمكّنت الفرقة الجهوية للشرطة البلدية من تحرير أكثر من 50 محضراً بحق الباعة المخالفين، بالإضافة إلى 107 عمليات حجز للمعدات والمواد، وتنفيذ 15 قرار هدم لبعض الأكشاك في يوم واحد.



على صعيد آخر، يؤكّد الولهازي أنّ شرطة البلدية عانت كثيراً بسبب النقص في عدد الأعوان والمعدات اللازمة، مشيراً إلى وجود 1300 عنصر فقط في البلاد. وقبل أسبوعين، وجّه رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، نداء إلى ولاة الجمهورية، دعا فيه إلى ضرورة مكافحة البيع العشوائي، ودمج الباعة المتجولين ضمن الدورة الاقتصادية النظامية بعد تهيئة فضاءات منظمة.
وخلال الحملات، عمدت شرطة البلدية إلى التصدي للباعة في غالبية الشوارع، والتأكّد من مصادر تلك البضائع والمنتجات. ومؤخّراً، داهمت عدداً من المحال التجارية التي تبيع السجائر المهربة في مخازن في العاصمة، ما أدّى إلى حجز 74366 علبة سجائر.



وكانت شرطة البلديّة تكتفي باجبار الباعة على الرحيل من الشوارع والأرصفة، إلا أنّها باتت تصادر البضائع ولا تعيدها إلى أصحابها، خصوصاً أنّ معظم هذه البضائع مجهولة المصدر وغير مطابقة لمواصفات الجودة، وتهدّد صحة المواطن بحسب مصالح وزارة التجارة. وجرى حجز 240 علبة حليب أطفال مجفف، و59 كيلوغراماً من الحلوى.

معاناة هؤلاء الباعة اليومية، واضطرارهم إلى الهرب من الشرطة، وحجز بضائعهم وغيرها، دفعتهم إلى الاحتجاج في عدد من المناطق، خصوصاً العاصمة، مطالبين بتخصيص مكان مرخص لهم. في هذا السياق، يشير ناجي الفرشيشي، الذي يعمل بائعاً متجولاً منذ خمس سنوات في العاصمة، إلى أنّ شرطة البلدية كثّفت حملاتها في الفترة الأخيرة، وقد وصلت إلى خمس مرات يومياً. ويلفت إلى حجز العديد من بضائعهم وتحرير محاضر مخالفات بحقهم.
من جهته، يقول رئيس نقابة التجار المستقلين، معز العلوي، لـ "العربي الجديد"، إن غالبية الباعة طالبوا منذ العام 2011 بتهيئة فضاء شارع قرطاج في العاصمة، وتخصيصه لهم لوضع حدّ لظاهرة الانتشار الفوضوي للباعة المتجولين. يضيف أنّ الأشغال تعمل على تهيئة فضاء قرطاج الذي أقرته حكومة الباجي قائد السبسي في عام 2011. وقد خصّصت اعتمادات تقدر بمليون دولار من قبل ولاية تونس، فيما قدمت وزارة التنمية مليون دولار أيضاً. لكن بسبب نقص التمويل، لم يكتمل المشروع، مضيفاً أنّ نقابة التجار المستقلين قد سلمت ملف تهيئة المكان إلى رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد، الذي وعد باستئناف الأشغال، من دون أن يتحقّق الأمر، ما جعل الباعة يصطدمون باستمرار مع شرطة البلدية.

يضيف العلوي أنه نتيجة احتجاج الباعة، اتّفق مع والي تونس عمر منصور على منع تمركز التجار المستقلين في الأماكن السياحية في العاصمة، والسماح لهم بعرض بضائعهم في أماكن محددة، والقيام بحملة نظافة أسبوعية في الشارع الرئيسي للعاصمة، ومحيط عملهم مؤقتاً، إلى حين الانتهاء من العمل في فضاء شارع قرطاج، والذي تعهدت السلطة المحلية بانجازه، إذ سيسمح بإيواء نحو 600 تاجر مستقل.

دلالات