التعنيف اللفظي يهدّد المجتمع بالانفلات

20 أكتوبر 2016
يجد صعوبة في بناء علاقات ثقة (جوزف عيد/فرانس برس)
+ الخط -

هل تعلم أنّ العنف أو التعنيف اللفظي بات يهدد المجتمع وأسس التربية؟ ويبيّن أهل الاختصاص أنّه يتحوّل من مجرّد كلام إلى عنف جسدي. ويُعاد الدافع الأوّل إلى الضغوط اليومية، ويُسأل إن كان ذلك مبرراً مقبولاً.

كم من مرّة أثناء قيادة سيارتك في زحمة السير، انهالت عليك الشتائم لسبب أو لآخر، فتخال نفسك وكأنّك تعيش في "عالم مجنون". وكم من مرّة شعرت باشمئزاز عند سماعك طفلا صغيرا يشتم رفيقاً له في المدرسة، إذ إنّ أهله وللأسف يطلقون ذلك السباب، فنقلها هو إلى من حوله. يُضاف إلى ذلك ما تشهده مواقع التواصل الاجتماعي من كيل للشتائم، في حال شاء أحدهم معارضة رأي آخر. هذا الانفلات الكلامي - إذا صح القول - يتزايد والأسباب متعدّدة بحسب ما يفيد أهل الاختصاص.

يقول الطبيب المتخصص في الأمراض النفسية والمحلل النفسي الدكتور شوقي عازوري إنّ "السباب أو التمادي في الشتائم، نسمعه كثيراً عند الرياضيين العالميين، خصوصاً خلال مبارياتهم". يضيف أنّ "التعنيف اللفظي قضية في واقعنا اليوم. أينما ذهبت، ترى أشخاصاً يمارسون العنف اللفظي والسلوكي، من التمادي في الانفعال والسباب وكيل الشتائم، إلى الانتقال السريع إلى استعمال اليد (الضرب). وذلك في ظل غياب الرادع القوي، أي وجود دولة قوية تعرّض كل من يعمد إلى وسيلة عنيفة في التعبير إلى العقاب".

من جهته، يقول الطبيب المتخصص في الأمراض النفسية الدكتور أنطوان سعد إنّ "أهمّ ما يجب أن يعرفه المعنّف هو أنّه يؤذي نفسه. بمجرّد أن يطلق الشتائم باتجاه غيره، فإنّ ضغطه يرتفع، الأمر الذي ينعكس سلباً على صحته. من هنا، ضرورة إعلامه بهذه الحقيقة الطبيّة كي يعدل عن العنف اللفظي".

إلى ذلك، يقول الطبيب المتخصص في الأمراض النفسية الدكتور سمير الجاموس: "عندما يتوفى ضمير الإنسان، يصبح الأخير غير منضبط أخلاقياً. فالضمير هو الذي يردعه عن أي ارتكاب من شأنه الإساءة إلى الآخر، كالتعنيف اللفظي الذي يتزايد في غياب أيّ سلطة رادعة. ويخلّف الأمر فوضى أخلاقية". يضيف أنّ "الضمير يتعزّز لدى الطفل أثناء التربية، قبل أن تتكوّن شخصيته ويصبح راشداً، للتفاعل باحترام مع محيطه. لهذا نشدّد على أهمية تربية الأهل لتعزيز الإصلاحات الأخلاقية لدى أولادهم، بدءاً باعتماد المحرّك الأساس لأخلاقيات الإنسان ألا وهو الضمير. فإذا كانت تربية الأهل معتمدة على الضمير، فهي تكون تربية صالحة تلقائياً".




يرى الطبيب المتخصص في الأمراض النفسية الدكتور جورج كرم أنّ "زيادة التعنيف اللفظي تعود إلى الأجواء الضاغطة التي يعيشها الإنسان اليوم. فيجد وسيلته للتعبير في إطلاق ما يشعر به من ضغوط نفسية باتجاه الآخر، من خلال استعماله الشتائم كتعبير عن غضب داخلي". ويشرح أنّ "الكلمات المؤذية أو بالأحرى التعنيف اللفظي قد يتسبب بها الضغط النفسي بفعل الضغوط اليومية التي تسجّل ارتفاعاً. وهذا لا يتوقّف خصوصاً في السنتين الأخيرتين في لبنان مثلاً، بفعل تأثير الجو العام المتشنج في البلاد". يضيف: "للأسف، لا يتوفّر علاج جذري، إلا إعادة هيبة الدولة لردع المعتدي مهما كانت هويته".

أمّا الطبيب المتخصص في الأمراض النفسية الدكتور أنطوان بستاني، فيقول إنّه "في غياب القانون، يزداد البعد الغريزي الذي يشبه البعد الحيواني". ويشرح أنّ "لدى الإنسان غرائز، وعندما يخضع للتربية تُكبَت هذه الغرائز ويبتعد عن التعنيف اللفظي".

في هذا السياق، يوضح المتخصص في علم النفس العيادي الدكتور نبيل خوري أنّ "التعنيف اللفظي في لبنان على سبيل المثال، بدأ يتزايد خلال الحرب الأهلية في غياب الضوابط الأخلاقية. فتربّى جيل الحرب على الانفلات، مهما كان نوعه، حتى وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم، وسط غياب أيّ رادع أخلاقي. زد على ذلك أنّ الأجيال اليوم تتربى على يد عاملات منزليات أجنبيات، لا يملكن القدرة التربوية على وضع الضوابط الأخلاقية، لا سيّما أنّ الأهل ليسوا في المنزل بصورة دائمة". يضيف: "ولا ننس أنّ الجوّ العام الضاغط الذي نعيشه، يزيد من التعنيف اللفظي. والأسوأ أنّه يطاول الأطفال، وهنا المشكلة بعينها". ويشدّد على أنّ "آثار الإساءة اللفظية أشبه بما يخلفها الاعتداء الجسدي، خصوصاً على الأبناء. ومن الممكن أن تعرقل نمو الطفل العاطفي والنفسي، فيلجأ إلى العزلة، ويعيش طفولة مضطربة تتّسم بسوء المعاملة وقلّة الثقة في النفس من جرّاء سلوك الوالدَين السيئ. كذلك يجد صعوبة في بناء علاقات ثقة مع الآخرين خصوصاً في المدرسة، في حين يلاحقه الاكتئاب والفشل خلال مرحلة الشباب. وقد يلجأ إلى المخدرات والكحول، ويصل أحياناً إلى حدّ التفكير الجدي في الانتحار. كل ذلك بسبب الإساءات اللفظية".

دلالات