يبصر النور حاملاً "رزقته"... ولكن

15 أكتوبر 2016
أخيراً.. في هذه الدنيا (فرانس برس)
+ الخط -

"مبارك ما أجاكم".. "الله يْعَيشه".. "يتربّى بعزّكم".. "يتربّى بدلالكم".. أو بكلّ بساطة "مبروك". تكثر التهاني والتبريكات. الفرحة بالمولود الجديد لا توصَف. يبدأ ذلك في المستشفى، لحظة خروج مازن من غرفة التوليد وعيناه دامعتان. شهد قبل برهة وصول صغيره إلى هذه الدنيا. وسريعاً، تتسابق الجدّتان إلى تقديم البقلاوة والملبّس والشوكولاتة.

قبل ذلك بساعات، كان الأهل يتجمهرون أمام غرفة التوليد. أيّ متغيّب يُعدّ مقصّراً، ويُعاتَب. الكلّ متحمّس، ينتظر أن تضع الأمّ مولودها. لا تعني الحماسة أنّه بكر العائلة. لكلّ طفل رهجته الخاصة، مثلما يأتي إلى هذا العالم حاملاً معه "رزقته" الخاصة. لكنّ الأمر غالباً ما يكون بخلاف ذلك. إبصار الصغير النور يترافق مع أموال كثيرة تُصرف "على شرفه".

أيام ثلاثة في المستشفى، وتعود راجية إلى بيتها. مرّة جديدة تتسابق الجدّتان، هذه المرّة إلى صناعة المغلي. لا يجوز أن يدخل الصغير البيت للمرّة الأولى، والمغلي غير جاهز. والدة مازن هي التي سبقت حماته. فتحرد الأخيرة. حتى تحضيرها الحساء لابنتها، لا يخفّف من حدّة حردها.

تُستقبَل الأمّ الجديدة بصحن من المغلي مع كثير من الصنوبر واللوز والفستق الحلبي والجوز فوق طبقة سميكة من برش جوز الهند. لا بدّ من أن تتناول "حِلْوَيْنة" صغيرها. إذا لم تفعل، فإنّ ذلك يُعدّ نذير شؤم. كذلك فإنّ المكسّرات من شأنها أن تغذّيها، هي المرضعة.

يضع مازن الصغير في غرفته، وتلحق راجية به. هذه الغرفة الملوّنة بالأصفر والأخضر والبرتقالي، التي انتهيا من تجهيزها قبل أقلّ من أسبوع، كلّفتهما نحو ستّة آلاف دولار أميركيّ. مبلغ ليس بقليل بالنسبة إلى زوجَين من الطبقة الوسطى في لبنان. لكنّهما حرصا على أن يأتي صغيرهما إلى هذه الدنيا من دون أن ينقص أيّ تفصيل مهما كان بسيطاً.

مثلهما مثل أيّ عائلة لبنانيّة، أصرّا على تجهيز "غرفة الأولاد" بسريرَين وخزانة كبيرة ورفوف تتناسب ألوانها مع الأثاث. "قد نتمكّن من ذلك اليوم، لكنّنا قد نعجز عن ذلك حين يحتاج إلى سرير أكبر من مهده. عندها، نكون مضطرين إلى مواجهة استحقاقات أخرى، وقد آن أوان دخوله إلى المدرسة، من بين أخرى".




ستّة آلاف دولار ليست فقط لتغطية تكلفة أثاث الغرفة، بل أيضاً ما يحتاج له من مهد لحديثي الولادة وعربة وكرسيّ خاص بالسيارة وجهازه الذي يشمل الثياب والرضّاعات ومستحضرات النظافة الشخصيّة وما إليها. "في لبنان، كلّ هذه المستلزمات باهظة الثمن. تخيّلي أنّ ميزان الحرارة الخاص بالرضّع، ثمنه نحو مائة دولار. لكنّني تمكّنت من شرائه من أوروبا بثلاثين فقط". راجية كانت قد رافقت مديرتها في رحلة عمل إلى أوروبا، قبل أشهر من وضعها، وحملت معها من هناك، كثيراً من الحاجيات التي لا تحتاج إلى عمليّة شحن خاصة. "مثلاً، اشتريت ثلاثة قمصان قطنيّة من ماركة شهيرة بعشرة دولارات، فيما هنا تقارب (هي نفسها) الخمسين دولاراً". كذلك ابتاعت جهاز تعقيم للرضّاعات بخمسين دولاراً، بينما لا يقلّ في بيروت عن مائة وخمسين.

وتشكو راجية من أنّ "الأسعار هنا نار. كأنّهم يستغلّون فكرة الإنجاب لتحقيق أرباح خياليّة. يعرفون أنّ لا مفرّ من شراء هذه المستلزمات، فيرفعون أسعارها. حتى البضائع الوطنيّة والصينيّة، مرتفعة الثمن. لذا، فضّلنا شراء الماركات العالميّة ذات الجودة العالية. هكذا نضمن سلامة ابننا، على أقلّ تقدير. والمال يُعوَّض".

ويبدأ المهنّئون بالتوافد. ويشيدون بطاولة الضيافة المميّزة. بحسب الدارج، يختار الوالدان محوراً معيناً، وعلى أساسه تُحضَّر الضيافة. راجية ومازن اختارا "حديقة الحيوانات". فملأت مجسمات الفيلة الصغيرة الزرقاء والزرافات الصفراء والأسود البرتقاليّة والضفادع الخضراء الطاولة التي جهّزها لهما منسّق محلّ الشوكولاتة. اختارته راجية بعد بحث طال. هي ومذ كانت في شهرها الخامس، راحت تبحث عن زينة ضيافة لافتة. قصدت أكثر من عشرة محلات متخصصة بذلك، قبل أن تحسم أمرها. كانت تحرص على مذاق الشوكولاتة وكذلك دقّة تنفيذ زينتها. إلى الشوكولاتة التي يبلغ ثمن الكيلوغرام الواحد منها مائة وخمسين دولاراً، تضمّنت الضيافة الملبّس الذي يُعدّ من الأساسيات إذ يحمل الحظّ السعيد للمولود الجديد وعائلته، والبسكويت الذي أتى كما المرصبان بأشكال حيوانات ملوّنة، وغيرها من الأطايب.

هذه الضيافة التي تضمّنت كذلك تذكارات صغيرة من الخزف تتلاءم والموضوع المختار، بلغت تكلفتها ألفاً ومائتي دولار، من دون احتساب البقلاوة التي لا تكتمل فرحة في لبنان من دونها هي والعصائر والمغلي الذي لا يُعدّ إلا وقد أبصر مولود جديد النور.

دلالات