عندما يتحوّل المستشفى إلى قاعة أفراح

15 أكتوبر 2016
أهلاً وسهلاً بك! (فرانس برس)
+ الخط -

استقبال المولود الجديد في الكويت، تحوّل من زيارات عائلية يهنئ خلالها الأقارب والجيران الوالدَين، إلى نوع من "مهرجان" تنظمه عائلات عديدة بهدف الاستعراض اجتماعياً. وكثيراً ما يُلقى اللوم على المرأة في ذلك، إذ تُعدّ المعنيّة الأولى.

في الماضي، كانت المرأة بعد عودتها من المستشفى عقب وضع مولودها الجديد، تستقبل الزائرين والمهنئين طوال 40 يوماً في بيتها أو بيت أهلها، قبل استعادة حياتها الطبيعية، من دون أن تتكبّد وزوجها تكاليف إضافية ترهق كاهلهما. أمّا اليوم، فيختلف الحال. تكلفة استقبال المواليد صارت توازي تكلفة حفلات الزواج، وتزيد عنها في بعض الأحيان.

قبل أن يحين الموعد المحدد للولادة، كثيرة هي العائلات التي تحجز جناحاً في مستشفى خاص، فيما تُحدَّد أيام خاصة للتهاني في هذا الجناح، ويُستعان بشركات خاصة تؤمّن الضيافة من حلويات وغيرها. بالتالي، يتحوّل المستشفى إلى ما يشبه قاعة أفراح. بعد ذلك، تستكمل المرأة استقبال المهنئين في البيت الذي يجهّز بإكسسوارات خاصة بالمناسبة، وفي أحيان كثيرة توكل المهمّة إلى منظمة حفلات. يُذكر أنّ تكلفة استقبال المولود الجديد كاملة تتراوح ما بين 2000 دينار كويتي (نحو 6700 دولار أميركي) و4000 دينار (أكثر من 13 ألف دولار) بالنسبة إلى العائلات متوسطة الدخل أو الأكثر يسراً بقليل، فيما تزداد تكلفتها أكثر فأكثر لدى بعض العائلات الميسورة التي تنجب نساؤها في الخارج، تحديداً في بريطانيا، طمعاً في الحصول على مميزات الجنسية البريطانية للمولود لاحقاً.

نهلة منير، موظفة استقبال في مستشفى ولادة فخم يطلّ على البحر، توضح أنّ "تكلفة الولادة والاستقبال لدينا تختلف بحسب درجة الغرفة والأجنحة. أسعارنا تبدأ من 800 دينار (2600 دولار) للغرفة وتصل إلى 2500 دينار للجناح (8200 دولار) لمدّة ليلتَين من دون خدمة الغذاء وخدمة الضيافة اللتَين تتكفل بهما الأسرة.

وتصل تكلفة الحلويات الخاصة بالضيافة عادة إلى نحو 750 ديناراً (2500 دولار)، وتُجلب من أكبر المحلات المخصصة لهذه الحفلات في الكويت، وهي في الغالب حلويات بلجيكية وفرنسية، بالإضافة إلى تكاليف الغداء أو العشاء الذي يُقام في المناسبة وما تتقاضاه منظمة الحفل أيضاً.

أم محمد ربّة منزل في الثالثة والأربعين من عمرها، تشير إلى أنّ في السابق "لم تكن ثمّة طقوس خاصة في الكويت لاستقبال المواليد الجدد. قبل عشرين عاماً مثلاً، كانت الحوامل يلدن في المستشفيات الحكومية، حتى بنات الأسرة الحاكمة. ولاحقاً، نذهب إلى بيوتنا ونستقبل المهنئين، فيما تحضر لنا جاراتنا وقريباتنا الطعام لمدّة أربعين يوماً. وكانت المرأة تتناول خصوصاً العصيدة، وهو حساء يحتوي على فيتامينات تساعد المرأة على النهوض من جديد". وتشير إلى أنّ "في ذلك الزمن، لم نكن نعرف الحلويات الفرنسية ولا حفلات الاستقبال أو تلك التي تسبق الولادة والتي يطلقون عليها اليوم اسم بيبي شاور".

كثيرات هنّ الأمهات الحوامل اللواتي يحرصن اليوم على الاحتفال بمواليدهنّ الجدد من دون أخذ حجم التكاليف بعين الاعتبار، وثمّة نساء أيضاً يقترضن لاستكمال جهاز المولود المنتظر.

في هذا السياق، يعلّق الباحث الاجتماعي في جامعة الكويت خليل خالد على هذه "الظاهرة" قائلاً إنّ "استقلالية المرأة وتحصيلها دخلاً خاصاً بها بعد دراستها ودخولها ميدان العمل، هو ما يجعل حفلات استقبال المواليد الجدد تظهر بهذه الصورة. وهي تدفع بنا في اتجاه التحوّل إلى مجتمع استهلاكي مخيف". يضيف أنّ "الأموال كانت متوفّرة قبل عشرين عاماً، لكنّ الاهتمام كان بأمور أخرى"، مشدّداً على "عدم وجوب إلقاء اللوم على المرأة وحدها في هذا البذخ. الشبان اليوم، يصرفون أضعاف أضعاف ما يستطيعون تحمّله من أجل شراء سيارة أو السفر إلى بلد أوروبي في الصيف. المجتمع ككلّ يتحمّل مسؤولية هذا السعار الاستهلاكي الذي أُصبنا به اليوم".

دلالات