طهي في خردة الألومنيوم

14 أكتوبر 2016
يصنّع أواني جديدة (كريم أحمد)
+ الخط -

فضيحة جديدة تهدّد الصحة العامة في مصر. قد يقول البعض إنّها مجرّد أوانٍ للطهي مصنّعة من الألومنيوم، إلا أنّها غير صالحة للاستخدام البشري. من المرجّح أنّها تتسبّب في أمراض كثيرة، من الممكن أن تؤدّي إلى الوفاة.

يمكن تلخيص مشكلة تلك الأواني في أنّها مصنّعة من مخلفات خردة تجمع من الشوارع، قبل أن يُعاد تدويرها وإنتاجها بشكلها النهائي وبيعها في الأسواق التجارية الكبرى. يُذكر أنّ ثمّة إقبالاً كبيراً عليها من قبل الفقراء ومحدودي الدخل، إذ إنّ هؤلاء يتهافتون على شرائها لرخص ثمنها ولأنّها في متناول الجميع، لا سيما المقبلين على الزواج.

تُعدّ أسواق الأزهر التجاري والعتبة ومنطقة باب الشعرية، في وسط القاهرة، من أشهر مراكز بيع تلك المنتجات، بعد تغليفها وتوضيبها في علب من الكرتون. أمّا منطقة الحوامدية، في محافظة الجيزة، فهي من أكثر المناطق التي تُجمَع فيها الخردة من الألومنيوم، وتخزّن في محلات عديدة. كذلك تتضمّن عدداً من الأسواق التجارية الكبيرة التي تعرض أنواعاً مختلفة من الأدوات المنزلية، فيتوافد إليها مواطنون كثر لشراء احتياجاتهم من تلك الأواني بأنواعها المختلفة.

وكانت شعبة الأدوات المنزلية في اتحاد الصناعات قد أبلغت عدداً من الجهات المصرية المسؤولة، بانتشار أوانٍ مختلفة تستخدم في الطهي غير صالحة للاستخدام البشري. وطالبت الشعبة كلّاً من وزارة التموين ووزارة الصناعة والتجارة ومباحث التموين، بأداء دورها - كلّ باختصاصها - لوضع حدّ للمصانع التي تنتج تلك الأدوات وتشميعها ومصادرة منتجاتها نظراً لخطورتها على الصحة العامة.



ويكشف أحمد ص. وهو من العاملين في تجارة الخردة، طريقة جمعها وبيعها وتصنيعها. فيقول بائع الروبابيكيا الذي يجمع الخردة من الألومنيوم من الشارع أو عبر شرائها من الأهالي في مقابل مبالغ مالية معيّنة، إنّه يعمل في هذه المهنة التي ورثها عن والده. يضيف: "كل ما أحتاجه هو تروسيكل (دراجة نارية بثلاثة دواليب مع صندوق خلفي) وميكروفون أنادي به على بضاعتي يومياً في الشوارع". ويلفت إلى أنّ "الكيلوغرام الواحد من خردة الألومنيوم يباع للتاجر بـ16 جنيهاً مصرياً (أكثر من 1.80 دولار أميركي)، أي 16 ألف جنيه (1800 دولار) للطنّ الواحد".

ويوضح أحمد ص. أنّه "بعد جمع كميّة من خردة الألومنيوم، أحملها إلى أحد التجار في منطقة الحوامدية، أكثر المناطق المخصصة لجمع الخردة، خصوصاً الألومنيوم. هناك، نجد كذلك محلات ومصانع لزخرفة قطع الألومنيوم حتى تخرج بشكلها الجيّد". يتابع أنّ "أطفالاً كثيرين يفرزون تلك الخردة قبل شحنها إلى مدينة ميت غمر في محافظة الدقهلية، التي تعدّ مركزاً لتصنيع أواني الطهي".

أمّا عمليّة التصنيع، فيشرحها بائع الروبابيكيا قائلاً: "في أولى الخطوات، تُلقى حمولة العربات من الخردة أمام باب المسبك، حيث يُصهر المعدن من دون أي معايير للنظافة على حرارة لا تقلّ عن 1200 درجة مئوية، لا بل تتخطاها. فيتحوّل المعدن إلى مادة سائلة". ويلفت إلى أنّ "طاقة المسبك الواحد هي صهر سبعة أطنان من الخردة في اليوم الواحد. وتعمل المسابك بمعظمها منذ ساعات النهار الأولى وحتى الظهيرة. عمّال المسابك لا يحتملون الوقوف أمام الفرن في ذروة الشمس". ويكمل تفصيله العملية: "بعد نحو خمس أو عشر دقائق على أبعد تقدير، يكون السائل قد تجمّد في الإسطمبة (قوالب خاصة) لكنّه يبقى محافظاً على درجة حرارة عالية. فيرفع بواسطة كماشة إلى ماكينات الدرفلة، لتكون أولى مراحل التشكيل. وتقسم السبيكة إلى شرائح من رقائق الألومنيوم".

ويبيّن أنّ "أكثر من ألفَي مصنع في ميت غمر تنتج يومياً آلاف الأطنان من المعدن بمختلف أشكال الأواني المنزلية"، مؤكداً على أنّ "70 في المائة من تلك المصانع تعمل من دون تراخيص".



في سياق متّصل، راح خبراء كثر يحذّرون من خطورة هذه المنتجات على الصحة، إذ أثبتت الدراسات أنّ استعمالها في صنع المأكولات يعرّض المستهلكين إلى مخاطر على صحة الإنسان. ويؤكد الطبيب الاستشاري في أمراض الباطنة في جامعة القاهرة، الدكتور حسام موافي، على أنّ "ذلك قد يصل إلى حدّ الإصابة بالسرطان على المدى البعيد، إذ إنّ هذه الأواني لا تحتمل درجة حرارة عالية. بمجرّد تعرّضها إلى ذلك، تتحلل بعض موادها وتختلط بالطعام أو الشراب الساخن. وينتج عن هذا التلوّث الكيميائي الخطير تسمّم غذائي، يجرّ وراءه أمراضاً عدّة خطيرة جداً".

ويلفت إلى "أعراض اشتكى منها المرضى، اتضح بعد التحاليل أنّها ناتجة عن تناول طعام غير صحي طهي في أوانٍ غير صالحة للاستخدام". ويوضح موافي أنّ "المطاعم بمعظمها تستخدم تلك الأواني"، محذّراً من أنّ "استعمالها خطر على صحة الإنسان. ولعلّ أبرز المخاطر هي سرطان القولون، إذ تحتوي الأواني على عناصر الماغنسيوم والمنغنيز والحديد والأنتيمون والرصاص، بنسب متفاوتة".

دلالات