تونس.. أطفال بيع الخبز يصارعون لكسب العيش

25 يناير 2016
آلاف أطفال تونس يعملون بدلاً من الدراسة (فرانس برس)1
+ الخط -
"أنا أعرفك، تشترين مني دائماً" قالت لي ماجدة بابتسامة خجولة، وهي تختار لي أجمل خبزة فرن صنعتها يديا أمها، منذ الصباح، ورصفتها بانتظام داخل قفة من السعف مزركشة برسوم الجمال والنخيل. 

المكان: محطة الاستخلاص بالطريق الرابط بين تونس العاصمة ومحافظة صفاقس بالجنوب التونسي، الزمان: كل يوم وكل فصل منذ شروق الشمس إلى مغيبها، هناك يلتقي عشرات الأطفال من الجنسين يحملون الخبز "العربي" ويستعطفون أصحاب السيارات المتوقفة لكي يشتروا منهم بضاعتهم الزهيدة الغالية على قلوبهم. "أعمل لكي أتمكن من مواصلة دراستي" قالت ماجدة.

لا تجد ماجدة أي حرج في الحديث عن عملها المتعب. "حين أنهي بيع الخبز أعود إلى البيت لأجلب كمية جديدة، أغلب أصحاب السيارات يرغبون في بضاعتنا ويكرموننا بضعف قيمتها"  وتضيف "أبلغ من العمر عشر سنوات، أدرس بالسنة الخامسة من التعليم الابتدائي، وأحصل دائماً على مراتب جيدة. خلال العطل أبيع الخبز طوال اليوم، وخلال أيام الدراسة أعمل أنا وأخي الأصغر بالتناوب حسب جدول أوقاتنا.

وتحكي الطفلة: "تنهض أمي، منذ الرابعة صباحاً، لتعد كمية كافية من عجين الخبز، ثم تشعل فرن الحطب وتشرع في إعداده، وتحرص على تقسيم عملها حسب جدول أوقاتي ليكون الخبز ساخناً عند بيعه".

ورداً على سؤال عن المصاعب التي تتعرض لها أثناء عملها، تقول ماجدة لـ"العربي الجديد": "تحذرنا أمي دائماً من خطر السيارات القادمة بسرعة، لم أتعرض لأي حادث، ولكني أشعر دائماً بالتعب وأحياناً بالصداع عند التعرض لأشعة الشمس أو للرياح الباردة في فصل الشتاء"، وتضيف ببراءة "ولكن أمي تحرص على وضع قبعات على رؤوسنا حتى تجنبنا المرض".

ينتشر عشرات الأطفال داخل محطات رسوم الطريق، بدون رقابة أبوية أو حماية، يتعاملون مع أشخاص يكبرونهم سناً، ويسوّقون تجارتهم بكثير من الكلمات المنمقة والثقة في النفس تحت أنظار رجال الأمن الذين يتواجدون بكثافة في هذه الأماكن.

الأخصائية في علم نفس الطفل، سنية بوحديدي، أكدت لـ"العربي الجديد" أنه "لا ضير في تخصيص الأطفال فوق العاشرة بعض الوقت لممارسة أعمال بسيطة لتعويدهم على العمل وتعليمهم قيمة الاستثمار في أشغال بسيطة وممتعة، ولكن الاعتماد على الأطفال في توفير لقمة العيش وجعل الأمر داخل جدول حياتهم اليومي أمر يرفضه القانون وتدينه الجمعيات المدافعة عن حقوق الطفل".

وتضيف الأخصائية أن "التركيبة الجسدية والنفسية للطفل لا تتحمل ضغوط العمل اليومي ولا مسؤولية النجاح في أداء المهمة من عدمه. شيئاً فشيئاً يشعر الطفل بضرورة تحمل الإرهاق كضرورة حتمية فيكتم المعاناة داخله حتى لا يظهر بمظهر الطفل الضعيف الذي لا يمكن التعويل عليه، ما يولد لديه لاحقاً عُقداً نفسية تلازمه، عدا عن إحساسه بالذنب تجاه وضعية عائلته المادية، وتوجه تفكيره بطريقة غير مباشرة نحو ضرورة ترك الدراسة والتفرغ للعمل ما يؤثر سلباً على نتائجه المدرسية".

وينص الفصل 47 من دستور تونس الجديد، على أن "حقوق الطفل على أبويه، وعلى الدولة ضمان الكرامة والصحة والرعاية والتربية والتعليم. وعلى الدولة توفير جميع أنواع الحماية لكلّ الأطفال دون تمييز وفق المصالح الفضلى للطفل"، غير أن ما جاء في الدستور سنة 2014، بقي حبراً على ورق، حيث لم تلبث ظاهرة الاستغلال الاقتصادي للأطفال في التفاقم خلافاً لما جاء في الفصل 53 من مجلة الشغل التي ينص على أنه "لا يمكن تشغيل الأطفال الذين يقل سنهم عن ستة عشر عاما في جميع الأنشطة الخاضعة لهذه المجلة مع مراعاة الأحكام الخاصة الواردة بنفس المجلة".

وتوجهت "العربي الجديد" بالسؤال لأحد رجال الأمن بمحطة رسومك الطريق، حول مسؤولية الجهاز الأمني في حماية الأطفال في هذه المناطق، فأجاب: "نحن لا نمنع الأطفال من التواجد هنا وبيع بضاعتهم، فهذا ليس من اختصاصنا ولكننا على أتم الاستعداد لمنع انتشار هذه الظاهرة بإصدار منشور مشترك بين وزارة الأسرة والطفولة ووزارة الداخلية يقضي بمنع عمل الأطفال بمحطات الاستخلاص".

وأضاف "نقوم بمجهودات فردية للحديث مع الأطفال وتوعيتهم فيما يتعلق بالسلامة المرورية والسلامة الجسدية ونستمع إلى شكاويهم إذا تعلق الأمر بحصول مناوشات بينهم أو مضايقات لهم من طرف المشترين".

وجاء في تقرير نشرته منظمة اليونيسيف سنة 2014، أن حوالي 3 في المائة من أطفال تونس الذين يبلغ عددهم 3 ملايين و400 ألف طفل، يخرجون للعمل. ويتعرض الآلاف من الأطفال للاعتداءات، في حين يتم استغلال نسبة هامة منهم في الجريمة المنظمة، حسب تقارير لمندوبية حماية الطفولة بتونس.

وفي محاولة للتصدي لهذه الظاهرة، أعلنت وزيرة المرأة، سميرة مرعي، خلال الندوة الوطنية لمكافحة تشغيل الأطفال يوم 21 يناير/كانون الثاني الجاري بالعاصمة، أن الوزارة شرعت بالتعاون مع كل الأجهزة المعنية بالطفولة في تنفيذ المخطط الوطني لمكافحة عمل الأطفال والذي ستنطلق أولى أشغاله بداية من شهر مارس/آذار القادم.

وتتلخص برامج المخطط على المدى القريب حسب تصريح الوزيرة في إعداد مسح شامل حول عمالة الأطفال في مختلف القطاعات، وإعادة الأطفال المنقطعين إلى قاعات الدراسة، وفرض تطبيق القانون المتعلق بمعاقبة المتورطين في تشغيل الأطفال، وتوفير المساعدات لأطفال الجهات المحرومة والعائلات الفقيرة.


اقرأ أيضاً:أطفال الإرهابيّين ضحايا أبرياء في تونس
دلالات