العاصفة تقسو على اللاجئين السوريين والفلسطينيين

02 يناير 2016
بعض الأطفال وجدوها فرصة للهو (الأناضول)
+ الخط -
تستمر العاصفة الثلجية في ضرب فلسطين والأردن ولبنان وسورية لليوم الثالث على التوالي، وهو ما يؤثر بالذات على اللاجئين السوريين في هذه الدول، خصوصاً الذين يسكنون في مخيمات ومنازل بسيطة غير مجهّزة. وهو الحال نفسه للاجئين الفلسطينيين في مخيمات الضفة الغربية وقطاع غزة.

سورية
ودّع السوريون العام 2015 واستقبلوا العام 2016 بعاصفة ثلجية عمّقت جراح مئات ألوف النازحين. ويشرح ناشط يكنى بـ"أبو صبحي" أنّ "وضع النازحين في مخيمات (أطمة) الحدودية في ريف إدلب الشمالي، مأساوي جداً في هذه العاصفة الثلجية". ويشير إلى أنّ موجة البرد تزيد من معاناة نحو 350 ألف نازح تضمهم هذه المخيمات، حيث لا توجد محروقات في ظل اختفاء شبه كامل للمنظمات الإغاثية التي تعمل على تخفيف معاناة هؤلاء النازحين في فصل الشتاء. يضيف: "هناك عدد كبير من العائلات التي تأخذ دفئها من الحطب وكل ما يمكن حرقه". يناشد أبو صبحي المنظمات الدولية بسرعة التدخل لمساعدة النازحين، خصوصاً أنّ فصل الشتاء ما زال في بدايته، ومن المتوقع أن تأتي موجات صقيع أقوى من الموجة الحالية.

من جانبه، يؤكد الناشط بسام أبو محمد، أنّ أوضاع النازحين داخل مخيمات أطمة "صعبة في ظل عدم توفر مواد التدفئة". ويشير إلى أنّ عدداً كبيراً منهم يحرقون أوراق الشجر والمخلّفات من أجل توفير بعض الدفء لأطفالهم، مؤكداً غياب المساندة من المنظمات الدولية المختصة.

كذلك، فاجأت العاصفة الثلجية آلاف النازحين في ريفي إدلب الجنوبي والشرقي، حيث مخيمات النقير، وعابدين، ومعرزيتا، وبشحشبو، وفي ريف حماه الشرقي، وفيه نحو 18 مخيماً، منها: الفرجة، وتل الشيح، وعبلة، وجب الصفا، ومكسر الحصان. تضم هذه المخيمات النازحين الهاربين من قرى قريبة تعرضت لقصف كثيف من الطيران الروسي، وفضّلوا البقاء قرب قراهم. يقول الناشط شحود جدوع، لـ"العربي الجديد"، إنّ أوضاع النازحين في تلك المخيمات "مزرية للغاية. فالمخيمات داخل سورية عموماً رغم كثرتها لا تلقى اهتماماً من المنظمات العربية والدولية الداعمة التي تركز جهودها على المخيمات الحدودية فقط، وتهمل ما عداها".

يؤكد أنّ "أحوال المدنيين الذين ما زالوا في بيوتهم ولم يضطروا للنزوح في تلك الأرياف لا تقل سوءاً عن المخيمات في ظل غلاء المحروقات، حيث يصل سعر الليتر الواحد من مادة المازوت إلى نحو 180 ليرة سورية (نحو 5 دولارات أميركية)، وهو مبلغ كبير لدى قطاع واسع من المدنيين في ريفي حماه وإدلب، عدا عن كون المادة المعروضة للبيع "رديئة ولا تساعد على التدفئة". يتوقع جدوع تعرّض البعض للوفاة في حال استمرت موجة البرد القوية لعدة أيام أخرى في ظل غياب الرعاية الصحية وندرة مادة حليب الأطفال، وقلة الأطباء المتخصصين في ريف حماه الشمالي والشرقي، مؤكداً أنّ المراكز الصحية "على قلّتها" كانت هدفاً مباشراً للمقاتلات التي دمرت معظم المراكز الصحية في ريف حماه الشمالي.

من جهتهم، أطلق ناشطون عدة حملات على وسائل التواصل الاجتماعي قبل بدء الشتاء لجمع تبرعات ومساعدات. لكنّ الناشط بسام أبو محمد يؤكد أنّ الاستجابة لم تكن بالمستوى المطلوب.

لبنان
سجل لبنان تساقط الثلوج على ارتفاع 500 متر فوق سطح البحر، في ثالث أيام العاصفة الثلجية التي تضرب المنطقة. ولامست الثلوج المناطق الساحلية في عكار، شمالي البلاد، مع انخفاض حاد في درجات الحرارة إلى ما دون الصفر في المناطق الجبلية المرتفعة. وقد ساهمت الإجراءات الاستباقية التي اتخذتها الجمعيات الإغاثية المحلية والدولية في الحد من آثار العاصفة على نحو مليون و300 ألف لاجئ سوري في لبنان، بحسب إحصاءات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

يتركز وجود اللاجئين السوريين في لبنان في المناطق الحدودية المرتفعة عن سطح البحر، والتي تعاني من نقص الخدمات، خصوصاً أنّها بعيدة عن المدن الرئيسية. ويقيم اللاجئون في مخيمات ومبانٍ متداعية، ما يزيد من خطورة العاصفة عليهم.

كانت المفوضية قد أعلنت نهاية العام الماضي عن توزيع بطاقات مساعدات خاصة بفصل الشتاء على 144 ألف أسرة سورية في جبل لبنان والشمال والجنوب والبقاع. كما وزعت بطانيات ومواقد وشوادر بلاستيكية للخيم على اللاجئين. ولم تقتصر التقديمات على اللاجئين السوريين، إذ استفادت نحو 19 ألف عائلة لبنانية فقيرة من الحصص الشتوية تلك.

كما استكملت جمعيات الإغاثة تدعيم خيم اللاجئين بالألواح الخشبية والشوادر البلاستيكية لحمايتها من الانهيار تحت ضغط الثلوج المتراكمة، وذلك بعد منع السلطات اللبنانية استخدام الحجارة أو مواد البناء لبناء سور حول الخيم أو بناء أسقف لها، كما يؤكد عدد من عاملي الإغاثة لـ"العربي الجديد".

في عكار (شمال)، وعرسال (شرق)، منع الجليد والبرد الشديد الحركة حتى بين الخيام المتجاورة. وأوضحت مقاطع فيديو تناقلها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي تراكم الثلوج بين الخيام التي تصاعد منها دخان المواقد الصغيرة. يوضح المشرف الإغاثي في "اتحاد الجمعيات الإغاثية" في عكار، ناهد الكك، لـ"العربي الجديد"، أنّ "الحد الأدنى من مستلزمات مواجهة العاصفة قد تأمّن بالفعل، والعمل جارٍ على مواكبة كافة الحالات الطبية الطارئة لا سيما بين الأطفال الرضّع وكبار السن". وقد عملت فرق الإنقاذ على إعادة تدعيم بعض الخيم التي تعرضت للانجراف نتيجة السيول.

ويؤكد اللاجئ السوري في منطقة فنيدق العكارية، أبو بلال، لـ"العربي الجديد"، خوف اللاجئين من نقص المازوت "لأنّ الكميات التي وزعت الأسبوع الماضي شارفت على النفاد، والطرقات المقطوعة تحول دون وصولنا إلى محطات الوقود".

قطاع غزة
النازحون الذين يسكنون في الكرفانات في مناطق شرق خانيونس في قطاع غزة، هم الأكثر تأثراً بالطقس البارد. فالكرفانات هناك تقف على منطقة سفلى تشهد سيولاً كبيرة تتجمع مياهها بالقرب من الكرفانات وتدمر التربة المحاذية وتضعف صمودها.

تفشل كلّ المحاولات في سد ثقوب الكرفانات، خصوصاً أنّ مدة تحمّلها تنتهي خلال عام واحد، وها هي اليوم تستمر لعام ونصف. الطقس أقوى من كل المحاولات. ففي كرفان أبو سعيد قديح، في بلدة عبسان الكبيرة، شرق خانيونس، يحاول مع أبنائه كلّ أسبوع على مدار شهرين سد ثقوب الكرفان التي تدلف المياه من أعلى. وبالرغم من استخدامه مادة الـ"فيبرغلاس"، لم يتمكن من إصلاحه. يقول إنّه استسلم للبرد، كما استسلم للحر من قبل العام الماضي عندما كان يبيت بعض الليالي على شاطئ بحر خانيونس لعدم تحمّله ارتفاع درجات الحرارة.

يقول لـ"العربي الجديد": "المؤسسات المموّلة للكرفانات تبدو وكأنّها تجري تجارب علينا كنازحين، حول مدى تحمّل هذه الكرفانات ومدة صلاحيتها. وهو ما اتضح لي عندما أخبروني قبل عام ونصف أنها تتحمل لوقت طويل، وما عليّ إلاّ الصبر".

يحاول الرجال مع كل اشتداد للأمطار إبعاد المياه من محيط الكرفانات عبر شق قنوات رملية. وليلة رأس السنة بالذات، غرق كرفانان بداخلهما 8 أطفال خرجوا منهما ليمضوا ليلة الأعياد في كرفان آخر بات يمتلئ بـ15 طفلاً.

كذلك، انزلق كرفان مصطفى حسان قبل 10 أيام، بعدما أصبحت أرضيته طينية لا تصلح لوقوف أي شخص عليها. وتهرّبت الجهة المموّلة وأخبرت حسان أنّ عليه إصلاحه من جيبه، وإلا يتوجب عليه دفع ثمنه. لكنّ حسان عاطل من العمل، ولذلك، اكتفى بإعداد خيمة من النايلون الثقيل بشكل يدفع المياه للسقوط في حفرة أعدها، تخوفاً من غرقه ليلاً، مؤكداً لـ"العربي الجديد"، أنّ سكان الكرفانات "يعيشون فيلم رعب هنا، كلّ مرحلة منه أصعب ممّا سبق".

الضفة الغربية
مخيم بلاطة، شرقي مدينة نابلس، شمالي الضفة الغربية المحتلة، أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الضفة بعدد السكان الذين يبلغون 41 ألف لاجئ، بالرغم من مساحته الضيقة. يعيش الأهالي في ظروف صعبة وقاسية تزداد مع كل شتاء يمر عليهم.

يقول رئيس مجلس خدمات مخيم بلاطة أحمد ذوقان، لـ"العربي الجديد"، إنّ المخيم يعاني كما جميع المخيمات الفلسطينية التي تكتظ بالسكان بسبب المنازل المتلاصقة. ويشير إلى صعوبة العيش داخل المنازل كونها غير مؤهلة، خصوصاً في الشتاء. وكثير من البيوت مبني بالطوب ولا تزيد سماكة سقوفها عن 10 سنتيمترات، فتتدنى درجات الحرارة داخلها كثيراً. كذلك، فالمنطقة الشرقية في المخيم منخفضة، ما يؤدي إلى دخول مياه الأمطار إلى المنزل، وتشكل برك من المياه في الغرف الداخلية.

يتابع أنّ مجلس الخدمات في المخيم بالإضافة إلى مؤسساته يشكلون لجان طوارئ تعمل بشكل مستمر على حل مثل هذه المشاكل، وتضطر في بعض الأحيان إلى توفير منازل بديلة للأهالي وإمدادهم بتجهيزات بسيطة كالفرش والأغطية.

تنقطع الكهرباء في مخيم بلاطة بشكل مستمر أيضاً، مع ما في هذا من معاناة إضافية للأهالي، خصوصاً في فصل الشتاء، حيث يحتاجون لاستخدام كثير من الأجهزة الكهربائية للتدفئة وسواها.

كما يلفت ذوقان إلى مشكلة العيادات الطبية في المخيم، وعدم اهتمامها بحالات الطوارئ في هذه الأيام. يقول إنّ عيادة وكالة "الأونروا" الوحيدة لم تعمل في اليومين الأخيرين بالرغم من حاجة بعض كبار السن والأطفال إلى رعاية صحية مستمرة.

من جهته، يقول الخبير في الأرصاد الجوية أيمن المصري، لـ"العربي الجديد": "فصل الشتاء لهذا العام يحمل في جعبته ثلاثة منخفضات جوية صعبة للغاية، تحتمل تساقط الثلوج في الضفة الغربية. كما أنّ كمية مياه الأمطار ستكون كبيرة، بالإضافة إلى انخفاض شديد لدرجات الحرارة. وهو ما قد يصعّب ويعقّد حياة الكثيرين ممّن يفتقدون إلى البنى التحتية السليمة".

الأردن
بدورهم، لم يتأثر اللاجئون السوريون في الأردن كثيراً بالعاصفة التي تستمر منذ يومين. لم تسجل حالات وفاة نتيجة للبرد أو الحرائق. وهو ما ترى فيه مفوضية اللاجئين دليلاً على نجاح الخطة التي نفذتها مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ووفرت من خلالها احتياجات اللاجئين لفصل الشتاء، من مدافئ ووقود وأغطية، بالإضافة إلى دعم 30 ألف عائلة تعيش خارج المخيمات نقدياً، بقيمة 340 ديناراً أردنياً (481 دولاراً أميركياً)، صرفت لمرة واحدة لكلّ عائلة لمساعدتهم على شراء احتياجات الشتاء.

اللاجئ السوري المقيم في مخيم الزعتري في محافظة المفرق (شمال شرقي عمّان)، عبد الله الحوراني، يؤكد لـ"العربي الجديد"، توفر جميع احتياجات الشتاء، مشيراً إلى أنّ موسم الشتاء ما زال في بدايته. يقول: "العواصف القوية لم تأت بعد. آمل أن تبقى الاستجابة لاحتياجاتنا ضمن المعدلات الحالية طوال فصل الشتاء".

وفي وقت تستطيع وسائل الإعلام نقل معاناة اللاجئين في المخيمات وخارجها، يعيش أكثر من 12 ألف لاجئ سوري عالقين على الحدود، معاناة حقيقية مع فصل الشتاء الذي يختبرونه للمرة الأولى، بعد أشهر من رفض السلطات الأردنية السماح لهم بالدخول إلى أراضيها، لأسباب أمنية.

وعن ذلك، تقول المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الأردن هلا شملاوي، لـ"العربي الجديد"، إنّ اللجنة زودت اللاجئين العالقين على الحدود بالمساعدات التي تمكّنهم من الصمود خلال فصل الشتاء. تضيف: "قدمنا لهم الملابس الشتوية والحطب والبطانيات".

تتابع أنّ معظم الأشخاص الموجودين على الحدود هم من الأطفال والنساء وكبار السن، حيث يعيشون في ملاجئ موقتة بظروف قاسية".

(شارك في التغطية: أمين محمد، عبد الرحمن عرابي، سامي الشامي، يامن سلمان، محمد الفضيلات)

اقرأ أيضاً: "فلاديمير" تضرب المنطقة