هي موضة العصر التي بلغت حدّ الإدمان، لا سيّما بين الشباب في مقتبل العمر والصغار الذين لم يتجاوزوا الخامسة عشرة من عمرهم، بحسب ما تشير دراسات علمية حديثة. وتكمن خطورة النرجيلة أو الشيشة في تزايد الإصابات بشتى أنواع الأمراض الصدرية، وصولاً إلى سرطان الرئة.
"هي تفشّ الخلق". هذا هو تبرير أكثر اللبنانيين، ومنهم أحمد رضا (20 عاماً) الذي يقول: "لا نسمع أخباراً حلوة في هذا البلد. أقلّه، نفّخ عليها تنجلي". يضيف: "ليس لنا إلا الجلوس مع شلّة الشباب وتدخين الشيشة. وهي أيضاً الأرخص ثمناً وكلفة، من أساليب ترفيه أخرى".
وتنتشر النرجيلة في بيوت اللبنانيين ومطاعم البلد، في حين يمكن طلبها عبر خدمة التوصيل إلى المنازل من مقاه خاصة. لكنّ كثيرين يرون فيها "شراً"، مثل سهى حلو وهي أم لولدَين تعبّر عن استيائها من انتشار هذه "الموضة الاجتماعية". وتسأل: "كيف يمكن لربّ عائلة أن يجتمع مع أصحابه في المنزل يومياً حول الشيشة، وهو يسرّب السموم بصورة غير مباشرة إلى أولاده عبر الهواء؟". تضيف: "كم من الأطفال يُصابون بالحساسية و بأمراض صدرية مختلفة نتيجة ذلك؟".
في هذا السياق، يحذّر خبراء دوليّون في الشأن الصحي، من خطر تدخين النرجيلة المنتشرة بكثافة في الدول العربية والتي تعرف رواجاً أيضاً في مناطق مختلفة من العالم، مؤكدين أن خطرها يفوق ذلك العائد إلى السجائر. بحسب "أطلس التبغ" الصادر عن الجمعية الأميركية لأمراض السرطان والمؤسسة العالمية لأمراض الرئة، فإن "نفس" النرجيلة أو الشيشة الواحد يعادل تدخين سيجارة واحدة بأكملها. إلى ذلك، أوضح المسؤول في منظمة الصحة العالمية إدوارد تورسان ديسبانييه إلى أن "جلسة شيشة واحدة توازي تدخين 20 إلى 30 سيجارة، بالتالي قد تنطوي على مخاطر كبيرة".
وتعدّ النرجيلة مصدر قلق كبير بالنسبة إلى حركات التوعية ضد مخاطر التدخين، خصوصاً مع انتشارها المتزايد في أوساط الشباب وفي الجامعات. وتشير الإحصاءات إلى أن عدد مدخني الشيشة ارتفع خلال السنوات الأخيرة في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا. وتؤكد المنظمة أن "شباباً تتراوح أعمارهم ما بين 18 و24 عاماً، مثقفين ومدنيين" يدخنون بشكل متزايد النرجيلة. إلى ذلك، تحذّر المنظمة من الكميات الكبيرة من أول أكسيد الكربون في النرجيلة، لافتة إلى أن آثار الشيشة "تشمل الجهاز التنفسي ونظام القلب والأوعية الدموية والنشاط الفموي والأسنان".
وفي وقت تزداد استثمارات الشركات الدولية للتبغ في النرجيلة، يحذّر خبراء من ضعف التدابير المتخذة لوقف تفشّي هذه الظاهرة، بالمقارنة مع تلك المرتبطة بمكافحة تدخين السجائر.
ويتحدث الاختصاصي في أمراض الرئة والجهاز التنفسي الدكتور جورج خياط لـ "العربي الجديد"، قائلاً إن "النكهات الاصطناعية التي تضاف إلى التبغ، تقدّم للشباب بديلاً ألطف من التبغ التقليدي، وهو ما يزيد من أضرار النرجيلة ويرفع نسب الإصابات في الجهاز التنفسي". ويؤكد أن "مفاعيلها السلبية على الرئتين تكثر في فصل الشتاء، مع تزايد الإنفلونزا".
يضيف خياط أن "تعلّق شباب اليوم بالنرجيلة يرتبط بحوافز اجتماعية، إذ يسهل استخدامها بين الناس، فتحوّلت إلى موضة. لكن المشكلة الأكبر هي في إدمانها من قبل صغار السنّ. ولأنها بنكهات الفواكه، يُقال إنها لا تضّر. لكن نسبة الإدمان عليها ارتفعت من جرّاء النيكوتين الملغوم فيها".
من جهتها، تقول الاختصاصية في أمراض الجهاز التنفسي الدكتورة ميرنا واكد لـ "العربي الجديد"، إن "أضرار النرجيلة على الصحة ليست فقط الربو والسرطان وأمراض القلب، بل هي تؤثّر أيضاً على الإنجاب إذ تزيد من احتمالات الإصابة بالعقم". تضيف أن "المشكلة ليست في الإدمان الجسدي، بل في الإدمان النفسي الذي يطاول شريحة مهمة من شباب اليوم".
في السياق نفسه، يحذّر الاختصاصي في طبّ الطوارئ الدكتور ناجي صعيبي من "خطورة النرجيلة لجهة احتمال نقل الأمراض عبر الفم، في حال عدم تعقيمها". ويضيف لـ "العربي الجديد" أن "الأخطر في ذلك هو أنها تطاول صغاراً في العمر، ما بين 11 و15 عاماً. لا أحد يمنعهم عن إدمانها، طالما أن لا قانون فاعلا لغاية اليوم، حتى لمنع تدخين السجائر".
ورداً على سؤال حول جدية تطبيق قانون التدخين ومصيره، يقول رئيس اللجنة النيابية الصحية الدكتور عاطف مجدلاني لـ "العربي الجديد" إن "لا شيء جديدا بالنسبة إلى قانون التدخين في ظل أولوية حل أزمة النفايات الممتدة في البلاد".
اقرأ أيضاً: "اللص الصامت" ينهش العظام