تعتبر العشوائيات إحدى أبرز المشاكل التي تهدد الوجه الحضاري والجمالي للعاصمة العراقية بغداد، وتفاقمت هذه المشكلة بعد 2003 بشكل كبير، لغياب الرقابة على مشاريع البناء وطريقة تقطيع المنازل في الأحياء السكنية وانتشار الفقر والبطالة، ما جعل العشوائيات تنتشر بشكل سريع حتى في أرقى أحياء العاصمة، الأمر الذي عدّه مختصون خطراً يهدد بتشويه الوجه الحضاري لبغداد.
وقال المهندس المعماري فاضل لفتة، لـ"العربي الجديد": "إنَّ مشكلة العشوائيات تكمن في زحفها على الأحياء الراقية والعريقة في بغداد، وسط انعدام الرقابة على مشاريع البناء والظروف المعيشية القاسية التي تمر بها البلاد، فأخذ يلجأ الكثيرون إلى تقطيع المنزل إلى عدة شقق صغيرة بمساحة 50 متراً مثلاً للشقة الواحدة وتأجيرها للحصول على مردود مادي جيد".
وتابع لفتة "لكن الوجه المعماري لبغداد يتشوّه بشكل لافت وتدريجي، وبدأت هذه المشكلة تنتشر بعد 2003 بشكل واسع في أحياء بغداد الشرقية والجنوبية، ثم بدأت تصل إلى وسط العاصمة دون اتخاذ أي إجراءات لازمة من قبل الحكومات المتعاقبة في البلاد".
وكشف مهندسون عن وجود عدد كبير من الأحياء في عموم بغداد أنشئت دون أي موافقات قانونية.
وقال المهندس المدني بشار سالم إنَّ "أكثر من 45 حياً سكنياً بنيت بطريقة عشوائية في مختلف أحياء بغداد بعد 2003، دون أخذ أي موافقات رسمية من أمانة بغداد والتي يقضي قانونها بمنع تشييد العشوائيات على أرض واقعة ضمن التصميم الأساسي للعاصمة بغداد".
وينتقد مصممون قيام العديد من مالكي العقارات والأراضي السكنية بالعديد من الممارسات التي تزيد من تشوّه العاصمة.
وقال مهندس التصميم فاروق العبيدي إنَّ "ظاهرة العشوائيات انتشرت بعد 2003 نتيجة الفقر والبطالة، لكنها تزحف يومياً باتجاه قلب العاصمة بغداد وأحيائها الراقية التي تمثل الوجه الحضاري للعاصمة عبر قرون من الزمن. وهناك سبب آخر لانتشار العشوائيات وهو جشع بعض أصحاب العقارات، حيث يقومون بتحويل المنازل التي يملكونها أو قطع الأراضي إلى شقق صغيرة جداً بمساحة 50 متراً مربعاً وتأجيرها للحصول على مردودات مادية، بغض النظر عن تشويه منظر الحي السكني".
ولفت العبيدي إلى أنَّ "القانون الخاص بأمانة بغداد لا يسمح ببناء العشوائيات على أرض واقعة ضمن التصميم الأساسي للعاصمة، لكننا نشهد بناء العشوائيات بسبب ضعف الرقابة وانتشار الفقر".
واعتبر العبيدي أنَّ العشوائيات أخطر ما يهدد الوجود الحضاري للعاصمة بغداد وتصميمها الأساسي عبر قرون من الزمن.
اقرأ أيضاً: "حواسم" العراق.. ملجأ فقراء لا مأوى لهم
خارطة طريق
وكانت وزارة التخطيط العراقية أعلنت عن خطة جديدة وواسعة لمعالجة ظاهرة العشوائيات في العاصمة بغداد.
وذكر بيان سابق للوزارة أنَّ "خارطة طريق تم وضعها من قبل لجان مختصة ضمن الوزارة، لمعالجة ظاهرة العشوائيات في العاصمة بغداد. وتتضمن الخارطة برنامجاً تعليمياً لكوادر وزارات الإسكان والإعمار والبلديات وأمانة بغداد والأشغال والتخطيط بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (الهيبايت) وتصوير العشوائيات فضائياً لحصرها".
ولفت البيان إلى أنَّه "من ضمن استراتيجية خارطة الطريق الجديدة، تخفيف الفقر الذي يعتبر المسبب الأساسي لانتشار العشوائيات، وأنَّ اللجنة العليا تدرس هذا الأمر، فضلاً عن التعاقد مع شركات صينية مختصة في مجالات الطباعة الإنشائية لبناء وحدات سكنية بكلف منخفضة ومناسبة".
وكان مسح ميداني للعشوائيات، أجرته وزارتا التخطيط والبلديات عام 2013، كشف أنَّ أكثر من مليوني مواطن يسكنون العشوائيات التي فاقت أعداد مساكنها 345 ألفاً، حصة العاصمة بغداد منها 33 في المائة، بحسب الإحصائيات.
واتهم مهندسون الحكومات العراقية المتعاقبة بعد 2003 بالفساد وعدم الاهتمام بظاهرة العشوائيات، وأنَّ معالجتها تكمن في محاربة الفقر وبناء مجمعات سكنية مناسبة وحضارية لقاطني العشوائيات للتخلّص من هذه الظاهرة، مبيّنين أنه إذا لم يتم توفير مجمعات سكنية لسكان العشوائيات، فمن المستحيل القضاء على هذه الظاهرة في الوقت الحاضر.
اقرأ أيضاً: نازحو العراق يتقاسمون العشوائيّات في العاصمة