رمضان فرنسا على إيقاع الحياة الغربية

29 يونيو 2015
يصلي في مسجد باريس الكبير (Getty)
+ الخط -

لدى شهر رمضان أهميّة خاصة بالنسبة لملايين المسلمين في فرنسا الذين يحرصون على أداء طقوسه، على الرغم من أنها تتعارض بشكل كبير مع إيقاع الحياة في البلاد. ويحاولُ بعض المسلمين التوفيق بين الصيام عن الأكل والشرب، وبين احترام نظام العمل في البلاد، في ظل ازدياد مشاعر العداء للإسلام بعد اعتداءات باريس الأخيرة.
يعملُ حميد، وهو تونسي، في محل للجزارة في الدائرة 19 في باريس. في هذه المنطقة، يعيشُ عدد كبير من الجاليات العربية والمسلمة. فيها أيضاً سوق كبير في حي باريس الشهير، وعادة ما يقصده المسلمون من مختلف أحياء وأطراف العاصمة للتبضّع وشراء لوازم رمضان من طعام وشراب، وغيرها من المواد الغذائية. يقول لـ "العربي الجديد"، وهو يرتّب علب التمور الجزائرية والتونسية والمغربية على الرف: "أقضي رمضان في فرنسا كما كنت أقضيه في تونس. لا فرق. كلّنا عرب ومسلمون في هذا الحي. في رمضان، نُغيّر توقيت العمل ليلائم زبائننا. نفتحُ محلاتنا حوالي الساعة الحادية عشرة صباحاً، ونغلق قبل موعد الإفطار بنحو نصف ساعة".

وعن التغيرات التي تطرأ في رمضان بالمقارنة مع الأشهر الأخرى، يقول: "نُضاعف عملنا لأن الزبائن يقبلون بكثرة على شراء كميات كبيرة من اللحوم والدواجن والمواد الغذائية الأخرى". يضيف: "أُفضل العمل في رمضان لقتل الوقت". ماذا عن طقوس الليل؟ يوضح أنه "بعد الإفطار مباشرة، أتوجّه إلى أحد المقاهي في الحي، لتدخين النرجيلة ومشاهدة البرامج المتنوعة التي تعرض في القنوات التلفزيونية العربية حتى الواحدة صباحاً. ألم أقل إنه لا فرق بين رمضان هنا ورمضان في تونس؟". يختم حديثه ضاحكاً.

في المقابل، يعملُ عبد العالي، وهو مصري، في مؤسسة صحافية فرنسية في باريس. يقول إنه يعاني كثيراً في شهر رمضان بسبب عدم تغيّر ساعات العمل، لتتلاءم مع متطلبات الشهر. يوضح لـ "العربي الجديد" أن الدوام يبدأ من الساعة الثامنة صباحاً وحتى السابعة مساءً، مشيراً إلى أنه لا يجد مشكلة كبيرة في الصيام، لكنه يعاني من التعب بسبب قلة النوم. بعد الإفطار، يحرص على الذهاب إلى المسجد لأداء صلاة التراويح، ويعود إلى البيت بعد منتصف الليل. طيلة شهر رمضان، لا ينام قبل الساعة الثانية صباحاً، ويستيقظ في اليوم التالي عند الساعة السادسة والنصف صباحاً.

اقرأ أيضاً: لقاء لوبين وشيخ الأزهر يثير غضب مسلمي فرنسا

وعلى الرغم من التعب، يقول عبد العالي إن هناك إيجابيات كثيرة في رمضان، تتجلى في أيام العطل، ليمارس عادات دأب عليها في صغره. يقول: "عندما كنت تلميذاً في الإسكندرية، كنت أقضي معظم وقتي في المطالعة، علماً أنني لا أستطيع تخصيص وقت كاف لقراءتها في الأشهر العادية". يضيف أنه يشعر بسعادة كبيرة مع حلول العيد، حين ينتبه إلى أنه أنهى قراءة عشرة كتب على سبيل المثال خلال رمضان، ما يجعله فخوراً بمكتبته الصغيرة.

إجازة سنويّة

الصعوبات التي تواجه عبد العالي للتوفيق بين طقوس رمضان والوظيفة، تكاد تنعدم لدى حنان، وهي جزائرية تعمل سكرتيرة في شركة للسيارات في الدائرة 15 في باريس. عادة ما تستقبل شهر رمضان الكريم بكثير من الحماس وتحرص على الاستعداد له كل عام. تقول لـ "العربي الجديد": "على الرغم من أنني وُلدت هنا، إلا أن أهلي حرصوا على تربيتي تربية إسلامية صارمة. لم يحدث أبداً أن تخلفت عن صيام رمضان إلا نادراً". هذا العام، قرّرت حنان أخذ إجازتها السنوية في شهر رمضان. تضيف: "سأعيش الشهر وفقاً لإيقاعي الخاص، وأساعد أمي في التسوق وإعداد الطعام نهاراً. وبعد الإفطار، سأشارك شقيقاتي الصغيرات في مشاهدة المسلسلات التي تبثّها القنوات العربية، وأنام من دون أن أضطر إلى الاستيقاظ باكراَ، كما هو الحال في الأيام العادية".

أما بالنسبة لرشيد، وهو مهاجر مغربي يعيش في فرنسا منذ 15 عاماً، ويديرُ محلا لبيع شطائر الكباب في باريس منذ نحو ست سنوات، فيقول إنه لم يتغير شيء في ما يتعلق بمواعيد العمل وطبيعته؛ لأن 90 في المائة من زبائنه لا يصومون في رمضان. يتابع لـ "العربي الجديد": "علي أن أبدأ العمل في العاشرة صباحاً، وأغلق المحل عند منتصف الليل". لا يزعجه العمل في محل يقدم المأكولات، على الرغم من امتناعه عن الأكل والشرب طوال النهار. يوضح أنه "اعتاد العمل منذ ست سنوات، وإعداده الشطائر لا يؤثر مطلقاً على صيامه". يزعجه فقط أنه يتواجد باستمرار قرب الشواية لطهي شرائح اللحم، ما يجعله في حالة عطش دائمة. يشير إلى أنه لا يُغيّر كثيراً من عاداته خلال شهر رمضان، ويحاول أن يتكيف مع إيقاع الحياة في باريس. عادة ما ينام أقل من العادة لأنه يسهر قليلاً في الليل.

تعوّد

وعلى الرغم من تعود الفرنسيين نسبياً على شهر رمضان، إلا أن النظرة إلى الصائمين تختلف من شخص إلى آخر. ويرتبط الأمر بمدى معرفتهم بأصدقاء أو زملاء أو أقارب مسلمين. لدى كريستيل، وهي معلمة في إحدى المدارس الثانوية في باريس، بعض التحفظات في ما يتعلق بصيام عدد من التلاميذ. تقول لـ "العربي الجديد": "أحترم الديانة الإسلامية وتقاليدها، وأتفهم صعوبة الصوم في ظل العيش في بلد غربي مثل فرنسا. لكنني لا أتفق مع الآباء والأمهات الذين يجبرون أبناءهم على الصيام، علماً أنهم لم يصلوا إلى سن البلوغ بعد". ترى أن "بنية الأطفال الجسدية والذهنية لا تتحمل الإرهاق الناتج عن الصيام"، لافتة إلى أن "بعض التلاميذ المسلمين يعانون بسبب الصيام، ويفقدون القدرة على التركيز. ينام البعض من شدة الإنهاك، الأمر الذي يؤثر على أدائهم في المدرسة".

وفي محاولة لاستبيان مواقف الفرنسيين من رمضان، تقول ماري لور، وهي فرنسية متزوجة من باحث سوري يقيم في باريس منذ عقود، لـ "العربي الجديد"، إنها حين تعرفت إلى زوجها خلال دراستهما في الجامعة في نهاية سبعينيات القرن الماضي، لم يكن يمارس أي طقوس دينية في هذا الشهر. تغير الأمر في وقت لاحق. تضيف أنه "منذ نحو عشر سنوات، صار يواظب على صيام رمضان. في البداية، تضايقت من طقوس هذا الشهر، وخصوصاً "التوقف عن الأكل والشرب، بالإضافة إلى الامتناع عن لمسي طوال النهار". من جهة أخرى، تشير إلى أن هذا الشهر يجعل زوجها أشبه بناسك في غاية اللطف. تضيف أنها صارت تصوم معه رمضان لأنه يناسب الحمية التي تتبعها، لافتة إلى أنها من أنصار هذا الشهر. بدا أنها المرة الأولى التي تتحدث فيها ماري لور عن هذا التفصيل في حياتها، وخصوصاً أن كثيرين لن يتقبلوه. مع ذلك، تبدو سعيدة بهذه الطقوس.
أما جاك الذي يعمل نادلاً، فيقول باسماً إنه "يحبّ شهر رمضان لأنه يقلل عدد الزبائن الذين يجلسون ساعات طويلة في المقهى، ويتناقشون بصوت عال".

من الناحية الاقتصادية، يمثل رمضان شهراَ استثنائياً لناحية ارتفاع وتيرة الاستهلاك الغذائي لدى الجاليات العربية والمسلمة. وبحسب تقديرات المراقبين، يزداد الاستهلاك في هذا الشهر بنسبة 30 في المائة بالمقارنة مع بقية أشهر السنة. وتجدر الإشارة إلى أن عادة ما تنتفع المحال الإسلامية بصورة كبيرة خلال هذا الشهر، علماً أن المتاجر الفرنسية الكبرى دأبت منذ نحو عشر سنوات على التكيف مع أجواء رمضان، وتحقيق أرباح إضافية وجذب المزيد من المستهلكين المسلمين من خلال إقامة أجنحة خاصة تعرض المواد الغذائية "الحلال"، وخصوصاً اللحوم والدواجن والحلويات والألبان والأجبان وغيرها. وبحسب دراسة نشرها مكتب "سوليس" المتخصص في مجال التسويق عام 2011، تنفق بيوت المسلمين نحو 400 مليون دولار في شهر رمضان. هذا الرقم تعرفه المتاجر الفرنسية الكبرى جيداً، ما يجعلها تسعى بشكل كبير إلى إرضائهم من خلال سياسات تسويقية خاصة بالمستهلكين المسلمين، لحثهم على الإنفاق في محالها.

ربّما عرَفَ عدد كبير من الفرنسيين بعض الطقوس الرمضانية. وإن كان لا يتقبلها الجميع، إلا أن معظم المسلمين يحرصون على ألا يؤثر صيامهم على سير العمل، وخصوصاً أن ساعات العمل في هذا الشهر تبقى على حالها ولا تتغير. بالتالي، يجدون أنفسهم مجبرين على التكيف معها.

اقرأ أيضاً: "الإسلام" مجهول لدى أكثر الفرنسيين