تونس تسعى لعلاج المدمنين بدل معاقبتهم

21 مايو 2015
المواد المخدرة باتت متوفرة بكميات أكبر (Getty)
+ الخط -

تفتتح تونس عهداً جديداً في التعامل مع متعاطي المخدرات والمروجين لها على حدّ سواء. فقد أعلن وزير العدل، محمد صالح بن عيسى، عن مشروع قانون للمخدرات سيعرض على البرلمان قريباً. ويتضمن المشروع الإفراج عن متعاطي المخدرات المبتدئين بشرط قبول العلاج. كما يتضمن استبدال عقوبة السجن بعقوبة العمل لفائدة المصلحة العامة. وفي المقابل، سيتضمن القانون زيادة في الحد الأدنى والحد الأقصى لعقوبات المروّجين أو من يكوّنون عصابات أو شبكات في هذا المجال. كما يلحظ المشروع تأسيس هيئة وطنية ولجان جهوية مختصة بالتعامل مع متعاطي المخدرات.

في هذا الإطار، يقول رئيس الجمعية التونسية للوقاية من تعاطي المخدرات، ومدير المركز المختص بمعالجة المدمنين التابع لها، عبد المجيد الزحاف، لـ"العربي الجديد": "من الضروري استبدال العقوبات السجنية بعقوبات بديلة. حبس المدمن لا يمثل حلاً. وتقديم العلاج له هو المطلوب". ويشير إلى أنّ القانون ورغم صرامته "لم يمنع تعاطي المخدرات.. كما أنّ العقوبة الحالية على شخص قد يكون يتعاطى لأول مرة، تتسبب له بفقدانه عمله أو دراسته بسبب سجنه. وكذلك، قد يتحوّل داخل السجن إلى مجرم، بعد اختلاطه بسجناء آخرين".

وتشير الأرقام إلى أنه من بين 25 ألف موقوف في السجون التونسية، هناك ما لا يقل عن 8 آلاف موقوف في قضايا تتعلق بتعاطي وترويج المخدرات. كما أنّه من بين كلّ 10 موقوفين في قضايا المخدرات، هناك 9 موقوفين في قضايا تعاطٍ، معظمها يتعلق بتدخين الحشيش.
وعن مركز العلاج التابع للجمعية التونسية للوقاية من تعاطي المخدرات في صفاقس، يشير الزحاف إلى أنّه تأسس عام 2007 بطاقة استيعاب تصل إلى 30 سريراً، تطورت لاحقاً إلى 70 سريراً. ويؤكد أنّ الإمكانيات المادية وغياب الدعم من الدولة يحولان دون تطوير أكبر للمركز.

يعالج المركز اليوم، 45 مدمناً، من ضمنهم 10 فتيات ونساء تترواح أعمارهن ما بين 16 عاماً و35. ويكشف الزحاف أنّ في المركز، اليوم، مدمنين أطفالاً، أيضاً، تتراوح أعمارهم ما بين 10 و13 عاماً. كما استقبل، سابقاً، أطفالاً في عمر 8 أعوام و9. ويوضح أنّ المواد التي يتعاطاها الأطفال عادة، متوفرة في معظم البيوت والمتاجر وثمنها زهيد لا يتعدى دولاراً أميركياً. ومن ذلك المواد اللاصقة المعروفة باسم "كول فور"، ودهانات الأحذية، وهي مواد تسبب الإدمان.

ويقدم الزحاف مثالاً عن طفلين في عمر 13 عاماً و15، أصيبا بشلل تام في الساقين بسبب الإفراط في استنشاق المواد اللاصقة المخدرة. ويلفت إلى ارتفاع عدد الفتيات والنساء المدمنات، خصوصاً عن طريق الحقن المخدرة. ويتحدث عن فتاة تبلغ من العمر 16 عاماً استقبلها المركز، بعد أن تأذى كامل جسدها من الحقن. ولم تعد لديها أيّ عروق سليمة. حتى أنّها لجأت إلى حقن رقبتها بالمادة المخدرة، على الرغم مما في ذلك من خطورة.
كما يتحدث عن حالة إدمان نسائي جماعية لأم أربعينية وبناتها الأربع. وقد أقمن، جميعاً، في المركز فترة طويلة من أجل العلاج.

ينبّه الزحاف إلى أنّ "الإدمان على المخدرات ظاهرة موجودة منذ زمن بعيد في تونس، لكنّها ازدادت أخيراً". ويعزو ذلك خصوصاً إلى الأوضاع الأمنية غير المستقرة التي تساعد التجار والمهربين في عملهم. ويشير إلى أنّ "المواد المخدرة باتت متوفرة بكميات أكبر، وتباع أمام الكليات والمعاهد وعند أكشاك السجائر، وحتى عند بعض باعة الخضار، في كثير من المناطق. فكلما كان العرض متوفراً والطلب موجوداً فإنّ هذا الأمر ينعكس على الأسعار التي تشهد بدورها انخفاضاً كبيراً"، بحسب ما يقول.

من جهته، يقول المختص في علم النفس، عماد الرقيق، إنّ "الإدمان على المخدرات له تأثيرات كارثية، فهو يضعف التركيز ويشتت الانتباه، كما من شأنه أن يؤدي إلى ضعف العقل". ويعتبر الرقيق أنّ "الأمر قد يصل إلى حد الهذيان وانفصام الشخصية، ويؤدي إلى أمراض عصبية. كما أنّ مزج المواد الكحولية والمخدرة يؤدي إلى مضاعفات قد تصل إلى حدّ الوفاة".
من ناحية أخرى، يوضح الرقيق أنّ "التداعيات الاجتماعية لهذه الظاهرة خطيرة جداً. فهناك مشاكل عائلية تحدث في حياة المدمن، لأنّه شخص يفتعل العراك والخصومات مع أقرب الناس إليه عادة، ويمكن أن يتورّط في السرقة من أجل الحصول على المخدر". كما لا يخفي الرقيق حقيقة أنّ المدمن قد يتحول إلى تاجر أحياناً. لكنّه يدعو إلى حسن التعامل مع المدمن وتوعيته بالأخطاء التي يقترفها، والعمل على إنقاذه من الحالة التي يعيشها.

اقرأ أيضاً: المدمن الألماني يختلف عن العربي
دلالات