مصريات مهمّشات يلجأن للخضار

09 ابريل 2015
تعرض خضارها التي سبق أن جهّزتها للبيع (العربي الجديد)
+ الخط -

لا يوفّر المصريون وسيلة للالتفاف على سوء أوضاعهم الاقتصادية، فتحاول فئات فقيرة تعيش على هامش المجتمع المصري رفد أسرها من خلال تدبير موارد جديدة للدخل، تساعدها على مواصلة العيش.
من بين ذلك نساء معوزات يبحثن عن الرزق الحلال، يعرضن الخضار للبيع، لا سيّما عند نواصي بعض شوارع المناطق الراقية. تعمل الواحدة منهن بهمّة ونشاط لتحضير خضارها قبل بيعها، وذلك من خلال تقوير (حفر) الكوسا والباذنجان وتوريق الملوخية وتقميع البامية وفرط البازلاء وتقطيع القلقاس. بالتالي تستطيع الموظفة أو ربة المنزل شراء خضارها جاهزة للطهي.

وتكدّ البائعة البسيطة في عملها هذا، إذ تعتبره مصدراً لتأمين مصاريف الحياة التي تزداد يوماً بعد يوم، في ظل الغلاء المتصاعد الذي يطاول معظم السلع الأساسيّة. لذا، نراهنّ ينجزن مهماتهنّ كما لو كنّ في مسابقة لاختيار الأسرع. لكن تجهيز الخضار لا يقتصر على البائعات في الشارع، إنما يمتدّ ليشمل بعض ربات البيوت اللواتي يبحثن عن مصادر أخرى للدخل. ويتولى تاجر الخضار الأمر، ويتفق معهن على إنجاز هذه المهمة، فيزوّدهن بالخضار قبل أن يعود ليستلمها جاهزة ويبيعها لأهالي المناطق الأكثر رقياً.

وللتعرّف أكثر على هذه الحرفة التي تنتشر أكثر فأكثر في مختلف المناطق المصريّة، جالت "العربي الجديد" في أحد أسواق منطقة شعبية في محافظة الجيزة. هناك، كانت أم أشرف تجلس إلى جانب زوجها بائع الخضار، وتعمل بنشاط على تجهيز الخضار في "محاولة لمساعدة زوجي في تحمّل أعباء المعيشة". تضيف: "المصاريف تزداد يوماً بعد يوم، ولا بدّ من أن أقدّم الدعم له. وفي الوقت نفسه، أساعد المرأة العاملة. فأنا أجهّز لها الخضار، الأمر الذي يسمح لها بتوفير كثير من الوقت في تحضير الطعام".

وتوضح أم أشرف أنها تقوم بـ "تقوير ما بين 10 و 15 كيلوغراماً في اليوم. وأتقاضى جنيهاً مصرياً واحداً (0.13 دولار أميركي) في مقابل كيلوغرام واحد من الباذنجان أو الكوسا. كذلك أحضّر جميع أنواع الخضار، لكن الأساس يبقى التقوير. فمعظم النساء يتردّدن في طهي المحاشي، إذ يجدن صعوبة في عمليّة التقوير".

أما صباح، فتعرض جميع أنواع الخضار للبيع، في حين تنهمك في تجهيز أخرى. تخبر أنها "مسؤولة عن أربعة أطفال، بعدما توفي زوجي وتركهم في رعايتي". صباح تأتي في كل يوم من بلدتها أوسيم في الجيزة على بعد نحو 20 كيلومتراً، حاملة خضارها الثقيلة. وفي السوق، تمكث فقط ثماني ساعات يومياً. فهي مضطرة إلى العودة إلى المنزل للاطمئنان على أولادها. وتشير إلى أنها لا تستطيع التغيّب ولا حتى ليوم واحد لترتاح، "إذا فعلت لن أتمكن من تدبير مصاريف الأولاد ومعيشتنا". تضيف: "أنا راضية بما قسمه الله لي، وواثقة بأن أولادي سيعوّضون عليّ هذا التعب، عندما يكبرون".

من جهتها، تعدّ أم جمعة الشهيرة بـ "خَضرة" أقدم بائعة في هذا السوق. تروي أن "حرفة تجهيز الخضار بدأت بشكل فردي منذ نحو عشر سنوات، قبل أن تتحوّل إلى حرفة أساسية لا تستغني عنها النساء". تضيف: "وجدت هذا العمل مفيداً وشريفاً بالنسبة إلي وبالنسبة إلى الزبائن أيضاً. ونحن في أحيان كثيرة نساعد الرجال غير المتأهلين في تجهيز الخضار لهم وتحفيزهم على الطهي بدلاً من تناول الأطعمة الجاهزة والوجبات السريعة".
إلى هؤلاء البائعات في السوق، ثمّة نساء أخريات يعملن من بيوتهن ولا ينزلن إلى السوق. وهؤلاء هنّ زوجات بوابين في بعض المناطق الراقية. فيتّفقن مع أصحاب محلات الخضار الذين يرسلون إليهن الخضار لتجهيزها لهم.

أم كريم، واحدة من هؤلاء النساء اللواتي يعملن من منازلهن. هي حانقة على "الحكومة التي تتسبّب في معاناتنا. فأنا وأسرتي لا نتمتّع بأي حقوق، لا علاج ولا تأمين ولا أبسط الحقوق الإنسانية". تضيف: "اضطررت إلى العمل في تجهيز الخضار بالإضافة إلى تأمين طلبات سكان الشقق في المبنى الذي أسكنه. بذلك نستطيع أن ندبّر مصاريفنا اليومية ونواجه أي طارئ قد نتعرّض له".

وتوضح أنها تقوم بتجهيز "ما بين خمسة وعشرة كيلوغرامات فقط في اليوم الواحد. فالعمل أصبح موزعاً على معظم زوجات البوابين في المنطقة، وأنا أيضاً أتقاضى جنيهين (0.26 دولار) عن كل كيلوغرام. لكني لا أعلم ما هو الثمن الذي يتقاضاه صاحب المحلّ من الزبون". وتفخر أم كريم بمساندة زوجها والوقوف إلى جانبه في هذه الأحوال الصعبة، لكنها كانت تأمل أن "تنظر الحكومة إلينا وإلى أمثالنا نظرة رحمة. فنحن مدفونون".
دلالات
المساهمون