مهن "مشبوهة" في المغرب

17 نوفمبر 2015
"الفيدور" لا يلقى احترام مجتمعه (Getty)
+ الخط -

"كلما دخلتُ إلى الحيّ الذي أسكن فيه تتابعني عيون الجيران وترمقني بنظرات الازدراء والتشكيك، فقط لأنّ مهنتي مضيفة طيران، وعملي يتطلب تأخري للرجوع إلى البيت حتى ساعات متأخرة أحيانا". بهذه الكلمات توجز الشابة المغربية سارة (24 عاماً) نظرة محيطها الاجتماعي إلى مهنتها.

ليست مهنة مضيفة الطيران وحدها التي تثير "الشبهات" لدى كثير من الناس داخل المجتمع المغربي. فهناك أيضاً مهن نسائية أخرى، من قبيل الكوافيرة (حلاقة نسائية)، والعاملة في مراكز التدليك. كذلك، هناك مهن للرجال ومنها الفيدور (حارس ناد ليلي).

بينما ينظر البعض إلى هذه المهن بعين الريبة والشكوك، ويربطها بما يؤثر فيها من سلوكيات يقولون إنها سلبية، قد تؤدي بمزاوليها إلى مخاطر الانزلاق إلى انحرافات أخلاقية، فإنّ ممارسي هذه المهن ينفون عنهم تلك الاتهامات، ويؤكدون أنّ كل حرفة ومهنة فيها الصالح والطالح، والعبرة بالأشخاص لا بالمهن.

تقول سارة ج. لـ"العربي الجديد" إنّ مهنة مضيفة الطيران بالرغم من أنها مهنة جذابة ومغرية بالنسبة لكثير من الشابات الطموحات، لكنّها محفوفة بقدر كبير من سوء الظن والشكوك التي تساور الناس بشأن من يعملن فيها. وتتابع أنها تشعر بتلك الشكوك نحو مهنتها عند بعض جيرانها، خصوصاً سكان حيها الشعبي بضواحي العاصمة الرباط، الذين يربطون المهنة بالغواية. ويتجنب بعض الجيران تحيتها والوقوف معها، بينما يغمز آخرون ببعض التلميحات. أما النساء الكبيرات في السن فيدعين لها بالهداية والتوبة.

تستغرب سارة هذه النظرة وتصفها بالدونية. فهي تمارس مهنتها بشغف عن اقتناع. وتؤكد خطأ من يعتقد أنّ مضيفات الطيران منحرفات بالضرورة. أو أنها "مهنة محاطة بالمغريات وقلة الأدب" وغير ذلك من اتهامات أخلاقية عادة ما تُطلق على المضيفات.

مهنة أخرى تنال حظها من سهام الشكوك والريبة هي مهنة الكوافيرة (مصففة الشعر). تقول إحدى العاملات فيها مريم فرج لـ"العربي الجديد" إنّ "هذه المهنة تتعرض لسوء الفهم من طرف العديد من المغاربة، فهم يرون أنها مصدر للانحراف الأخلاقي، وبأنّ صالونات الحلاقة تعدّ بوابة الانحراف لدى الفتيات".

تضيف أنّ الكثير من الاتهامات تتعلق بالسلوك الأخلاقي، أو التغرير بالقاصرات، أو التوسط في علاقات غير مشروعة. لكنّها تؤكد عدم وجود أدلة على تورط صالونات الحلاقة والعاملات فيها في مثل هذه "الإشاعات".

توضح أنّ بإمكان الكوافيرة تثبيت هذه الاتهامات أو نفيها عن المهنة من خلال طبيعة علاقتها مع الزبونات، فضلاً عن سلوكها الشخصي في محيطها، والتزامها بعملها، والابتعاد عن الشبهات والشكوك المثارة من طرف الناس.

تعيش العاملات في مراكز التدليك المنتشرة في المدن الكبرى، مثل الرباط والدار البيضاء ومراكش وطنجة، نفس الاتهامات لكن بحدة أكبر وأشد. فالمدلكة غالباً ما تُتهم بأسوأ النعوت، ما يضطر بعضهم إلى إخفاء حقيقة مهنتهن.

وعن ذلك، تقول صباح ر. (26 عاماً) التي تحمل شهادة الثانوية العامة، لكنّها لم تجد عملاً، إنّها اضطرت للعمل كمدلكة للمساهمة في إعالة أسرتها الفقيرة.

تلقت صباح قبل مباشرة عملها تدريباً في التدليك الرياضي. لكنّها اليوم، تقرّ لـ"العربي الجديد" أنّ مهنة المدلكة هي بالفعل من أكثر المهن التي يتهمها الناس بالانحراف الأخلاقي. وتعزو هذا إلى "تحول عدد من مراكز التدليك إلى شبه أوكار للدعارة الراقية.. فانتشار ممارسات لا أخلاقية في تلك المراكز هو السبب في تعميم الناس حكمهم على كلّ عاملات التدليك". ومع ذلك، فهي تؤكد أنّها وكثيرات من المدلكات غيرها يعملن بشرف، لأنّ همهن الأول هو الحصول على لقمة عيش كريمة وحلال.

مهنة أخرى تثير الريبة والشكوك، لكنها تتعلق بالرجال هذه المرة. هي مهنة "فيدور"، أو حارس الملاهي والنوادي الليلية. هي مهنة محاطة بالمخاطر التي قد تأتي من الزبائن السكارى، كما قد تأتي من المتطفلين الذين يحاولون الدخول عنوة إلى النوادي. كذلك، قد يتحرش الفيدور جنسياً بالفتيات، كما قد يعتدي جسدياً على الزبائن الذين يرفضون سداد ما يتوجب عليهم أو يشتبك معهم ما يعرّضه بدوره للخطر.

ويصف حارس ملهى سابق في أحد فنادق مدينة الدار البيضاء (رفض الكشف عن اسمه) لـ"العربي الجديد" مهنة الفيدور بأنّها "مهنة كل المخاطر المتوقعة وغير المتوقعة. كما أنها مهنة لا يُحترم صاحبها، وكثيراً ما ينال نصيبه من الشتم، وقلة الاحترام من طرف المجتمع، باعتباره يحرس الملاهي والسكارى".

اقرأ أيضاً: أسواق أسبوعيّة بإدارة مغربيات
دلالات