لم تدّخر داليا جهداً في رحلة البحث عن فستان زفافها. فمنذ ثلاثة أشهر تلفّ المتاجر والأسواق برفقة خطيبها فادي، بحثًا عن فستانها الأبيض المخصص لليوم المشهود. لكن من الصعب على العروس أن تجد فستاناً مناسباً في السعر والجودة. والسعر بالتحديد يحتّم على داليا وغيرها استئجار الفستان بسعر يراوح ما بين 1000 شيكل (252 دولاراً أميركياً) و5 آلاف، بدلاً من شرائه.
تقول داليا إنّ صعوبة الوضع الاقتصادي الذي يعيشه الغزيون، تصعّب مهمة البحث عن فستان زفاف مناسب. وتميل معظم الفتيات إلى استئجار الفساتين المستعملة. وتقول داليا لـ"العربي الجديد": "من الصعب جدًا التفكير بشراء فستان، فالأسعار مرتفعة جداً لا يمكن للفتاة تحمّلها، لكننا نجد صعوبة في إيجاد فستان مؤجر وفق ما نرغب ونحب ويناسب وضعنا المادي".
بدوره، يقول خطيبها فادي إنّ المشكلة لا تقتصر على فستان الزفاف، فهناك الكثير من المستلزمات المادية التي يجب توفيرها من أجل ليلة الزفاف، بدءاً من استئجار صالة الفرح وإعداد ماكياج العروس، ومستلزمات التصوير، مروراً بالكثير من الضروريات التي يجب توفيرها، كسيارة الزفّة وفرقة الفدعوس (فرق متخصصة في الزفة). أما بالنسبة لولائم الغداء للأهل والأصحاب، فيقول فادي لـ"العربي الجديد": "الكثير من العائلات لم تعد تقيم ولائم غداء في الفرح، فليس من السهل في مثل هذه الأيام الصعبة الإيفاء بمستلزمات الغداء، وهو يتطلب مجهوداً مالياً كبيراً، لا تستطيع معظم عائلات غزة تحمّله".
ويشرح فادي أنّ الكثير من الأشياء التي كان يعتقد أنها ليست مهمة وغير مكلفة، تستنزف العريس مالياً من دون أن يشعر بها. ويعلّق: "تجد نفسك مضطراً للاستدانة من بعض المقرّبين كي توفي كلّ هذه الالتزامات.. هذا إن وجدت من هو قادر على مساعدتك".
هذا الحال ليس مقتصراً على فادي، فالكثير من المقبلين على الزواج في هذه الأيام يعانون في سبيل الوصول إلى منزلهم واستقرارهم وحياتهم المشتركة.
في الماضي لم يكن العريس يتكلف وحده عناء زفافه، فقد كان العرس بمثابة فرح جماعي لكلّ سكان الحي، والكل يمد يد العون كي تبقى الذكرى خالدة.
وتستعيد الحاجة أم ياسر (77 عاماً)، شريط ذكرياتها: "قديماً كانت للعرس بهجة وعبق ممزوجان بعاداتنا وتقاليدنا". فقد كان الأهالي في القرى يعيشون متجاورين ويعرفون بعضهم عن كثب، وحين ترى امرأة إحدى الفتيات وتعجبها كزوجة لابنها، تذهب مجموعة من النسوة لطلبها من أمها. ومن ثم يتم تحديد موعد للرجال، ويطلبونها رسمياً من والدها برفقة العريس.
تصف أم ياسر ذلك اليوم: "تذهب النسوة باكراً قبل الرجال إلى بيت أهل العروس، حاملات معهن الطعام وأواني الطبخ. فيجهّزن الطعام قبل تقديمه لأهل العروسين. فيأكل الجميع في أجواء من البهجة والزغاريد والفرح".
في ذلك الزمن لم تكن فترة الخطوبة تتعدى عشرين يوماً، تجهّز أم العريس خلالها العروس بستة أثواب للعرس، بعضها يُشترى وبعضها الآخر يُخيَّط. وهي فساتين متنوعة في الشكل والألوان، ترتديها العروس يوم عرسها، فتبدأ بلبس الألوان ما بين الأسود والأزرق والأخضر والأحمر والبنفسجي، لتنتهي بارتداء الفستان الأبيض. أما العريس فكان يتم تفصيل القمباز والعباءة له ليرتديهما مع الحطة والعقال الفلسطيني. وتقول أم ياسر: "كانت ملابس العروس توضع في صندوق من الخشب. ويجهّز بيت الزوجية بسرير للنوم وخزانة للملابس. كنا نحتفل قبل العرس بأسبوع كامل، سبع ليالٍ تسمى ليالي الحنّاء، وفيها تطهو النسوة الطعام، ويجتمعن قبالة الرجال يغنين معهم في أجواء سعيدة. وفي آخر ليلة بعد صلاة العشاء تذهب نسوة عائلة العريس ليحتفلن بالعروس قبل ليلة زفافها، وتشارك الجارات في حنّاء العروس، وتنطلق الزغاريد".
وعن ليلة الزفاف، تقول أم ياسر بعد تنهيدة سعادة تؤججها الذكريات: "تُذبح الخرفان أو العجول صباحاً، وتبدأ النسوة بإعداد طعام الغداء المؤلف من المنسف بالفريك. وبعد الانتهاء من الطعام، يُزفّ العريس عند الرجال، على وقع الأغاني الفلسطينية. وتذهب النساء بعد المغرب إلى بيت العروس، لتُزفّ من هناك وصولاً إلى بيت العريس، وسط غناء وزغاريد. ولدى وصول الموكب، تقام حفلة كبيرة في ساحة بيت العريس بغناء ورقص وفرح جميل"، بعيداً عمّا في أفراح اليوم من إنفاق كبير لا يبرّره إلاّ التعلّق بالمظاهر الخارجية.
اقرأ أيضاً: حلم الزواج في غزة يتحقق بـ"التقسيط المُيَسّر"