مصر: حملة توقيعات ضد تعديلات قانون الجامعات

29 سبتمبر 2014
حركة 9 مارس حذرت من تأثيرات سيئة للتعديلات (أرشيف)
+ الخط -

 بدأت الإثنين حملة توقيعات جديدة من أعضاء هيئة تدريس الجامعات المصرية، ضد تعديلات قانون تنظيم الجامعة الأخير، الذي أقره مجلس الوزراء، مساء الأربعاء الماضي. ويعطي القانون رئيس الجامعة حق عزل الأستاذ، دون عرضه على محاكمة تأديبية، وذلك في حال ارتكابه مخالفات أتى ذكر بعضها بعبارات فضفاضة، وغير محددة.

استقلال الجامعات

ووقع على بيان الرفض أعضاء مجموعة العمل من أجل استقلال الجامعات "9 مارس". واستنكروا طرح هذا التعديل "الذي سيودي بهيبة واحترام أساتذة الجامعات". كما "سيقضي على ما تبقى من قدرتهم على العمل المستقل لتطوير التعليم والبحث العلمي، وعلى أيّة محاولة منهم لمقاومة الفساد في الجامعات".

مخالف للدستور

وأكد البيان أن هذا التعديل مخالف للدستور في ما يخص مبادئ العدالة، وخصوصاً المادتين 95 و96 من الدستور. وتنص الأولى على أنه "لا توقّع عقوبة إلا بحكم قضائي". بينما يؤدي التعديل إلى إمكان توقيع عقوبة جسيمة هي العزل من الوظيفة، دون حكم قضائي. كما يخالف المادة 96، التي تنص على أن "المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة، تُكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه".

بينما ينص التعديل المقترح على جواز توقيع عقوبة العزل من الوظيفة، بمجرد توجيه الاتهام دون محاكمة، بل من دون إجراء التحقيق. كما يتعارض مع المادة 22 من الدستور، التي تكفل مسؤولية الدولة عن رعاية الحقوق الأدبية، لأعضاء هيئة التدريس، لانتفاء الأمان الوظيفي لهم.

واعترض الموقعون على أسلوب إعداد وإقرار هذا التعديل، لمخالفته التقاليد الجامعية واستقلال الجامعات. فالدستور ينص في المادة 21 على استقلال الجامعات. وجرت الأعراف الجامعية على عرض مشروعات تعديل قانون الجامعات، على المجالس الجامعية المنوط بها إدارة الجامعات، من مجالس الأقسام والكليات ومجالس الجامعات. لكنّ هذا التعديل – وسبقته تعديلات أخرى – أُعدّ سرًا ولم يعلن للمجتمع الجامعي، إلا بعد عرضه على مجلس الوزراء، مع العلم بأنّ التعديلات السابقة اعترضت عليها بعض مجالس الأقسام ورفضتها. لكنّ رأيها أُهمل ولم يؤخذ به، أو يُردّ عليه.

وأوضح البيان أنّ هذا التعديل يعطي سلطات جديدة لرؤساء الجامعات، على حساب سلطات المجالس الجامعية. وهو ما يمثل تعارضا واضحا مع باقي مواد القانون. ومنها المادة 14، التي تحدد أن الجامعة تدار من خلال المجالس والقيادات. والمادة 23 التي تحدد اختصاصات مجلس الجامعة، ومنها تعيين أعضاء هيئة التدريس ونقلهم. كما يجعل التعديل رئيس الجامعة صاحب سيطرة تامة على قرارات المجالس، من خلال سلطته، في عزل الأساتذة، وعلى رأسهم رؤساء الأقسام ووكلاء الكليات. وهو ما سيمنع أية مشروعات للتطوير في الأقسام والكليات، لا تتفق مع تصورات رئيس الجامعة. كما سيمنع أية محاولة لمقاومة الفساد إن لم يكن رئيس الجامعة موافقاً عليها.

حكم الفرد

وحذر أعضاء "9 مارس" من أن توسيع السلطات الممنوحة لفرد، ستؤدي إلى التعسف وإساءة استخدام السلطة. وضربوا مثلا بالتعديل، الذي تم على القانون في العام الماضي، والذي أتاح لرؤساء الجامعات فصل الطلاب دون انتظار حكم مجلس التأديب الجامعي. فتم فصل طلاب دون التحقيق معهم، بل دون أن يُبلغوا بالمخالفات المنسوبة إليهم.

واعتبروا أن إقرار تعيين رؤساء الجامعات الجدد، من رئيس الجمهورية بشكل سيادي يجعل تقويمهم - في حالة انحرافهم بالسلطة المفتوحة المخولة لهم في عزل أعضاء هيئة التدريس- غير ممكن، إلا في حالات نادرة، مما يجعلهم محصّنين من أية محاسبة أو رقابة عليهم، من داخل الجامعة.

ويرى البيان أن هذا التعديل وما سبقه من تعديلات، يأتي ضمن مناخ عام، تتوجه فيه السلطة التنفيذية إلى التعامل مع الجامعات تعاملا أمنيا صرفا، "بينما الجامعة هي في الحقيقة الذخر الوطني، الذي يجب الحفاظ عليه، وتركه خارج الصراعات الآنية، وإتاحة أفضل الظروف لازدهار الحوار والفكر الحر داخله".

وكانت الحركة قد نظمت الأحد مؤتمرا صحافيا لرفض التعديل. وأعلنت عن توجّهها إلى مجلس الوزراء لإرسال شكواها. وقال عضو الحركة، خالد سمير، إنّ المسؤول عن مكتب شكاوى المواطنين في مجلس الوزراء رفض إعطاءه رقما أو إيصالا باستلام الشكوى.

تهديد للعلم

 

من جهتها انتقدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير، موافقة مجلس الوزراء المصري، على التعديل. وقالت المؤسسة، في بيان لها الاثنين: إن التعديل المقترح يهدف إلى إضافة فقرة جديدة إلى المادة 104 من قانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972 تنص على أنه "لا يجوز لأي عضو من أعضاء هيئة التدريس ارتكاب أي من المخالفات الآتية: الاشتراك في مظاهرات تؤدي إلى عرقلة العملية التعليمية أو تعطيل الدراسة، أو منع أداء الامتحانات أو التأثير عليها أو التحريض أو المساعدة على ذلك، وإدخال أسلحة أو ذخائر أو مفرقعات أو أي أدوات من شأنها أن تستعمل في إثارة الشغب والتخريب، والإضرار العمدي بالمنشآت الجامعية أو المباني التابعة لها أو ممتلكات الجامعة، والتحريض على العنف وممارسة أعمال الشغب في الجامعة.

 

واعتبرت المؤسسة مناقشة هذا المقترح والموافقة عليه داخل مجلس الوزراء اعتداءً جسيما على استقلال الجامعة من قبل السلطة التنفيذية. وقالت إنّ الجامعة مؤسسة تعليمية مستقلة عن الدولة وغيرها من قوى المجتمع تعمل على صنع القرارات المتعلقة بسير العمل الداخلي والشؤون المالية والإدارية بداخلها، وإقرار سياساتها للتعليم والبحث وغيرها من الأنشطة ذات الصلة.

 

وأكدت المؤسسة أن المناقشة الصحيحة لأي من القضايا المتعلقة بالجامعات يجب أن تتم أولا بين أعضاء المجتمع الأكاديمي في مجالس الأقسام والكليات والجامعات، لا من خلال قرارات ومقترحات فوقية من السلطة التنفيذية، تهدر استقلال الجامعة وكفاءتها في الإنتاج المعرفي والأكاديمي.

 

وأدانت المؤسسة مقترح عزل الأساتذة بقرار من رئيس الجامعة، لما له من أثر شديد السوء يتمثل في انتهاك الحرية الأكاديمية لأعضاء هيئة التدريس ومخالفته للمواثيق الدولية ذات الصلة. وأشارت إلى أنّ إعلان "ليما" بشأن الحرية الأكاديمية واستقلال مؤسسات التعليم العالي عام 1988، نصّ على أنه لا يفصل أي عضو من المجتمع الأكاديمي، دون تحقيق عادل، أمام هيئة من المجتمع الأكاديمي المنتخبة ديموقراطيا.

 

وأضافت المؤسسة: كما تنص المادة 8 من إعلان كامبالا بشأن الحرية الفكرية والمسؤولية الاجتماعية عام 1990، على أنه يكون لأعضاء هيئة التدريس والبحث في المجتمع الفكري والأكاديمي ضمان التثبيت في وظائفهم، ولا يطردون من أعمالهم إلا لأسباب سوء السلوك الفادح أو ثبوت عدم الكفاءة أو الإهمال الذي يتعارض مع المهنة الأكاديمية. وتكون إجراءات الفصل التأديبية القائمة على الأسس المذكورة في هذه المادة وفقا للإجراءات الموضوعة، والتي تشترط جلسة استماع عادلة أمام هيئة منتخبة بشكل ديمقراطي للمجتمع الأكاديمي.

 

وأكدت المؤسسة أن المقترح السابق ذكره يتجاوز هذه المعايير الدولية من حيث إهدار حقوق أعضاء هيئة التدريس في نظام تأديبي عادل ومنصف تقوم عليه لجنة أكاديمية متخصصة ويوفر لهم حق الدفاع عن أنفسهم. ويستبدل بهذه المعايير منح رئيس الجامعة سلطة مطلقة في عزل أعضاء هيئة التدريس دون أدنى ضمانات للنظام التأديبي، ما يجعل قرارات رئيس الجامعة سيفا مسلطا على رقاب أعضاء هيئة التدريس، الذين يجب أن يتمتعوا بالأمان الوظيفي، حتى يتمكنوا من أداء دورهم في البحث والتدريس والتفكير والمناقشة بحرية داخل الجامعة. كما أن مضمون المقترح جاء مخالفا لمبدأ تدرج العقوبة واستنفاد الإجراءات القانونية للتأديب، التي ينص عليها قانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972.

 

وحذرت المؤسسة أنه من شأن هذا المقترح أن يحول رؤساء الجامعات إلى أداة لتقييد الحرية الأكاديمية داخل الجامعة بالتضييق على الآراء الأكاديمية، وعلى أعضاء هيئة التدريس. وذلك بهدف إخضاع الأساتذة للالتزام بحدود معينة في التعبير والفكر والبحث.

 

ورأت المؤسسة أن التعديل التشريعي المقترح على المواد المرتبطة بالنظام التأديبي لأعضاء هيئة التدريس غير دستوريٍ من عدة جوانب. فهو يؤدي إلى انتهاك مبدأ سيادة القانون المنصوص عليه في المادة 94 من الدستور. وذلك بوضعه سلطة العزل في يد رئيس الجامعة بعدما كانت مخولة لمجلس التأديب. أيضا فإن التعديل المقترح ينتهك مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات المنصوص عليه بموجب المادة 95 من الدستور والتي مفادها أن الجزاء بأنواعه، سواء كان جنائيا أو تأديبيا يجب لتوقيعه التيقن من حصول الشخص المنسوب إليه الفعل المؤثم قانونا على حقه في محاكمة عادلة ومنصفة، سواء كان ذلك أمام هيئة قضائية أم أمام إحدى هيئات التأديب الإداري.

 

وقالت إن مؤسسة حرية الفكر والتعبير لا تتمكن من فهم هذا المقترح الذي يمنح رؤساء الجامعات سلطة مطلقة في عزل أعضاء هيئة التدريس والتنكيل بهم، إلا في سياق تدخلات السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية الذي يقوم بتعيين رؤساء الجامعات. فهذا المقترح يعكس مزيدا من السلطوية والنفوذ لرئيس الجمهورية داخل الجامعات وعلى أعضاء هيئة التدريس والمجتمع الأكاديمي، ويفتح الباب على مصراعيه، لاعتبار أي أستاذ جامعي مختلف مع توجهات النظام السياسي، أو يعبر عن رأيه ويمارس حقوقه داخل الجامعة، متهما بالتحريض على العنف وتعطيل الدراسة.

 

ودعت حرية الفكر والتعبير مجلس الوزراء المصري إلى التراجع فورا عن هذا المقترح، والتوقف عن التدخل في شؤون الجامعات، وتقييد الحرية الأكاديمية. وحذرت من خطورة حزمة القرارات الأخيرة على كفاءة الجامعة وإنتاجها المعرفي والأكاديمي.