عدن.. تعايُش يصارع من أجل البقاء

22 مايو 2014
كنيسة القديس أنتوني في عدن (Getty)
+ الخط -

حافظت مدينة عدن اليمنية - جنوبي البلاد - على مكانتها التاريخية كموطن للتنوع ضم مكونات اجتماعية ودينية وفكرية متنوعة، وبعد مرور عدة عقود على رحيل الاحتلال الانجليزي منها، إلا أن المدينة، الملقبة بـ" ثغر اليمن الباسم"، تعد المحافظة اليمنية الوحيدة، التي ما زالت تحتفظ بكنائس حتى الوقت الحاضر.

وحسب مؤرخين، ساهم في هذا التنوع عاملان رئيسيان، الأول موقعها الجغرافي المطل على واحد من أهم الممرات المائية الدولية، والآخر متعلق بالأحداث والوقائع التاريخية التي شهدتها في الماضي، وأبرزها الاحتلال البريطاني الذي استمر زهاء 129 سنة (1839-1967).

وتذكر المصادر التاريخية أن الآلاف توافدوا خلال هذه الفترة إلى عدن من دول وقارات عديدة، واستقبلت المدينة هجرات متنوعة، بعضها كان بدعم من السلطات البريطانية الحاكمة، بهدف التأثير على التركيبة السكانية، التي كان العنصر العربي، واليمني خاصة، هو الغالب فيها.

وفي مدينة عدن عدد من الأسر ذات الأصول الهندية، التي تزاوجت مع يمنيين وكونت عائلات كبيرة، وعائلات من طوائف عديدة.

يقول قاسم حُميدي (65 عاما)، وهو موظف حكومي متقاعد: "عدن شكلت حالة فريدة في تعايش أبنائها مع بعضهم بعضاً، رغم تفاوت أجناسهم واختلاف معتقداتهم".

وفي حديثه لمراسل الأناضول، يروي حميدي أنه لم يشهد في حياته في المدينة توترا أمنيا أو سياسيا على أساس ديني أو عرقي، باستثناء مصادمات الثورة ضد الاستعمار البريطاني، والتي كانت موجهة بدرجة رئيسية إلى قوات الجيش ومراكز الاحتلال المهمة.

ويضيف: التنوع والتعايش بين مكونات عدن ظل باقيا على حاله باستثناء رحيل من كانوا ضمن السلطات البريطانية، أو اليهود الذين غادروا اليمن عام 1948م بعد الإعلان عن قيام دولة إسرائيل، أما من بقوا في عدن فقد صاروا جزءا لا يتجزأ منها بغض النظر عن أصولهم

"
عدن.. (ثغر اليمن الباسم) ظلت مبتسمة لكل من عاش فيها
"

وجنسياتهم.

ولا تزال شواهد هذا التنوع قائمة حتى اليوم، ومنها كنائس المسيحيين، وإن كانت غالبيتها لم تعد تؤدي المهام، التي وجدت من أجلها، باستثناء البعض، حسب مؤرخين .

ويقول بلال غلام حسين، الباحث المتخصص في تاريخ عدن، إن عدن من ضمن مدن قليلة على مستوى العالم عرفت التعايش الإنساني بين كل الكيانات الإنسانية وثقافة القبول بالآخر، وساد التسامح الديني بين مواطنيها.

ويرى غلام، في حديث لوكالة الأناضول، أن الفترة التاريخية التي تجلت فيها مظاهر التعايش، هي التي كان يتواجد فيها الإنجليز في عدن، حين كانت عدن مقصدا للناس من مختلف الجنسيات والأديان واللغات، والدليل على ذلك بناء الكنائس والمعابد المسيحية واليهودية والهندوسية إلى جانب المساجد والقباب والأضرحة الإسلامية.

وخرج الإنجليز من مدينة عدن سنة 1967، بعد احتلال دام أكثر من 129 عاما، تطبع فيها المجتمع العدني بكثير من الطباع الإنجليزية.

ويقول غلام: "السلطات التي حكمت عدن بعد الاستقلال المزعوم قضت على هذا التعايش، وكثير من أتباع الديانات الأخرى غادروها وتعرضت ممتلكاتهم العامة والخاصة للمصادرة والتأميم، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تصارع الثوار فيما بينهم ولم يقبل أي فصيل بالفصيل الآخر، رغم أنهم تجمعهم كثير من القواسم المشتركة، وبالتالي لم يعد هناك أي أثر للتعايش".

"
كنائس المسيح في عدن شاهد على التنوع والتعايش
"

وبنى المسيحيون في القرنين التاسع عشر والعشرين - إبان الاحتلال الإنجليزي - عددا من الكنائس، منها كنيسة سانت أنتوني، التي لا تزال قائمة حتى اليوم في منطقة التواهي (حي شهير في المدينة) "جنوب غربي عدن"، وتمارس شعائرها الدينية أسبوعيا، كما تقدم الكنيسة بعض الخدمات الصحية للمرضى بشكل مجاني.

ويقول القائمون على الكنيسة إنها بنيت عام 1863 لتكون حامية للقوات البريطانية في عدن، وكانت الملكة فكتوريا ممن تبرعوا لبنائها، وظلت تقوم بمهامها حتى عام 1970م، بعد ثلاث سنوات من الانسحاب البريطاني عام 1967م، حين استولت حكومة جنوب اليمن على المبنى، وتم استخدامه ليكون بمثابة مرفق تخزين حكومي، وصالة للألعاب الرياضية في وقت لاحق، حتى تم توحيد شمال اليمن وجنوبه عام 1990.

وجاء في الموقع الإلكتروني للكنيسة أنه منذ عام 1987 حتى عام 1993 كان أسقف قبرص والخليج "جون براون" يجري مفاوضات مع حكومة جنوب اليمن، وبعد ذلك مع حكومة اليمن الموحدة، لإعادة الكنيسة إلى الأبرشية، وتم الاتفاق على أن تقوم الكنيسة ببناء وتمويل وتشغيل عيادة طبية للأمهات والأطفال.

كنائس أخرى في اليمن لا تزال قائمة، لكنها تحولت إلى مرافق تتبع الحكومة، ومنها كنيسة "سانت ماري جاريسن"، والتي بدأ بناؤها عام 1867، على تلة جبل في منطقة كريتر وسط عدن (أحد احياء المدينة الشهيرة)، واستخدم المبنى في الفترة الأخيرة منذ خمسينيات القرن الماضي مقرا للمجلس التشريعي "البرلمان"، ثم أغلق المبنى لكنه لا يزال قائما.

وكذلك كنيسة "سانت جوسيف"، من أقدم الكنائس في عدن، بنيت عام 1850 في منطقة كريتر أيضا، وتتبع البعثة الكاثوليكية الرومانية، وقد تحول جزء منها في السنوات الأخيرة إلى مدرسة.

كما تم بناء عدد من الكنائس في الفترة الزمنية نفسها لكنها لم تكن في أهمية الكنائس المذكورة سابقا، ومن هذه الكنائس، كنيسة سانت أندروز، القريبة من مطار عدن وقاعدة الطيران الملكي البريطاني في منطقة خورمكسر.

وعن الكنائس، التي لا تزال تقام فيها الصلوات حتى الوقت الحالي، قال غلام إن "كنيسة البادري" الموجودة في كريتر، تؤدى فيها بعض الصلوات، أما كنيسة "راس مربط" بالتواهي فلا تزال منتظمة بشكل طبيعي إلى جانب العمل المستمر في العيادة الطبية".

 

دلالات