النزوح من الريف السوداني إلى العاصمة الخرطوم تحوّل إلى أزمة حقيقية في المدينة، تنعكس على الخدمات وتزيد المشاكل الاقتصادية والاجتماعية
يوماً بعد يوم، تُواجه العاصمة السودانيّة الخرطوم زيادة كبيرة في عدد السكان، ما أدى إلى نشوء مجموعة من المشاكل الاقتصادية والأمنية. ويتحدّث الوزير السابق للشؤون الاستراتيجية والمعلومات لولاية الخرطوم محمد حسين أبو صالح، عن صورة قاتمة للخلل في التخطيط الاستراتيجي في السودان ككل، من دون النظر إلى الواقع الاجتماعي، لافتاً إلى أن العاصمة الخرطوم تضمّ نحو 600 مصنع، منها تلك المعنية بالزيوت النباتية، فيما لا تزرع أية حبوب من تلك التي تزرع في ولايات أخرى، مثل القضارف وشمال كردفان. وبدلاً من تشييد مصانع هناك، يجري إنشاؤها في الخرطوم التي تضم مصانع للنسيج من دون زراعة للقطن الموجود في ولاية الجزيرة وسط السودان.
ويُوضح أبو صالح لـ"العربي الجديد" أنّ مثل تلك الاختلالات تضاف إليها عوامل أخرى، تزيد الكثافة السكانية في الخرطوم التي ينزح إليها السودانيون بواقع 100 أسرة يومياً، بحسب إحصائيات رسمية، وخصوصاً في الولاية. ويُشكّك في إحصائيات سابقة ذكرت أن عدد سكان الخرطوم يقدّر بنحو 8 ملايين نسمة. يضيف أنه بحسب مؤشرات استهلاك الخبز يومياً، فإن العدد تجاوز منذ فترة حاجز 12 مليون نسمة، لافتاً إلى أن معدل الزيادة الذي وصل إلى 8,3 في المائة، ليس كله بسبب الهجرة الداخلية الناتجة من النزاعات المسلحة في عدد من المناطق، وقلة الفرص في الولايات، وغياب الخدمات، إذ هناك زيادة ناتجة من لجوء عدد من جنسيات الدول الأفريقية المجاورة إلى الخرطوم، إما لجعلها منطقة عبور نحو أوروبا، أو للاستقرار فيها نهائياً، مشيراً إلى وجود شركات أفريقية تستثمر حتى لناحية إرسال المتسولين إلى الخرطوم.
ويوضح أبو صالح أن زيادة الكثافة السكانية، إذا لم يجرِ تداركها، ستؤدي إلى تشوهات اجتماعية كبيرة، وضغوط اجتماعية، وتعطيل الإنتاج، وتفشي الجرائم الغريبة والدخيلة وغير الطبيعية، وجرائم النهب المسلح، وظهور عصابات متخصصة، إضافة إلى جرائم المخدرات، وجرائم القتل الغريبة، وتجارة البشر.
اقــرأ أيضاً
ويقول أبو صالح إنّ أزمة التمدد السكاني تُحَلّ من خلال توفير خدمات تعليمية وصحية وفرص عمل في الولايات، ما يضمن وقف نزف النزوح من مناطق الإنتاج الفعلية نحو الخرطوم. ويستشهد بتجربة نفذتها ولاية الخرطوم في أوقات سابقة، من خلال إقامة مشاريع إنتاجية متكاملة مشتركة مع الولايات المجاورة، مثل ولايتي شمال كردفان والجزيرة، في مجالي الزراعة والإنتاج الحيواني.
ويشدّد الوزير السابق على أهمية إقامة مشاريع تنموية حتى في دول الجوار، بالشراكة مع المجتمع الدولي، خصوصاً الاتحاد الأوروبي، لتمنع تدفق الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، مع معالجة الخلل التنموي والخدماتي في الولايات، والتعامل بجدية مع اللاجئين، لناحية تسجيلهم وحصرهم ومعرفة أماكن سكنهم، وهو أمر لم يحدث حتى الآن.
وإذا كان أبو صالح يقدّر عدد سكان الخرطوم بـ12 مليوناً، فإن الخبير الاستراتيجي عصام بطران، يرى أن الخرطوم ولاية يختلف عدد سكانها ليلاً عن عددهم نهاراً. ويوضح أن نحو مليوني شخص يدخلون العاصمة ويغادرونها في اليوم الواحد لأسباب عدة، منها التسوّق والعمل والعلاج، أو الحصول على خدمات من الحكومة الاتحادية، مثل ترخيص المركبات الاستثمارية والإجراءات الجمركية والاستيراد والتصدير واستخراج الأوراق الثبوتية وإكمال إجراءات السفر. ويرى أن أمراً كهذا أدى إلى سلبيات كثيرة، منها تمدد العاصمة أفقياً، وهو ما أضعف التحكم في تقديم الخدمات.
ويشير بطران في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن هناك نوعاً آخر من التردّد على الخرطوم، يتمثل بتوافد أكبرعدد من اللاجئين، منهم نحو 200 ألف سوري و11 ألف ليبي و8 آلاف مصري وآلاف اليمنيين، إضافة إلى 450 ألف من جنوب السودان، فضلاً عن جنسيات أخرى، مثل أريتيريا وإثيوبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى، ما يخلق ضغطاً على الخدمات التعليمية والصحية والمياه والسكن، ونقصاً في السلع الاستراتجية مثل الوقود والغاز والخبز، ويؤدي أيضاً إلى ضيق فرص العمل، الأمر الذي يؤدي تلقائياً إلى زيادة نسبة المشاكل والبطالة.
ويلفت بطران إلى أن الضغط السكاني على الخرطوم سيؤدي إلى نمو مشاكل اجتماعية مثل البطالة وارتفاع نسبة الأمية، ويفاقم من تنامي الممارسات الاجتماعية السلبية، المتمثلة بارتفاع نسبة تعاطي المخدرات وترويجها، والتسرب وعمالة الأطفال والتفكك الأسري وتلاشي الأسر الممتدة وارتفاع نسبة ارتكاب الجرائم من قبل المراهقين، وارتفاع نسبة التسول، وزيادة أعداد المشردين وأطفال الشوارع، وارتفاع نسبة المواليد خارج الإطار الشرعي وفاقدي السند الوالدي، إضافة إلى ارتفاع معدلات الطلاق وقضايا النفقة والرعاية الأسرية.
اقــرأ أيضاً
من جهته، يلفت الخبير الأمني محمد بشير سليمان، إلى أنّ النزوح من الريف إلى المدينة، والخرطوم على وجه التحديد، أدى إلى مشاكل أمنية، لأن الريف محكوم بقيم وأعراف وتقاليد تضبط الحياة الاجتماعية. وهذا ما يختلف بعد النزوح إلى المدينة، ما يزيد من معدل الجرائم المرتبطة بضعف الأخلاق وزيادة نسبة التشرد وانتشار الأمراض المنقولة. يضيف أن الانتقال من الريف إلى الخرطوم من دون مؤهلات تعليمية يؤدي إلى انتشار المهن الهامشية، في مقابل النقص في العمالة في مناطق الإنتاج، ومعظمها في الريف، خصوصاً الإنتاج الزراعي والحيواني. ويؤكد أن العلاج الناجع لكلّ ذلك يأتي من خلال نقل المدينة إلى الريف عبر توفير الخدمات وزيادة القيمة المضافة للمزارعين على وجه التحديد، حتى يعودوا للزراعة والإنتاج الحيواني.
من جهته، يقول رئيس تحرير يومية حكايات السياسة وجدي الكردي، لـ"العربي الجديد"، إن أحد أهم آثار تزايد الكثافة السكانية في الخرطوم، هو تراجع المساحات حتى لأعداد مدافن الموتى، في ظل الهجرات المتزايدة إلى الخرطوم من مناطق السودان المختلفة. ويشير إلى ما سمّاه "الفوضى الديموغرافية" التي اجتاحت الخرطوم نتيجة للحروب وما يتبعها من فقر ونزوح وتآكل في الموارد واختلال التوازن بين الإنتاج والاستهلاك، "ما يستدعي حزمة سياسات حكومية ومجتمعية موجّهة إلى النازحين في مواطنهم الأصلية تُؤمن لهم الغذاء والأمان".
ويُوضح أبو صالح لـ"العربي الجديد" أنّ مثل تلك الاختلالات تضاف إليها عوامل أخرى، تزيد الكثافة السكانية في الخرطوم التي ينزح إليها السودانيون بواقع 100 أسرة يومياً، بحسب إحصائيات رسمية، وخصوصاً في الولاية. ويُشكّك في إحصائيات سابقة ذكرت أن عدد سكان الخرطوم يقدّر بنحو 8 ملايين نسمة. يضيف أنه بحسب مؤشرات استهلاك الخبز يومياً، فإن العدد تجاوز منذ فترة حاجز 12 مليون نسمة، لافتاً إلى أن معدل الزيادة الذي وصل إلى 8,3 في المائة، ليس كله بسبب الهجرة الداخلية الناتجة من النزاعات المسلحة في عدد من المناطق، وقلة الفرص في الولايات، وغياب الخدمات، إذ هناك زيادة ناتجة من لجوء عدد من جنسيات الدول الأفريقية المجاورة إلى الخرطوم، إما لجعلها منطقة عبور نحو أوروبا، أو للاستقرار فيها نهائياً، مشيراً إلى وجود شركات أفريقية تستثمر حتى لناحية إرسال المتسولين إلى الخرطوم.
ويوضح أبو صالح أن زيادة الكثافة السكانية، إذا لم يجرِ تداركها، ستؤدي إلى تشوهات اجتماعية كبيرة، وضغوط اجتماعية، وتعطيل الإنتاج، وتفشي الجرائم الغريبة والدخيلة وغير الطبيعية، وجرائم النهب المسلح، وظهور عصابات متخصصة، إضافة إلى جرائم المخدرات، وجرائم القتل الغريبة، وتجارة البشر.
ويقول أبو صالح إنّ أزمة التمدد السكاني تُحَلّ من خلال توفير خدمات تعليمية وصحية وفرص عمل في الولايات، ما يضمن وقف نزف النزوح من مناطق الإنتاج الفعلية نحو الخرطوم. ويستشهد بتجربة نفذتها ولاية الخرطوم في أوقات سابقة، من خلال إقامة مشاريع إنتاجية متكاملة مشتركة مع الولايات المجاورة، مثل ولايتي شمال كردفان والجزيرة، في مجالي الزراعة والإنتاج الحيواني.
ويشدّد الوزير السابق على أهمية إقامة مشاريع تنموية حتى في دول الجوار، بالشراكة مع المجتمع الدولي، خصوصاً الاتحاد الأوروبي، لتمنع تدفق الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، مع معالجة الخلل التنموي والخدماتي في الولايات، والتعامل بجدية مع اللاجئين، لناحية تسجيلهم وحصرهم ومعرفة أماكن سكنهم، وهو أمر لم يحدث حتى الآن.
وإذا كان أبو صالح يقدّر عدد سكان الخرطوم بـ12 مليوناً، فإن الخبير الاستراتيجي عصام بطران، يرى أن الخرطوم ولاية يختلف عدد سكانها ليلاً عن عددهم نهاراً. ويوضح أن نحو مليوني شخص يدخلون العاصمة ويغادرونها في اليوم الواحد لأسباب عدة، منها التسوّق والعمل والعلاج، أو الحصول على خدمات من الحكومة الاتحادية، مثل ترخيص المركبات الاستثمارية والإجراءات الجمركية والاستيراد والتصدير واستخراج الأوراق الثبوتية وإكمال إجراءات السفر. ويرى أن أمراً كهذا أدى إلى سلبيات كثيرة، منها تمدد العاصمة أفقياً، وهو ما أضعف التحكم في تقديم الخدمات.
ويشير بطران في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن هناك نوعاً آخر من التردّد على الخرطوم، يتمثل بتوافد أكبرعدد من اللاجئين، منهم نحو 200 ألف سوري و11 ألف ليبي و8 آلاف مصري وآلاف اليمنيين، إضافة إلى 450 ألف من جنوب السودان، فضلاً عن جنسيات أخرى، مثل أريتيريا وإثيوبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى، ما يخلق ضغطاً على الخدمات التعليمية والصحية والمياه والسكن، ونقصاً في السلع الاستراتجية مثل الوقود والغاز والخبز، ويؤدي أيضاً إلى ضيق فرص العمل، الأمر الذي يؤدي تلقائياً إلى زيادة نسبة المشاكل والبطالة.
ويلفت بطران إلى أن الضغط السكاني على الخرطوم سيؤدي إلى نمو مشاكل اجتماعية مثل البطالة وارتفاع نسبة الأمية، ويفاقم من تنامي الممارسات الاجتماعية السلبية، المتمثلة بارتفاع نسبة تعاطي المخدرات وترويجها، والتسرب وعمالة الأطفال والتفكك الأسري وتلاشي الأسر الممتدة وارتفاع نسبة ارتكاب الجرائم من قبل المراهقين، وارتفاع نسبة التسول، وزيادة أعداد المشردين وأطفال الشوارع، وارتفاع نسبة المواليد خارج الإطار الشرعي وفاقدي السند الوالدي، إضافة إلى ارتفاع معدلات الطلاق وقضايا النفقة والرعاية الأسرية.
من جهته، يلفت الخبير الأمني محمد بشير سليمان، إلى أنّ النزوح من الريف إلى المدينة، والخرطوم على وجه التحديد، أدى إلى مشاكل أمنية، لأن الريف محكوم بقيم وأعراف وتقاليد تضبط الحياة الاجتماعية. وهذا ما يختلف بعد النزوح إلى المدينة، ما يزيد من معدل الجرائم المرتبطة بضعف الأخلاق وزيادة نسبة التشرد وانتشار الأمراض المنقولة. يضيف أن الانتقال من الريف إلى الخرطوم من دون مؤهلات تعليمية يؤدي إلى انتشار المهن الهامشية، في مقابل النقص في العمالة في مناطق الإنتاج، ومعظمها في الريف، خصوصاً الإنتاج الزراعي والحيواني. ويؤكد أن العلاج الناجع لكلّ ذلك يأتي من خلال نقل المدينة إلى الريف عبر توفير الخدمات وزيادة القيمة المضافة للمزارعين على وجه التحديد، حتى يعودوا للزراعة والإنتاج الحيواني.
من جهته، يقول رئيس تحرير يومية حكايات السياسة وجدي الكردي، لـ"العربي الجديد"، إن أحد أهم آثار تزايد الكثافة السكانية في الخرطوم، هو تراجع المساحات حتى لأعداد مدافن الموتى، في ظل الهجرات المتزايدة إلى الخرطوم من مناطق السودان المختلفة. ويشير إلى ما سمّاه "الفوضى الديموغرافية" التي اجتاحت الخرطوم نتيجة للحروب وما يتبعها من فقر ونزوح وتآكل في الموارد واختلال التوازن بين الإنتاج والاستهلاك، "ما يستدعي حزمة سياسات حكومية ومجتمعية موجّهة إلى النازحين في مواطنهم الأصلية تُؤمن لهم الغذاء والأمان".