تتصاعد جرائم القتل والعنف في الداخل الفلسطيني عاماً بعد آخر، ما تسبب في فقدان الأمن والأمان الاجتماعي وتزايد مخاوف المواطنين من انتشار السلاح، في ظل استمرار تقاعس الشرطة الإسرائيلية عن تطويق الظاهرة.
وشهد عام 2022، 110 جرائم قتل، كان من بين ضحاياها 12 امرأة و7 قاصرين و3 أطفال، وفق ما كشف حراك "نساء ضد السلاح"، لـ"العربي الجديد"، وهو ائتلاف تأسّس في أواسط عام 2020، ويضمّ ناشطات سياسيّات ومؤسّسات مجتمع مدنيّ من خلفيّات متنوعة، اجتمعن بهدف تكثيف الجهود والعمل على التصدي للعنف والإجرام.
ويعمل "نساء ضد السلاح" وهو ائتلاف نسويّ، على تحدّي الخطاب السائد في المجتمع وفي الإعلام حول الجريمة والسلاح، وتبني مقاربة تعتمد على إنتاج معرفة ومفاهيم جديدة وعرض تحليل يعتمد على دراسة الحقل، والتمعّن الجماعيّ بالسياسات وبالحيثيات.
وفي السياق قالت فداء شحادة مركزة الائتلاف لـ "العربي الجديد"، اليوم الأربعاء، "نتطلع في حراك نساء ضد السلاح إلى دقّ ناقوس الخطر فيما يتعلق بقضيّة السلاح والجريمة، عن طريق كشف وتوضيح وفضح السياسات السلطويّة التي تنطلق من الفرضيّة الأمنيّة، وترى في الأقليّة الفلسطينيّة خطراً أمنيّاً يجب تشديد السلطة والسيطرة عليه".
وتابعت "تتجاهل هذه الفرضيّة انتشار الجريمة والسلاح في المجتمع الفلسطينيّ وبالتالي لا تعمل على إنفاذ القانون ولا تمنع تسريب السلاح، ولا تشدّد الرقابة على مصادره المرخصة، ورأينا مؤخراً كيف تمت سرقة الأسلحة والذخيرة لقواعد جيش الاحتلال، ولا سيما تلك الموجودة في الجنوب، ولم تتم متابعة التحقيقات أو اتهام أحد بهذه الملفات، الأمر الذي يثير تساؤلات".
وأضافت "هذا السلاح موجه للمجتمع العربي ويعزز انتشار العنف والجريمة فالمعسكرات التابعة للجيش كبيرة وفي كل مرة تحدث سرقات مشابهة لا تتم متابعة الملفات أو التمشيط أو التحقيق المناسب، وإذا لم يتم الحدّ من كميات السلاح الموجودة بين الناس، فقد نفقد أنفسنا كمجتمع وقد تتغلب منظومة الجريمة على منظومة الأخلاق".
وأوضحت شحادة أنّ "موضوع محاربة الجريمة والعنف لا يبدو في صلب اهتمام مؤسسات الدولة، وأمام هذا التجاهل والتمييز المتعمد، يتوجب علينا تكثيف العمل مع كافة الأطر والمؤسسات، من أجل تعزيز الوعي المجتمعي لمخاطر الجريمة ومواجهتها بكافة السبل المتاحة".
من جهته، قال المحامي رضا جابر مدير مركز "أمان" العربي لمجتمع آمن، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الفلسطينيين في الداخل يشعرون بأنهم داخل مصيدة، فالجريمة التي تفشت داخلهم حدثت تحت أعين ورقابة الدولة وشرطتها، ومطالبهم بتدخلها لم تؤت نتيجة، بل استغلها اليمين الفاشي بشكل غير مسبوق، لينجح في شرعنة العنصرية اتجاههم، مستغلاً خوفاً وعنصرية دفينة داخل المجتمع الإسرائيلي".
وأضاف أنّ "كل هذا يأتي في ظل وضع اجتماعي واقتصادي ضاغط على الفرد الذي يعيش في دوامة من الاستهلاك وغلاء المعيشة والتزامات لا نهاية لها، دون أفق من حيث استيعاب المجتمع لمثل هذه المشكلات، وعلى رأسها ضائقة السكن والبنية التحتية".
وتابع أنّ "الدولة مستفيدة من هذا الوضع وتتعامل بشكل انتقائي معه، فقد تفتح باباً معيناً بالاستثمار هنا وهناك، ولكنها تتعمد عدم حل الإشكاليات بشكل جذري، والحال نفسه ينطبق على الشرطة التي تتعامل اليوم مع الجريمة بشكل انتقائي والنتيجة حصد مزيد من الضحايا".
وتقول ورود مطلق، شقيقة الشاب مصطفى (18 عاماً) الذي عثر عليه مقتولاً قبل شهرين في جلجوليا بمنطقة المشاتل جنوب مدينة قلقيلية شمال غربي الضفة الغربية، لـ"العربي الجديد"، إنّ "مصطفى مثّل كل شيء جميل في الحياة، وفاته صدمتني، عندما قرأت خبر وفاته على فيسبوك، يوم 26 أكتوبر/ تشرين الأول لم أصدق، تجمدت في مكاني ولم أعد أقوى على الحركة".
وأوضحت أنّه "في يوم وفاته اتصل به شخص 16 مرة وطلب منه الخروج من البيت في الساعة الخامسة مساء، بدوري اتصلت به حوالي الساعة السابعة والنصف مساء، لكن تم إغلاق الهاتف في وجهي، عشت حالة من القلق انتهت بخبر الوفاة".
وأضافت ورود، وهي البنت البكر في العائلة بين شقيقين وشقيقة، وقد انفصل والداها بينما كان مصطفى يبلغ من العمر عشرة أشهر: "قبل أسبوع شاركت في منتدى (أمهات وعائلات من أجل الحياة)، وهو منتدى يضم مجموعة من الأمهات والعائلات الثكلى الذين قرروا أن ينشطوا اجتماعياً لمكافحة ظاهرة العنف في المجتمع العربي على الرغم من الألم والفقدان، وسمعت هناك قصصاً كثيرة لهذه العوائل وتحدثت أنا أيضاً عن معاناتي"، مضيفة أنها "حكايات تدمي القلب، ورسالتي للأهالي هي الحفاظ على أبنائهم ومتابعتهم".