يوميات أهالي غزة... واقع مأساوي في مخيمات النزوح

24 سبتمبر 2024
حياة الخيام تفاقم متاعب النازحين في غزة (إياد البابا/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- ظروف النزوح القاسية في غزة: يعيش معظم أهالي قطاع غزة في مراكز إيواء تفتقر إلى الخدمات الأساسية مثل الماء والطعام والدواء، ويواجهون صعوبات كبيرة في التنقل وتوفير الاحتياجات الأساسية.

- التحديات اليومية للنازحين: يعاني النازحون من صعوبة توفير المتطلبات الحياتية في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي، مما يزيد من معاناتهم في الحصول على الماء والمساعدات الإنسانية.

- الاكتظاظ ونقص المساعدات: تسببت التهديدات الإسرائيلية في نزوح قرابة مليوني فلسطيني، مما أدى إلى اكتظاظ مراكز الإيواء وانتشار الأمراض بسبب نقص المياه النظيفة والمساعدات الإنسانية.

تعيش الغالبية العظمى من أهالي قطاع غزة، منذ أشهر عدة، في مراكز إيواء ومخيمات نزوح بائسة لا يتوفر فيها أي قدر من الخدمات، ولا تتوفر لهم فيها الاحتياجات الأساسية من ماء وطعام ودواء.

يلاحق النازح الفلسطيني خليل أبو الخير شاحنة المياه العذبة كي يحصل على بعض مياه الشرب لأسرته التي اضطرت للنزوح، والعيش داخل مجمع خيام في غرب مدينة دير البلح، وسط قطاع غزة، بينما يفتقرون إلى أدنى مقومات الحياة الأساسية.
يقول أبو الخير الذي يعيل أسرة مكونة من ستة أفراد، لـ"العربي الجديد"، إنه انتقل من حي الشيخ رضوان، شمالي مدينة غزة، إلى مدرسة لجوء في مخيم الشاطئ للاجئين غربي المدينة، ثم اضطر للنزوح نحو مدينة رفح، وبعدها إلى المحافظة الوسطى، وهو حالياً يقيم داخل مخيم أُنشئ على شاطئ البحر غربي مدينة دير البلح.
ويؤكد أبو الخير صعوبة التنقل من منطقة إلى أخرى مع تزايد حجم الأدوات والمستلزمات المعيشية، وكلفة التنقل المرتفعة في ظل عدم توفر مصادر دخل، إلى جانب قسوة الحياة داخل الخيام بفعل درجات الحرارة المرتفعة صيفاً، والبرودة الشديدة في الشتاء، خصوصاً في الساعات المتأخرة من الليل، والنقص الشديد في كافة متطلبات الحياة.
بدوره، نزح مصطفى صافي برفقة أسرته من مخيم جباليا للاجئين شمالي القطاع، ويقول لـ"العربي الجديد" إنه انتقل سبع مرات من مناطق الشمال إلى الجنوب وصولاً إلى المحافظة الوسطى، وكان يواجه مصاعب عدة مرة تلو الأخرى، مع تضاؤل الأمل بإمكانية العودة إلى بيته وحياته الطبيعية مجدداً.

اضطر نازحون إلى إنشاء خيام في الشوارع والأراضي الفارغة

يضيف صافي: "لم أكن أرغب بالنزوح لعلمي بقسوة الظروف المصاحبة له، لكنني اضطرت للنزوح خوفاً على أسرتي، خاصة بعد اشتداد القصف وتكرار الأحزمة النارية التي استهدفت منطقتنا في مطلع العام الحالي. في التاسع من يناير/ كانون الثاني، تعرض المنزل المجاور لبيتنا للقصف، ما تسبب بأضرار بالغة في بيتنا وتعرض ثلاثة من أشقائي لإصابات مختلفة، وبعد تلقيهم العلاج، قررنا المغادرة نحو الجنوب، وقد أنشأ كل منا خيمة خاصة به".
ويشير إلى صعوبة توفير المتطلبات الحياتية في ظل تواصل العدوان الإسرائيلي، الذي استنفد كافة إمكانات أهالي غزة، ويقول: "نعاني كثيراً للوصول إلى الماء، أو الحصول على المساعدات الإنسانية، ونضطر إلى شراء كل شيء بأسعار مرتفعة لا تتناسب مع أوضاعنا المتردية".

لا تقتصر خسائر المهجرين على تبلل الخيام وإغراقها (العربي الجديد)
تبعد بعض الخيام أمتاراً عن مياه البحر (أشرف أبو عمرة/الأناضول)

وتسببت التهديدات الإسرائيلية المتكررة في نزوح قرابة مليوني فلسطيني من منازلهم نحو مدارس ومؤسسات وأراض فارغة تحولت جميعها إلى مراكز ومخيمات إيواء. وبمرور الوقت، اكتظت المدارس بآلاف النازحين، سواء التابعة للحكومة أو لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وبات يعيش داخل المدرسة الواحدة قرابة عشرة آلاف شخص، بينما لا تستوعب مساحتها أكثر من ألفي شخص، وكذلك بقية المؤسسات والجمعيات والمراكز العامة التي تحولت إلى مراكز إيواء.
واضطر كثيرون، نتيجة الزحام الشديد في مراكز الإيواء التي باتت غير قادرة على استيعاب أعداد إضافية من النازحين، إلى إنشاء خيام في الشوارع والأراضي الفارغة، وباتوا يطلقون أسماء رمزية على كل تجمع لتمييزه عن غيره، مع ترقيم الخيام لتسهيل عملية توزيع المساعدات الإغاثية والمالية والغذائية في حال توفرها.
نزح الفلسطيني محمد حمد من منزله في بيت حانون (شمال) منذ اليوم الأول للعدوان لوقوع بيته بالقرب من خط التماس مع الأراضي المحتلة، وذلك بعد قصف منزل جيرانه. يقول لـ"العربي الجديد": "اضطررنا للمشي على الأقدام ساعات وصولاً إلى مفترق الشيخ زايد في بيت لاهيا، ومن ثم انتقلنا إلى شقة بالقرب من دوار الأمن العام، ومكثنا فيها أسبوعاً، لكن قصفت الطائرات الحربية بيتاً مجاوراً، ما أدى إلى تحطم النوافذ والأبواب، وإصابتي بجروح في مختلف أنحاء جسدي، وقمت حينها بمعالجة نفسي عبر وضع المطهرات على جروحي بسبب الاكتظاظ الشديد في المستشفيات".
ويلفت حمد إلى أن عائلته نزحت نحو مدرسة، فيما انتقل هو برفقة آخرين إلى منزل عائلة زوجته في منطقة جامعة القدس المفتوحة غربي مدينة غزة، وبعد ذلك، نزحت العائلة مجدداً نحو جامعة الأقصى في مدينة خانيونس، وقد لحق بها بعد مدة بسبب سوء الأوضاع الأمنية في مدينة غزة، إلى جانب الجوع الذي فتك بالعديد من الفلسطينيين من جراء منع الاحتلال دخول المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية إلى محافظتي غزة والشمال.
انتقل حمد مع عائلته إلى مدينة رفح في أقصى جنوب القطاع بعد الاجتياح الإسرائيلي لمدينة خانيونس، واضطروا إلى المبيت في الشارع في ظل عواصف وأمطار الشتاء، ثم انتقلوا إلى خيمة نصبها أحد الأصدقاء، ومن ثم قاموا بترميم الأجزاء التالفة من خيمتهم التي نقلوها معهم، ثم انتقلوا إلى مكان آخر نتيجة حاجة صاحب الأرض لها، وعادوا بعدها إلى دوامة البحث عن مكان، إلى أن وجدوا مكاناً في دير البلح.

كرر الاحتلال استهداف خيام النازحين (عبد الله العطار/الأناضول)
كرر الاحتلال استهداف خيام النازحين (عبد الله العطار/الأناضول)

ويقول: "استنزفت حياة النزوح المبلغ الذي كانت تدخره العائلة بسبب الغلاء الشديد، إلى جانب النقص الحاد في مختلف المتطلبات الأساسية في ظل شح المساعدات، خاصة في ظل صعوبة وصول المساعدات وسيارات نقل المياه إلى المخيم، ما يضطرنا إلى خوض رحلة يومية شاقة لتوفير المتطلبات الأساسية. أنا متخصص في الكمبيوتر، وتسببت الحرب بتفريق شمل أسرتي، وأعيش حالياً برفقة طفلي في خيمة قماشية صغيرة إلى جانب خيمة عائلتي، فيما تعيش زوجتي برفقة طفلتي مع عائلتها في خانيونس، وذلك لعدم قدرتي على توفير متطلبات أفراد الأسرة من جراء فقدان مصدر دخلي الوحيد، في حين لا أحصل على أية مساعدات مادية أو غذائية".
في الإطار نفسه، يقول رامي مشتهى، وهو أحد القائمين على مخيم "إيواء السلطان" غربي مدينة دير البلح، إن المخيم يضم نحو 335 أسرة بإجمالي قرابة 1800 نازح. ويبين لـ"العربي الجديد" أن "التهديدات الإسرائيلية لم تتوقف عند حد إخلاء محافظتي غزة والشمال، وإنما طاولت محافظتي خانيونس ورفح في جنوب القطاع، ومنطقتي حمد وأصداء، ثم المناطق الشرقية من المحافظة الوسطى، ومنها البريج والمغازي ودير البلح، ما تسبب في رفد المخيمات، ومن بينها مخيم السلطان، بآلاف الأسر النازحة من جحيم الحرب والمجازر المتكررة، وتسبب في تضاعف الأعباء على المخيمات التي كانت مكتظة بالأساس".
ويشير مشتهى إلى أن "انعدام الأماكن وتكدس النازحين تسببا بتلاصق الخيام، التي لا يفصل بعضها عن مياه البحر سوى بضعة أمتار، الأمر الذي ينذر بمخاطر عديدة، خاصة مع اقتراب حلول فصل الشتاء الذي يشهد ارتفاعاً ملحوظاً للأمواج، سواء على الأسر بمن فيها من أطفال ونساء وكبار سن، أو على فراشهم ومستلزماتهم المعيشية، علاوة على المعاناة الناتجة عن شح الغاز، وعدم التمكن من إشعال النار بسهولة بفعل الرياح الشديدة".

ويوضح أن الاحتياجات الأساسية لا تصل إلى المخيم في ظل حالة النقص العامة في المساعدات الإنسانية، باستثناء تقديم بعض وجبات الطعام من التكايا، وحتى هذا أيضاً غير منتظم، إلى جانب الشح الكبير في المياه نتيجة الموقع الجغرافي للمخيمات، ما يدفع النازحين إلى شراء المياه من مناطق بعيدة، في عملية صعبة ومرهقة ومكلفة، لكن لا بديل عن توفير الماء الصالح للشرب، أو مياه الاستخدام اليومي، ولا يمكن استخدام مياه البحر بفعل ملوحتها الشديدة.
ويوضح أن الاكتظاظ الشديد في مخيمات النزوح، وفي مقدمتها المخيمات الملاصقة للبحر، تسبب في انتشار الأمراض بين النازحين، وخصوصاً الأطفال، بفعل انتشار برك مياه الصرف الصحي، وانتشار الأمراض الجلدية والتسلخات نتيجة استخدام المياه المالحة، ما دفع القائمين على المخيمات لمناشدة المؤسسات المانحة المساهمة في التخفيف من معاناة النازحين في ما يتعلق بقضية المياه، وكذا النقص الحاد في الخيام، لكن من دون جدوى.
ويؤكد مشتهى أن "المناطق التي يدعي الاحتلال الإسرائيلي أنها آمنة ليست آمنة، إذ يتكرر استهداف المدنيين فيها، وارتكب العديد من المجازر فيها، إلى جانب النقص الشديد في كافة مقومات الحياة، من طعام وغذاء ودواء، الأمر الذي يتنافى مع المعاني الأساسية للأمن".

المساهمون