يعتزم ائتلاف "إشارات المرور" الحكومي في ألمانيا بقيادة المستشار الاشتراكي أولاف شولتز، والذي يضم أيضاً حزبي الخضر والليبرالي الحر، جعل البلاد أكثر جاذبية للمهاجرين من خلال "بداية جديدة" تلحظ تسريع وتبسيط عملية الحصول على الجنسية، ولمّ شمل أسر اللاجئين وأقاربهم، وخيارات أخرى لتسهيل إصدار التأشيرات وتطبيق إجراءات لجوء عادلة وسريعة وقانونية. من هنا يبدو واضحاً أن حكومة المستشار شولتز تعتزم انتهاج سياسة مغايرة وأكثر ليونة تستند إلى ثقافة الترحيب بدلاً من البيروقراطية والردع لا تحدد سقفاً لأعداد المهاجرين الذين يمكن استقبالهم، وتسهّل الهجرة المنظمة.
وتكشف ورقة التفاهم بين أطراف الحكومة الائتلافية التي لم تصبح قانوناً بعد لكنها تتمتع بأكثرية في البرلمان (بوندستاغ) لإقرارها، نية الائتلاف الابتعاد عن خط سياسة اللجوء التقييدية الذي اعتمد في السنوات الماضية، وتأكيد أن الأشخاص المقيمين في شكل دائم في ألمانيا سيعيشون مستقبلاً يتمتعون فيه بفرص تعزيز أوضاع إقاماتهم من خلال العمل والاندماج وإتقان اللغة. والعنصر المركزي في الاستراتيجية هو قانون المواطنة الحديث الذي يهدف إلى تسريع عملية الحصول على جنسية خلال خمس سنوات بدلاً من ثماني سنوات المطبق حالياً، وربما بعد ثلاث سنوات لمن يحقق إنجازات خاصة في الاندماج. وتمنح ورقة التفاهم الأطفال المولودين من أبوين أجنبيين حق نيل الجنسية فور ولادتهم، إذا كان أحد الوالدين يقيم في شكل قانوني منذ خمس سنوات على الأقل.
وستسهّل الإجراءات المقترحة في الورقة قدوم اللاجئين إلى ألمانيا بلا المخاطرة بحياتهم، وتمنح أي شخص يرفض طلب لجوئه لكنه يتعلم لغة البلاد، وينجح في تأمين مصدر رزقه عبر عقد عمل ويملك سجلاً نظيفاً من أي جرم، فرصة جديدة للبقاء في شكل دائم. كما أنها تعزز لمّ شمل أسر اللاجئين بعدما تراكمت الطلبات بسبب وباء كورونا، وتسمح للأطفال الذين فروا بمفردهم من بلدان الحروب الأهلية باصطحاب باقي أشقائهم. وهي لن تطالب بإثبات مهارة تكلم اللغة الألمانية بدقة كمقدمة للراغبين بالانضمام إلى أزواجهم عبر لمّ الشمل، ما قد ينهي معاناة عائلات مشتتة منذ سنوات، ويعيد الحق الأساس في تكوين الأسرة.
لا فرص لجوء ضعيفة
إلى ذلك، تمنح الورقة الأشخاص الذين لا يمكن ترحيلهم حق الحصول بعد خمس سنوات على تصاريح إقامة قيد الاختبار شرط خلو سجلهم العدلي من مخالفات قانونية، وتسمح لهم بالعمل ونيل إقامات قيد الاختبار لمدة عام من أجل تأمين الشروط القانونية لبقائهم. ويحتمل أن تقلب هذه المرونة بعض ممارسات سياسة الهجرة رأسا على عقب، خصوصاً تلك التي يخضع لها من يملكون فرصاً ضعيفة بنيل لجوء.
وباعتبار أن ألمانيا إحدى الدول الأقل احتضاناً لأصحاب الجنسية المزدوجة في أوروبا، سيستطيع المقيمون من ذوي الخلفيات والأعراق المهاجرة الإفادة من تبسيط إجراءات نيل الجنسية، وبينهم من ذوي الأصول التركية الذين يعيش حالياً حوالي 3 ملايين منهم في ألمانيا بعدما دخلوا أراضيها كعمال في الستينيات من القرن العشرين، ويحمل أقل من 10 في المائة منهم الجنسية حالياً، و55 في المائة منهم الجنسية التركية.
وتوضح الباحثة في حركات الهجرة التركية بمركز علوم البحوث الاجتماعية في برلين غولاي تركمان أن "من أهم أسباب عدم حمل عدد كبير من الأشخاص ذوي الأصول التركية جنسيات ألمانية ارتباطهم العاطفي الأكبر ببلدهم الأم، والذي يفوق ولاءهم لمكان إقامتهم. لكن يفترض أن يزيد مشروع الحكومة الجديدة طلبات حصولهم على الجنسية الألمانية، علماً أن نسبة 26 في المائة من سكان ألمانيا من أصول مهاجرة، ويحمل 52 في المائة منهم جنسيتها".
ويرى وزير العمل الاشتراكي هوبرتوس هايل أن الائتلاف الحكومي الجديد سيجعل قانون هجرة الكفاءات المعمول به منذ عام 2020 أكثر ليبرالية تمهيداً للتصدي لمشكلة صد نقص الكوادر المهنية المتخصصة وزيادة عدد المتدربين. ويؤيد ذلك الحزب الليبرالي الحر المشارك في الائتلاف، خصوصاً أن الأرقام تشير إلى حاجة ألمانيا إلى 400 ألف عامل سنوياً.
تشجيع الاندماج
وتعليقاً على المقاربات الجديدة للائتلاف في ملف الهجرة، تنقل شبكة "ايه آر دي" الإخبارية عن المدير التنفيذي لمنظمة "برو آزول" الألمانية المدافعة عن حقوق اللاجئين غونتر بوركهارت قوله إن "ورقة التحالف جيدة لأنها تبدي التزاماً بسيادة القانون في سياسة الهجرة، وتلغي دفع الأموال لحماية الحدود الكرواتية أو البولندية وتنفيذ عمليات الصد غير القانونية".
ويؤكد عضو الحزب الاشتراكي الديمقراطي لارس كاستيلوتشي ضرورة الحدّ من الهجرة غير النظامية عبر تحسين الوضع في اليونان، وخلق أطر قانونية للوصول إلى أوروبا، بينها توظيف مزيد من العمال الماهرين من الخارج، ولجم الدور الذي تلعبه الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس) في عمليات الصدّ، علماً أن حوادث التجمّد حتى الموت عند الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، أو الغرق في البحر المتوسط، لا تتناسب مع القيم الأوروبية".
وفيما تقترح ورقة الائتلاف طريقة أسرع لمنح الشباب الذين أظهروا اندماجهم حق الإقامة في البلاد، ما يسمح ببقائهم، ويجعل ترحليهم أكثر صعوبة في المستقبل، رحبت المستشارة السياسية القانونية في منظمة "برو آزول" فيبكه جوديث بالإصلاح المفترض، وأشارت إلى أن ورقة التحالف تحتوي على أفكار جيدة حول كيفية إضفاء الشرعية بشكل أفضل، وتغييرات ستسهّل حياة الأشخاص الموجودين في ألمانيا، لكنها انتقدت عدم تضمنها أي تغييرات في نظام الاستقبال الأولي الذي يلزم اللاجئين الجدد والأشخاص الذين يفتقرون إلى وضع قانوني البقاء في مراكز اللجوء لمدة 18 شهراً، "ما يعرضهم لمخاطر صحية هائلة، خصوصاً أن هذه المراكز باتت بؤراً ساخنة لفيروس كورونا، ويؤثر سلباً بالتالي على إجراءات اللجوء". كما تلفت إلى عدم مناقشة أطراف الائتلاف نظام الترحيل الحالي الذي يسمح بترحيل المرضى والمصابين نفسياً قسرياً من ألمانيا.
نهج صعب
وحول إذا كان الائتلاف على المسار الصحيح في موضوع الهجرة، يعتبر خبير الهجرة غيرهالد كناوس في مقابلة مع "إي آر دي" أن "الائتلاف الجديد اختار نهجاً مهماً وصعباً سيحتم مواجهته تحدياً هائلاً في عملية التنفيذ، خصوصاً أنه يريد تقليل الهجرة غير النظامية الى الاتحاد الأوروبي، والحفاظ على حقوق الإنسان واتفاق اللاجئين، وتطبيق مزيد من الأطر القانونية بينها التوصل إلى اتفاقات مع دول ثالثة، ما قد يستدعي تعيين ممثل خاص لهذا الغرض. وإذا نجح ذلك بالتعاون مع دول أوروبية أخرى سيؤدي إلى خروق حقيقية، أما إذا فشل فيخشى ألا يتوفر بديل بعد 4 سنوات من حكم الائتلاف باستثناء العنف على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، ما يشكل مأساة للجهود العالمية لحماية اللاجئين، وائتلاف إشارات المرور نفسه".
ولا يخفى تشكيك أحزاب معارضة في ألمانيا بينها الحزب المسيحي الديمقراطي بورقة الحكومة الجديدة في شأن سياسة الهجرة. ولمّح رئيس كتلته في البوندستاغ رالف برينكهاوس، في حديث أدلى به لإذاعة "دويتشلاند فونك"، إلى أن ورقة الائتلاف ستجذب عمليات كثيرة للهجرة السرّية إلى ألمانيا، خصوصاً أنها تسمح ببقاء أشخاص قدموا إليها من دون سند قانوني بعد فترة زمنية معينة، وذلك أمر خاطئ". لكن وزير الاندماج في حكومة ولاية شمال الراين فستفاليا، يواخيم شتامب، الذي شارك في مفاوضات الائتلاف الخاصة بملف الهجرة، فيؤكد أن التحالف سيولي أيضاً اهتماماً كبيراً بإبرام اتفاقات هجرة عملية مع بلدان المنشأ، وسيمنح حكومات الولايات دعماً أكبر في تنفيذ عمليات الترحيل.
وفي المحصلة، يبدو واضحاً تخطيط الحكومة الجديدة في شكل أساسي لسياسة إنسانية عملية، بعدما التقت الاهتمامات الإنسانية لحزبي الاشتراكي والخضر بطريقة إيجابية مع مواقف الليبرالي الحر في شأن قانون الهجرة وفتح سوق العمل للمهاجرين.