لا يدرك كثيرون أنّ اختفاء الأنهار الجليدية وذوبان الصفائح المتجمدة بسبب التغير المناخي المتفاقم ستكون له انعكاسات مباشرة على الطبيعة وعلى البشر.
تشكل الأنهار الجليدية حجراً أساساً للحياة على كوكب الأرض، باعتبارها خزانات عملاقة للمياه العذبة، وهي تدعم أنظمة الحياة، وتؤثر في كثير من التفاصيل المعيشية اليومية، حتى بالنسبة إلى المجتمعات التي تعيش بعيداً عنها، لكن هذه الأنهار تواجه أزمة كبيرة تتمثل بإمكانية اختفاء العديد منها، بسبب ارتفاع درجات الحرارة.
وترجح دراسة علمية جديدة نشرت في مجلة "ساينس" الأميركية، أنّ الأنهار الجليدية قد تبدأ بالاختفاء بحلول عام 2100، وقام العلماء بدراسة جميع الأنهار الجليدية في العالم، التي يبلغ عددها 215 ألف نهر، وخلصوا إلى أن هذه الأنهار تذوب أسرع مما كان يعتقد، وأن سرعة ذوبانها تعتمد على مقدار ارتفاع درجة حرارة الكوكب.
وأجرى الباحثون محاكاة علمية لعدة سيناريوهات. ففي حال ارتفاع الحرارة ما بين 1.5 إلى 4 درجات، من المرجح أن يختفي ما يقارب 49 في المائة من الأنهار الجليدية، وهذا بدوره يساهم في ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار 90 ملم، وفي السيناريو الأسوأ، حين ترتفع الحرارة أكثر من 4 درجات مئوية، فمن المرجح أن يختفي ما لا يقل عن 75 في المائة من الأنهار الجليدية، ما يؤدي إلى ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار 154 ملم.
ووفقاً للتعهدات المناخية الحالية من قبل حكومات العالم، تشير التقديرات إلى أنّ متوسط درجة الحرارة العالمية سيرتفع بمقدار 2.7 درجة مئوية بحلول عام 2100، وبالتالي من المرجح اختفاء 68 في المائة من الأنهار الجليدية بحلول نهاية القرن، ويُعتقد أن ذوبان الأنهار الجليدية الجبلية سيساهم في أكثر من ثلث الارتفاع المتوقع لمستوى سطح البحر، الذي سيؤدي إلى غرق كثير من المناطق المأهولة، ما يجعل التعامل مع أزمة المناخ ضرورة حياتية للبشرية.
واستخدم الفريق نتائج العقدين الأخيرين من بيانات الأقمار الصناعية لرسم خرائط دقيقة للأنهار الجليدية، فيما اعتمدت الخرائط السابقة على قياسات أنهار جليدية معروفة، في حين قرر الباحثون في الدراسة الجديدة الحصول على بيانات عن كلّ نهر جليدي حول العالم، ما يجعلها الدراسة الأكثر دقة.
ونقلت صحيفة إندبندنت البريطانية عن مؤلفي الدراسة التي قادها ديفيد راونس، أستاذ الهندسة البيئية بجامعة كارنيغي ميلون الأميركية، أنّه "مع ارتفاع درجات الحرارة، ستكون الأنهار الجليدية الأكثر تأثراً، وهو ما سيؤدي عملياً إلى ارتفاع مستوى سطح البحر".
وتوضح الدراسة أنّ الأنهار الجليدية الصغيرة توفر مصدراً للمياه العذبة لملايين الأشخاص، بخاصة في أوروبا وآسيا الوسطى، وأنّ سلاسل الجبال المنخفضة، مثل جبال الألب وجبال البرانس، من بين الأكثر تضرراً.
في جبال الألب كمثال، يتوقع بحلول عام 2050، أن تكون الأنهار الجليدية في المتوسط أصغر بنسبة 70 في المائة، وأن تختفي العديد من الأنهار الأصغر، مع استبدال قمم الثلوج بالصخور العارية في بعض المواقع، ما يؤدي إلى خسائر كبيرة في التنوع البيولوجي، ومن المرجح أن تختفي الغابات المحيطة بجبال الألب بعد اختفاء الأنهار الجليدية.
وبالإضافة إلى كونها مورداً رئيسياً للمياه العذبة، تؤدي الأنهار الجليدية دوراً مهماً في إنتاج الطاقة النظيفة، التي تُعَدّ أساساً في مخططات كثير من الحكومات، وفي حال ذوبان تلك الأنهار، وبالتالي ارتفاع مستويات سطح البحر، سيتزايد تآكل السواحل، وتتكرر العواصف الساحلية، وتتفاقم شدة الأعاصير.
وسيحدد مقدار وسرعة ذوبان الصفائح الجليدية في منطقتي غرينلاند والقارة القطبية الجنوبية مقدار ارتفاع مستويات سطح المحيطات في المستقبل، فإذا استمرت الانبعاثات على وتيرتها الحالية، فمن المتوقع أن يتضاعف معدل ذوبان الغطاء الجليدي في غرينلاند بحلول نهاية القرن الحالي، وإذا ذاب كلّ الجليد في غرينلاند، فسيرتفع مستوى سطح البحر حول العالم بمقدار 20 قدماً، وفق تقييم أجراه موقع "وورلد وايلد لايف".
ويؤدي ارتفاع درجة الحرارة في القطب المتجمد الشمالي، حيث الكميات الكبيرة من الجليد، إلى ارتفاع درجات حرارة الهواء في الكوكب كله، وبالتالي إلى تعطيل كثير من الأنماط الطبيعية للدورة الخاصة بالمحيطات.
وخلصت دراسة سابقة أجريت في عام 2019، إلى أن معظم الأنهار الجليدية المعروفة فقدت جزءاً كبيراً من كتلتها بداية من عام 1900، وأن بعضها اختفى فعلياً، ومنها أنهار جليدية في أفريقيا وفي جبال الألب، وتوقعت أن تختفي نصف الأنهار الجليدية المعروفة بحلول 2100 إذا ما استمرت الانبعاثات القائمة، حسب الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة.