نقل التلاميذ في مصر "بيزنس" مربح

10 أكتوبر 2023
كثر لا يستطيعون اصطحاب أبناءهم إلى المدارس (محمد عبد الغني/ رويترز)
+ الخط -

لم يعد نقل التلاميذ إلى المدارس في الإسكندرية، شمالي مصر، مجرّد مهنة يعمل فيها السائقون فحسب، إذ انخرط كثيرون في هذا المجال الذي تحوّل إلى "بيزنس" مربح. وقد صار كلّ من يملك سيارة متوسطة الحال أو قديمة مرشّحاً لذلك، ومن الممكن أن تجد موظّفاً أو معلّماً ومحامياً أو محاسباً يعملون في مجال نقل التلاميذ، لا سيّما أنّ كثيرين من أولياء الأمور يرون في هذا الأمر مشقّة، نظراً إلى أنّهم يعملون أحياناً في أكثر من وظيفة لتوفير تكاليف الحياة. كذلك، قد يعود الأمر إلى بعد المدرسة عن البيت، ورفض غالبية طلبات أولياء الأمور نقل أبنائهم إلى مؤسسات تربوية أكثر قرباً من أماكن سكنهم.
وبينما تُعَدّ خدمات نقل التلاميذ مريحة لأسر كثيرة، فإنّ انتقادات توجَّه إلى العاملين في هذا المجال بسبب ما يصفه الأهالي بـ"المغالاة" في بدلات النقل وتأثيرها السلبي عليهم. ولأنّ الشركات والأفراد وإدارات المدارس تتنافس على تقديم هذه الخدمات، مع زيادة الطلب عليها، فقد سُجّل ارتفاع ملحوظ في الأسعار في السنوات الأخيرة.
ويشكو أولياء أمور من أنّ الأسعار المرتفعة لخدمات نقل التلاميذ تحمّلهم أعباء مالية كبيرة، خصوصاً بالنسبة إلى الأسر ذات الدخل المحدود. ويقول محمد عبد الرحمن، وهو موظف ووالد تلميذَين في المرحلة الابتدائية، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الزيادة في الأسعار لا تتناسب بطريقة عادلة مع جودة الخدمة المقدّمة، لا سيّما أنّها بسيطة ولا تبرّر التكلفة الباهظة، فالسيارات ليست جديدة ولا مجهّزة بتقنيات أمان". يضيف عبد الرحمن: "نشعر كأهالي أنّ العاملين في مجال نقل التلاميذ يستغلون حاجة الأسر إلى هذه الخدمة، ويرفعون الأسعار بصورة غير مبرّرة"، واصفاً ذلك بأنّه "سلوك غير أخلاقي يؤثّر سلباً على الثقة في ما بيننا وعلى ميزانيات الأسر". ويتابع عبد الرحمن أنّ مدرسة ابنَيه "تقع على بعد ثلاثة شوارع فقط من المنزل، ولا تحتاج إلا إلى خمس دقائق سيراً على الأقدام. وأزمتي الحقيقية تكمن في إعادة الأطفال إلى المنزل، إذ أكون ووالدتهما في العمل حينها".

وإذ يشير عبد الرحمن إلى أنّ السائق طلب أربعة آلاف جنيه مصري (نحو 130 دولاراً أميركياً) للطفل الواحد لقاء هذه الخدمة خلال العام الدراسي"، يقول "لا يمكنني تحمّل تكاليف هذه الخدمة المرتفعة بصورة مستمرّة. فهي تضغط على ميزانيتنا العائلية، وتجعلنا نعاني مالياً". ويكمل: "لا تبرير لهذه الزيادة المفرطة في بدلات نقل التلاميذ، فالخدمة ليست معقّدة ولا تتطلّب ميزانية ضخمة. الأمر هو وسيلة لنقل أطفالنا بأمان إلى المدرسة، ولا يجب أن يكون مجالاً للاستغلال المالي".
بدوره، يقول ناجي محمد، مهندس ووالد ثلاثة تلاميذ في مرحلتَي الابتدائية والروضة، لـ"العربي الجديد"، إنّ "ثمّة ضرورة ملحة لتنظيم هذا القطاع، فإدارات المدارس تستغلّ حاجة الأسر إلى خدمات نقل أطفالها وترفع الأسعار بطريقة جائرة"، مشدّداً على "وجوب وضع حدود وقواعد للتسعير من أجل ضمان حقوق المستهلكين".

ويلفت محمد إلى أنّ "نقل أطفالنا إلى المدرسة أمر ضروري لأسر عديدة، لكنّ الأسعار المرتفعة تجعل ذلك خدمة غير متاحة للجميع". يضيف أنّ "لا بدّ من إيجاد توازن ما بين الجودة والتكلفة. لكنّ المدارس الخاصة تتجاوز هذا التوازن، وتضطرنا إلى اللجوء إلى سائقين مجهولين أسعارهم منخفضة قليلاً، علماً أنّنا لا نطمئنّ على أطفالنا معهم".
في المقابل، يبرّر السائقون وإدارات المدارس ارتفاع أسعار خدمات نقل التلاميذ. فيقول السائق أحمد عيد، الذي يعمل في نقل تلاميذ من منطقة جناكليس شرقي الإسكندرية، لـ"العربي الجديد": "في السنوات الأخيرة، شهدنا زيادة في أسعار الوقود وتكاليف صيانة السيارات، الأمر الذي أدّى إلى ارتفاع تكاليف تشغيلنا. لذلك اضطررنا إلى رفع أسعار الخدمة".
من جهته، يقول سعيد مصطفى، وهو موظف حكومي يعمل في مجال نقل التلاميذ لتحقيق مدخول إضافي، لـ"العربي الجديد": "أشعر بضغط مالي متزايد بسبب ارتفاع الأسعار، لذا بحثت عن فرصة لتحسين دخلي وتلبية احتياجات عائلتي، فوجدت ذلك في مجال نقل التلاميذ". ويبرّر مصطفى ارتفاع أسعار نقل اتلاميذ بارتفاع تكاليف المعيشة والوقود وصيانة السيارة، موضحاً أنّه "صار من الصعب عليّ تلبية الاحتياجات المالية الأساسية، لذلك لجأت إلى زيادة أسعار خدمة النقل".

في سياق متصل، يشير مدير إحدى المدارس الخاصة في منطقة فيكتوريا بالإسكندرية، فضّل عدم الكشف عن هويته، لـ"العربي الجديد"، إلى "تعاون المدرسة مع شركات نقل التلاميذ لضمان وصولهم إلى المدرسة بأمان وفي الوقت المناسب". يضيف: "نعلم أنّ هذه الشركات تواجه تحديات مثل تكاليف السيارات والتأمين والأجور، لذا فإنّ زيادة الأسعار قد تكون ضرورية لتلبية هذه التحديات وضمان استمرارية الخدمة". ويتابع مدير المدرسة نفسه: "نحرص على الإبقاء على تعاون وثيق مع شركات نقل التلاميذ لتوفير خدمة عالية الجودة لهم، وذلك يتطلّب توفير سائقين مدرّبين ومؤهّلين وسيارات آمنة ومجهّزة، الأمر الذي يدفع إلى زيادة الأسعار بسبب التكاليف الإضافية وتحسين جودة الخدمة، فضلاً عن التزامنا بدفع الضرائب بخلاف السائقين غير النظاميين".

المساهمون