بتنا في الآونة الأخيرة نشتهي أن يغطي الغبار سماءنا، كي تتبرد الأجواء، وننعم بشيء من الراحة بعد موجة حرّ غير مسبوقة. وأثبتت الدراسات أن بين فوائد الغبار منع وصول إشعاعات ضارّة، وقتل ميكروبات تتواجد في الهواء، وأيضاً الحدّ من تبخُّر الماء في النباتات.
في مثل هذه الأيام قبل عامين، أرعبت فقاعة الصحراء الأفريقية الأوروبيين، حين ذاب أسفلت الشوارع وسقط قتلى، وبلغت درجات الحرارة مستوى جعل الدوائر الرسمية تغلق المدارس. وتذكرت وسائل الإعلام موجات سابقة شهدت تسجيل ألمانيا 39 درجة مئوية قبل 70 عاماً، علماً أن هذا الرقم أقرب إلى معدل وسطي في شمال السودان منه إلى درجات عالية.
تغلّب أسلافنا على موجات الحرّ بابتكار أساليب تكيُّف مستمدة من معارف محلية، إذ عرفوا أشكال البيوت الدائرية، وتلك المشيّدة من جذوع الأشجار وفروعها، والتي تسمح بمرور الهواء والاحتفاظ بالرطوبة، بينما دأبوا على لبس أقمشة قطنية خفيفة وبيضاء غالباً. أما النشاط الأكثر إيجابية في استراتيجية تغلبهم على الحرّ فتمثل في اهتمامهم بالمساحات الخضراء وزرع أشجار ضخمة في باحات البيوت وحولها.
والآن مع ضعف البنية التحتية في كل مدن البلاد، وعدم القدرة على مواكبة التوسع العمراني الكبير، وخفض توليد الكهرباء، وانقطاع التيار ساعات طويلة، تصاعدت الاحتجاجات هنا وهناك، بينما استخدم البعض مولدات خاصة تفاقم سخونة الجو، مع انتشار التلوّث الضوضائي. ويقارن البعض ما يحدث في الخرطوم بما عرفته مدينة لاغوس النيجيرية من تكدّس بشري، وحرارة في الأجواء، زادها استخدام المولدات.
يرتبط هذا الارتفاع الحاد في درجات الحرارة بالتغيرات المناخية، وتكوُّن المنخفضات الجوية في الصحراء الكبرى إثر التعرّض لإشعاع الشمس الحارق، ويتزامن مع حدوث المنخفض الهندي الموسمي الذي يبدأ في إبريل/نيسان، ويبلغ ذروته في يونيو/حزيران في الصحراء الأفريقية وشبه الجزيرة العربية، مع احتمال أن تمتد آثاره شمالاً حتى أوروبا.
ورغم أن أفريقيا لا تمثل مصدراً رئيساً لانبعاثات الغازات المسبّبة للاحتباس الحراري، لكنها تعد، بحسب الأمم المتحدة، القارة الأكثر عرضة لتأثيرات الظاهرة من موجات حرّ وفيضانات وغيرها. وأفادت دراسة حديثة بأن الحرارة الشديدة تؤثر على الإنتاج والحالة الصحية للأفراد العاملين في بيئات غير مواتية. وقدّرت دراسة أخرى أنه بحلول عام 2050 سيصل عدد المعرّضين سنوياً لدرجة حرارة مميتة إلى 350 مليون شخص من سكان المدن الكبيرة.
وقد انطلقت في نيجيريا حملة لضخ استثمارات كبيرة في مجال موارد الطاقة المتجددة، لمواجهة أزمة انقطاع التيار الكهربائي، وتقليص انبعاثات الكربون. كما انتشرت في بلدان أفريقية عدة حملات تدعو إلى التشجير، وحماية الغطاء النباتي، أحدها "سودان نظيف وأخضر" التي أطلقت خلال احتفالات الجمعية السودانية لحماية البيئة باليوم العالمي للبيئة، في 5 يونيو/حزيران الماضي. فهل ينجح الأمر؟
(متخصص في شؤون البيئة)