نساء مصر... جدل متجدد حول "الخدمة المنزلية"

22 سبتمبر 2022
تجاهل أدوار نساء مصر في الناتج القومي (كارستن كول/Getty)
+ الخط -

تشغل سلسلة من العبارات المطاطة التي تبدأ بأن "المرأة غير ملزمة" الرأي العام المصري في الآونة الأخيرة، ومنها "المرأة غير ملزمة بخدمة زوجها ولا تربية الأبناء"، و"المرأة غير ملزمة بالأعمال المنزلية"، و"المرأة غير ملزمة بإرضاع أبنائها، وإن أرضعتهم تأخذ أجراً".
اشتبكت ناشطات نسويات وحقوقيون وفقهاء في الشرع والقانون مع تلك الجمل المتكررة التي فتحت باب حقوق وواجبات المرأة المتزوجة على مصراعيه. كثير من المواطنين حائر في أسباب هذا الجدل، وقليل منهم يكتفي بالمفاضلة بين عمل المرأة ورعايتها لمنزلها في مقابل ضوابط مشاركة الزوجين في المهام المنزلية، والبعض يناقش المردود الاقتصادي في الناتج القومي. 
البداية كانت من حملة هجوم شرسة نالت نقيبة أطباء القاهرة شيرين غالب، والتي نصحت الطبيبات حديثات التخرج باختيار تخصصات طبية تتلاءم مع طبيعة أدوارهن في الحياة زوجات وأمهات، والوعي بأولويات أدوارهن في الحياة، وعدم التقصير فيها. لكنّ تصريحات غالب، وإن كانت تعبر عن قناعة شخصية من طبيبة تعمل منذ أكثر من 30 عاماً في مجال الطب الشرعي والسموم، لم تأتِ على هوى كثير من النسويات، وعلى رأسهن رئيسة المجلس القومي للمرأة مايا مرسي، والتي ردت عليها قائلة: "كنت أتمنى أن تقف نقيبة أطباء القاهرة قائلة للبنات الخريجات: لقد واجهت صعوبات كثيرة لكي أنجح وأحقق ما ترونه اليوم، وسأعمل على أن أحقق لكم خدمات ورعاية أسرية في كل أماكن العمل لكي تنجحوا في كل الأماكن وفي كل التخصصات. ما واجهته من صعوبات وتحديات للموازنة بين عملي وأسرتي سأعمل على تذليله أمامكم، المهم والأهم أن تساعدوا في بناء وطن يحتاج لكل دقيقة من العمل والعلم والاجتهاد". 
بعدها برز اسم استشارية العلاقات الأسرية هبة قطب على خلفية تصريحاتها لوسائل إعلام محلية، والتي قالت فيها إنه "لا يوجد سند شرعي أو قانوني يجبر المرأة على الالتزام بالطهي لزوجها من دون مشاركة أو تبادل للأدوار".
ثم انتشر تصريح أدلت به المحامية نهاد أبو القمصان، قالت فيه إن "الزوجة غير ملزمة بإرضاع أطفالها أو الطبخ"، ثم كشفت بعد ذلك أنه تصريح قديم تم الزج به في هذا الجدل بعدما أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى قالت فيها إن "الخوض في أحكام الأسرة بغير علم يُشْعِل الفتن، ويُفسد الأسرة، ويعصف باستقرار المُجتمع".
وقال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية عبر حسابه على موقع "فيسبوك"، تعليقًا على الجدل المثار: "جرى العرف على قيام المرأة بخدمة زوجها وأولادها، وهو كالشَّرط المُلزِم، وإرضاع أولادها واجب عليها حال بقاء الزوجية، وتطوّع الرجل بمساعدة زوجته في أعمال المنزل سنةٌ عن الرسول، وإنفاق المرأة على بيتها من مالها الخاص يُعدّ من تعاونها مع زوجها، وحسن عشرتها له، وهو غير واجب عليها".

ووفقاً لمنظمة العمل الدولية، فإن "الخدمة المنزلية" تتمثل في بعض المهام الأكثر شيوعاً، ومنها التنظيف، والطهي، ورعاية الأطفال، وزراعة الحدائق، وقيادة السيارة لأفراد الأسرة.
لكن بعيداً عن السند الديني حول إلزام المرأة بالعمل في بيتها وإرضاع أبنائها وأحقيتها في تقاضي أجر عن ذلك، لم يتطرق أحد للسند القانوني لهذه الفرضية سوى الكاتب الصحافي أحمد النجار، والذي أشار إلى أنه في بعض البلدان الغربية يتم احتساب خدمات ربات البيوت ضمن الناتج المحلي الإجمالي باعتباره جزءاً من قطاع الخدمات، وهذا صحيح علمياً وينطوي على تقدير لدور المرأة في البيت، على حد قوله.
وأوضح أن تلك الخدمات تنحصر في التنظيف، وإعداد الطعام، ورعاية الأطفال ومجمل الخدمات التي ستضطر للحصول عليها بمقابل مادي إذا لم تقم المرأة بها لأسباب تتعلق بالانشغال في العمل على غرار الزوج، لكن تلك الخدمات لا تتضمن الواجبات البيولوجية، مثل الرضاعة، أو العلاقة الإنسانية القائمة على التوافق والتراحم، والاحتياج المتبادل بين كل أفراد الأسرة. 

مقاومة الفقر والظلم المجتمعي أجدى لنساء مصر من الجدل (فايد الجزيري/ Getty)
العمل المنزلي يقدَّر بأقل من قيمته من الناحية الاقتصادية (فايد الجزيري/Getty)

وأضاف النجار، مشتبكاً مع هذا الجدل: "لكن الجهل وتفاهة الرغبة في المزايدة الحقوقية النسوية تدفع البعض إلى اختراع أشياء سمجة لا يدعو إليها حتى الممولون في الغرب، والذين يسعى البعض إلى نيل إعجابهم فضلاً عن تمويلهم"، وإنه إمعاناً في فك تشابك ​​العلاقة بين العمل المنزلي والنوع الاجتماعي والطابع غير الرسمي، فإن العمل المنزلي يقدَّر بأقل من قيمته من الناحية الاقتصادية، وأجره ضعيف من ناحية المال، حتى في الدول التي تقدره، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى حقيقة أنه، بالإضافة إلى غلبة الإناث فيه، مشابه في طبيعته للعمل الرعائي غير المأجور الذي تؤديه النساء في بيوتهن، ومن ثم فهو نوع من العمل الخاص بالإناث، ولا يُعترف به كعمل. 
ونشر مشروع "حلول للسياسات البديلة"، التابع للجامعة الأميركية بالقاهرة، دراسة أعدتها الباحثة المستقلة ندى وهبة، وهي حاصلة على الماجستير في علم الأجناس من جامعة الدراسات الشرقية والأفريقية بلندن، تشير فيها إلى أنه يُنظر إلى عمل الرعاية على مر التاريخ على أنه "عمل بدافع الحب"، لا سيما عندما يتم في المساحة الشخصية الخاصة داخل المنزل، ومن ثم لا يظهر هذا العمل على المستوى المرئي، وعلى الرغم من أنه لا يُعترَف بقيمة هذا العمل الإنتاجية، ومساهمته في الاقتصاد فإنه "العمل الذي يجعل جميع الأعمال الأخرى ممكنة". 
وتشير الدراسة ذاتها إلى أنه "بدلاً من أن يتمّ التعامل معها على أنها مسؤولية مشتركة في سبيل الاعتراف بدورها في الاقتصاد، فإن أعمال الرعاية المنزلية إمّا أن تتحمّلها النساء بشكلٍ غير متناسبٍ على هيئة عمل غير مدفوع الأجر، أو يتم إسنادها إلى نساء من ذوات الدخل المنخفض، أو الفئات المهمّشة الأخرى التي تؤدّي أعمال الخدمة المنزلية مقابل أجر، ويحدث ذلك في كثيرٍ من الأحيان ضمن ظروف قاسية". 

الجريمة والعقاب
التحديثات الحية

وفي مصر، تستبعد المادة 4 من قانون العمل الصادر سنة 2013، أعمال الخدمة المنزلية من نطاقها التنظيمي، وتُفرد هؤلاء العمال باعتبارهم "استثناء" بسبب "العلاقات القوية التي تنمو بين الخادم وصاحب العمل، وسعياً لوضع إطارٍ لهذه العلاقة على أنها رابط خاص بدلاً من علاقة عمل تقليدية"، كما يلمح القانون إلى أن الخدمة المنزلية ليست "عملاً لائقاً". 
كما لا يغطي مشروع قانون العمل الجديد، وهو قيد المناقشة حالياً في البرلمان، عمال الخدمة المنزلية، لكن تم تقديم مشروع قانون منفصل ينظم العمل في الخدمة المنزلية إلى البرلمان في مارس/ آذار 2021، وفي حال الموافقة عليه، ستكون هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها الاعتراف بأعمال الخدمة المنزلية بوصفها عملاً خاضعاً للوائح وقوانين الدولة، بعد عقد من اتفاقية منظمة العمل الدولية (C189) التي وضعت العمل في الخدمة المنزلية على قدم المساواة مع جميع أشكال العمل بأجر الأخرى، ومنحت عمال الخدمة المنزلية الحقوق نفسها التي يحصل عليها جميع العمال الآخرين. 

المساهمون