كشفت أرقام صادرة عن المرصد الوطني لمناهضة العنف ضد المرأة في تونس أنّ العنف المسلط على النساء يواصل منحاه التصاعدي، على الرغم من كلّ محاولات كبحه، وقد سجّلت البلاد في عام 2023 زيادة قدرها ألف حالة عنف مبلّغ عنها مقارنة بعام 2022.
وأفادت المديرة العامة للمرصد سعاد البكري، أمس الاثنين، في تصريحات إعلامية بأنّ "الخط الأخضر المخصّص للإنصات وإرشاد النساء ضحايا العنف وتوعيتهنّ حول حقوقهنّ تلقّى سنة 2023 نحو 17 ألف مكالمة (اتصال هاتفي)، من بينها نحو 8500 مكالمة في مجال العنف ضد المرأة".
وأضافت البكري أنّ "قرابة 2900 امرأة أعلمن بتعرّضهنّ للعنف، وأنّ هذا العدد في طور التصاعد، بما أنّه كان 1900 في سنة 2022".
وبينّت مديرة المرصد أنّ العنف مسلّط على كلّ الفئات العمرية، مشيرة إلى أنّ "العاطلات من العمل أكثر عرضة للعنف الاقتصادي بنسبة 40 في المائة".
وتابعت البكري أن "70 في المائة من النساء يتعرّضنَ للعنف اللفظي"، موضحةً أنّ "الزوج أو الشريك يتصدّر قائمة القائمين بالعنف بنسبة 77.9 في المائة".
وترى المنظمات المدنية الناشطة في مجال مكافحة العنف ضد المرأة أنّ الأرقام الرسمية عن تصاعد الحالات المرصودة سنوياً يكشف فشلاً كبيراً في السياسات العامة وتطبيق القانون الذي يحمي النساء من كلّ أشكال العنف ويحوّلهنّ إلى فئة هشّة.
من جهتها، قالت الباحثة التونسية في السياسات الجندرية فريال جرادي لـ"العربي الجديد" إنّ "الأرقام التي كشف عنها المرصد الوطني لمناهضة العنف ضد المرأة هي المرآة العاكسة لواقع أكثر قتامة، إذ إنّ عدد الحالات التي لا تُرصَد أكبر بكثير".
وأوضحت جرادي أنّ "الإقرار بفشل تطبيق قانون مكافحة العنف ضد المرأة صار أمراً حتمياً بعد أكثر من سبعة أعوام من إقراره"، متوقّعةً أنّ "تكون الأعوام المقبلة أعنف، في غياب ثقافة لدى الناشئة تجرّم الاعتداء على النساء".
أضافت الباحثة أنّ "اعتماد القانون 58 المصدّق عليه في عام 2017 كان إنجازاً مهماً تحقّق بعد نضال طويل في تونس لمكافحة العنف ضد المرأة. وبعد مرور نحو سبعة أعوام، ما زالت نساء عديدات يتعرّضنَ لانتهاكات جسيمة على يد أزواجهنّ وأفراد الأسرة الآخرين تصل إلى حدّ القتل، فيما يُحرمنَ من الحماية والمساعدة المستحقّتَين لهنّ من قبل السلطات".
وأكدت جرادي أنّ "السلطات لم تستجب أو تحقّق أو توفّر بطريقة منهجية الحماية للنساء اللواتي يبلّغنَ عن حالة عنف. كذلك ترك نقص تمويل خدمات الدعم، من قبيل مراكز الإيواء، ضحايا كثيرات من دون مكان يهربنَ إليه".
ولفتت جرادي إلى أنّ "النساء خارج مدن تونس ومناطقها الحضرية لسنَ على دراية بالتدابير والخدمات المتاحة لحمايتهنّ من العنف بموجب القانون رقم 58، ويعود ذلك جزئياً إلى عدم كفاية حملات التوعية".
وبيّنت جرادي أنّ "تعثّر تطبيق تدابير القانون تشمل أقسام الشرطة التي تتلقّى تبليغات النساء ضحايا العنف، وكذلك المحاكم، فضلاً عن عدم كفاية دور رعاية النساء وإيوائهنّ، هؤلاء اللواتي منحهنّ القانون حقّ الإيواء بهدف الحماية".
ويحقّ للمرأة بموجب القانون رقم 58 التقدّم بطلب للحصول على إجراءات حماية مؤقتة، يمكن للشرطة طلبها من النيابة، بالإضافة إلى أوامر حماية طويلة المدى يُمكن للمحاكم إصدارها من دون حاجة الضحية إلى رفع دعوى جنائية أو طلب الطلاق.
كذلك يسمح هذا القانون للسلطات في تونس بمنع المعتدين المزعومين من الاقتراب من الضحايا وأطفالهنّ، الأمر الذي يمنح الضحايا الحماية في منازلهنّ حتى يتّخذنَ قرارهنّ بشأن الخطوات التالية. مع ذلك، لا يبدو أنّ السلطات تصدر هذه الأوامر على نطاق واسع.
ويكفل القانون رقم 58 للضحايا حقّ الحصول على الدعم الطبي والنفسي والمتابعة، على الرغم من أنّ الشهادات الطبية تصدر في معظم مناطق تونس من دون مقابل. ويمكن لرسوم الفحوصات الطبية الإضافية، ومعها تكاليف النقل، أن تردع ضحايا العنف الأسري.