واجهت المرأة اليمنيّة تحديات كثيرة خلال سنوات الحرب. وفقدت آلاف العائلات معيلها الوحيد أو مصدر دخلها، الأمر الذي اضطر كثيرات إلى تحمل أعباء إضافية والبحث عن فرص عمل لكسب لقمة العيش وإعالة أسرهن. ونجحت آلاف اليمنيات في خلق تجارب ملهمة في الصمود وتحدي الظروف القاهرة والمحافظة على تماسك الأسر من خلال الانخراط في سوق العمل، واقتحام مهن ظلت طيلة عقود محصورة بالرجال. وما زال اليمن مجتمعاً تقليدياً يهيمن عليه الرجال، واحتلّ المرتبة 160 من أصل 189 في مؤشر عدم المساواة القائمة بين الجنسين العام الماضي، وفقاً لهيئة الأمم المتحدة للمرأة. لكن صراع البقاء أجبر النساء على تجاوز كافة الخطوط الحمراء.
ومنذ ما قبل الحرب، كان وضع النساء صعباً للغاية، لكن الأمور تدهورت بشكل أكبر خلال السنوات السبع الماضية، بعدما وجدت 60 ألف امرأة فقدن أزواجهن أنفسهن المعيلات الوحيدات لأطفالهن. وبحسب تقرير أممي، يبلغ عدد الأسر التي تعيلها نساء على مستوى اليمن 417 ألف أسرة، وتبدو الأرياف الأكثر تضرراً، كونها الخزان البشري للمقاتلين في ظل اعتماد أطراف النزاع على المناطق النائية والقبلية بدرجة رئيسية في القتال.
ويؤكّد مصدر محلي لـ "العربي الجديد" أنّ بعض القرى الصغيرة في مديرية بني حشيش في محافظة صنعاء فقدت رجالها بشكل كامل، بالإضافة إلى بلدات في محافظتي عمران وذمار، حيث جيل كامل من اليتامى مهدد بالمجاعة. ووفقاً لتقرير حديث صادر عن وزارة التخطيط اليمنية، ترتفع نسبة الفقر لدى الأسر الريفية التي تترأسها نساء إلى 72 في المائة مقارنة بـ22 في المائة في المناطق الحضرية.
رحلة كفاح
وسط هذه الظروف الصعبة واتساع رقعة الفقر إلى نحو 80 في المائة من السكان، لم يكن أمام اليمنيات اللواتي تحمّلن مسؤولية أسرهن خلال الحرب، ومنهن أم نجيب، سوى الخروج إلى العمل لكسب العيش وخوض تجارب عدة. وتمكنت بعض النساء من إعادة اكتشاف أنفسهن وتسويق منتجاتهن لجمهور أوسع، وقد اتجه البعض لصناعة البخور والأكلات الشعبية والشطائر المحلاة وغيرها، فيما قررت أخريات العمل في التجارة من خلال إقامة مشاريع صغيرة تدعمها منظمات دولية. وكما هو الحال مع مئات اليمنيات، استثمرت أم نجيب خبراتها في إعداد المعجنات، وتمكنت من إعالة أطفالها الخمسة. وكانت تبيع ما تصنعه في سوق شعبي بمدينة تعز، ثم انتقلت إلى تسويقها على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتقول أم نجيب لـ"العربي الجديد" إن "موقع فيسبوك جعلها تكسب جمهوراً أوسع في أحياء متعددة من المدينة، حيث تصل إليها الطلبات بشكل يومي". وعلى الرغم من انعدام الخدمات، وخصوصاً غاز الطهي المنزلي، إلا أن أم نجيب تشعر بسعادة غامرة كونها استطاعت إعالة أسرتها وتعليم أطفالها الذين يحرصون على مساعدتها في التسويق وتلبية طلبات الزبائن اليومية.
ولم يكن أمام الكثير من النساء، وخصوصاً الطاعنات في السن، سوى النزول إلى الشارع وبيع منتجاتهن في الأسواق الشعبية. ويضم السوق المركزي في مدينة تعز عشرات النساء اللواتي تخصصن في بيع منتجات معينة؛ ففي حين تنفرد النساء القادمات من جبل صبر بالزي الشعبي ببيع الفاكهة والنباتات الطبيعية، تخصصت أخريات في بيع الأكلات الشعبية ومنتجات الألبان الطبيعية والبيض.
وفي ممر طويل محاذ لمبنى مكتب الأشغال العامة والطرق في مدينة تعز، تحرص نساء، وعلى رأسهن الحاجة حُسن، على حجز أماكن لهن كل صباح، ثم يغادرن ظهراً بعد نفاد منتجاتهن. وتعد الحاجة حُسن جزءاً أساسياً من الأسواق الشعبية في تعز منذ سنوات طويلة قبل أن تسوء حالتها الصحية مؤخراً. وتقول لـ"العربي الجديد" إنّه "قبل انتقالها إلى موقعها الجديد كانت تبيع الفاكهة والخضار ومشتقات ألبان الأبقار إلى جوار الباب الكبير، مدخل مدينة تعز القديمة".
قفزة ما بعد الحرب
أثمر الاهتمام الكبير من الهيئات الدولية والمنظّمات الأممية بشريحة النساء في تخفيف العبء الملقى على عاتقهن خلال سنوات الحرب، وخصوصاً بعد تخصيص جزء من تعهدات المانحين لدعم وتأهيل النساء ليصبحن جزءاً من سوق العمل.
وانعكس حرص المجتمع الدولي على مسألة المساواة بين الجنسين في مكان العمل بظهور جيل جديد من النساء والفتيات الطموحات الراغبات في التحول إلى سيدات أعمال، وقد حصلن على مبالغ مالية عبر مؤسسة تمويل المنشآت الصغيرة، تصل إلى 15 ألف دولار، من أجل مساعدتهن على فتح مشاريع خاصة. وبالفعل، شهدت مدينة تعز وعدد من المدن اليمنية ظهور مشاريع اقتصادية نسائية، منها افتتاح مقاه ومعامل خياطة ومحال للتصوير الفوتوغرافي والتجميل وغير ذلك.
وأعلن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أنه قدّم خلال عام 2021 فرص عمل فورية لأكثر من 5900 امرأة يمنية، فيما حصلت أكثر من 1200 امرأة على منح صغيرة لإنشاء أو تنمية مشاريعهن الصغيرة. كما فتحت المنظمات الدولية آفاقاً جديدة أمام المرأة اليمنية، وحصلت أكثر من 300 إمرأة في عدد من المحافظات على فرص لتطوير مهاراتهن في صناعة الأغذية والمنسوجات وتصليح السيارات والنجارة وصيانة الهواتف المحمولة والأجهزة الكهربائية، وهي مهن كانت محصورة بالرجال فقط.
ويرى رئيس منظمة "شباب بلا حدود" ماجد ثابت أن الحرب وضعت المرأة في موقف صعب، ولم يكن أمامها سوى تمكين نفسها لتحمل أعباء الأسرة. ويقول لـ"العربي الجديد": "دور المرأة أصبح رئيسياً بالمقارنة مع فترة ما قبل الحرب، وخصوصاً في المجتمعات المنغلقة في محافظتي صنعاء وإب، حيث أصبحت كثيرات مسؤولات عن إعالة أسرهن بعدما خسر رجال كثيرين مصدر دخلهم خلال الحرب، فيما أصيب آخرون أو قتلوا".
ويشير ثابت إلى أن منظمات المجتمع المدني ساهمت بشكل فاعل في التحول الحاصل، من خلال تمسكها بتحقيق المساواة الجندرية وتخصيص الكثير من البرامج لتنمية القدرات وتمكين الأسر اقتصادياً. يضيف: "لدينا في تعز مركز لدعم الأسر المنتجة. وفي مأرب، لدينا مشروع يستهدف 500 امرأة لتدريبهن على إدارة المشاريع وتسويق الحرف اليدوية التي تدربن على صناعتها".