ظروف العيش القاسية التي واجهت النازحين العراقيين بدءاً من سيطرة تنظيم "داعش" على منازلهم، ثم عيشهم في مخيمات طوال سنوات، أضيف إليها فصل جديد الآن مع إجبارهم على المغادرة من دون توفير البديل
تواجه وزارة الهجرة العراقية اتهامات جديدة من منظمات حقوقية وأخرى محلية، بالإضافة إلى سياسيين وأعضاء في مجلس النواب (البرلمان) بعد بدء عمليات إغلاق إجبارية لعدد من مخيمات النازحين، مع إلزام من فيها بالمغادرة من دون تأمين بدائل لهم. ويقدّر عدد النازحين هؤلاء بعشرات الآلاف، بحسب المرصد العراقي لحقوق الإنسان، فيما غالبية مساكنهم الأصلية مدمرة بفعل الحرب التي قادتها القوات الحكومية ضد تنظيم "داعش"، ولم تتمكن السلطات من إعادة ترميمها، وهو ما خلق حالة نزوح جديدة، تتمثل بالخروج من المخيمات نحو المجهول.
في هذا الإطار، يؤكد مدير المرصد العراقي لحقوق الإنسان، مصطفى سعدون، أنّ "هناك أكثر من عشرة مخيمات جرى إغلاقها قسراً خلال الفترة الماضية، وهي عملية متسرعة من قبل الحكومة العراقية التي تريد أن تحصد إنجازات وهمية، وإن كانت هذه الإنجازات على حساب العراقيين، بعدما فشلت حكومات حيدر العبادي وعادل عبد المهدي ومصطفى الكاظمي، من حسم ملف النازحين بما يخدم المتضررين منه". يشير في اتصال مع "العربي الجديد" إلى أنّه "لا يوجد ما يمكن أن يساعد النازحين على العودة إلى مناطقهم، لا سيما أنّ بعضها مدمر وبعضها الآخر بات بلا معالم، والأخطر هو ملف الصراعات والخلافات بين عشائر معينة وعائلات نازحة، إذ تمنع العشائر النازحين من العودة، وهو ما قد يؤدي إلى اقتتال جديد يؤدي إلى مقتل أبرياء". يردف أنّ "الاقتتال بين أهالي المنطقة الواحدة، من عشائر ومتضررين من داعش، ونازحين، هو أمر وارد، وقد حصل بالفعل، إذ أقدمت بعض الأسر على الاعتداء على نازحين عادوا إلى الشرقاط، بمحافظة صلاح الدين، وحصلت خلافات أدت إلى تفاقم أزمة النزوح". ويعتبر أنّ "حلّ أزمة النازحين يتطلب حلّ أزمات عدة، من بينها معالجة الفساد الإداري والمالي الذي زُجّ في الملف، لا سيما أنّ عشرات الآلاف من النازحين مجهولو المصير بعد إغلاق مخيماتهم".
وكان رئيس الحكومة، مصطفى الكاظمي، قد وجه شخصياً، بإغلاق مخيمات النازحين، في بادرة لإنهاء الملف الذي لم تتمكن حكومتا حيدر العبادي وعادل عبد المهدي، من إقفاله. وحظي هذا القرار بمباركة غالبية القوى السياسية التي تمتلك فصائل مسلحة تسيطر على المدن المحررة من تنظيم "داعش" لكنّ سياسيين ومنظمات حقوقية وإنسانية حذرت من هذا الإغلاق، ومنها منظمة "هيومن رايتس ووتش" التي اعتبرت في بيان أنّ عمليات إغلاق مخيمات النازحين في العراق من دون إعطاء مهل كافية، تؤدي ببعض سكان هذه المخيّمات إلى "التشرد والفقر"، لافتة إلى أنّ "على السلطات إعطاء حرية التنقل لسكان المخيمات التي كانت أحياناً بمثابة سجون في الهواء الطلق". تابعت أنّه "ينبغي ألاّ تُجبِر السلطات في العراق سكان المخيمات على الخروج من دون أن تكفل أولاً سبل بديلة للحصول على المأوى والغذاء والماء والرعاية الصحية وغيرها من الخدمات الأساسية في بيئة تتسم بالأمن والسلامة، بالإضافة إلى ضرورة إعادة إدماج العائلات التي قضت سنوات في المخيمات في المجتمع العراقي لتتمكن من بدء حياة طبيعية هي خطوة إيجابية، لكن النهج الحالي المتمثل في إجبار الأشخاص على الخروج من المخيمات التي وفرت لهم الطعام والمأوى والأمن لسنوات، بمهلة أقل من 24 ساعة غالباً، سيزيد من ضعفهم"، فيما تساءلت "كيف أن السلطات العراقية اتخذت قرارات بشأن المكان الذي يمكن أن تعيش فيها تلك العائلات من دون التشاور معها كما ينبغي، وقررت إما ترك العائلات في المنطقة التي فروا منها أو نقلها إلى مخيم آخر أو إجبارها على العودة إلى المناطق التي توجد فيها منازلها. وحتى الآن، لم تنظر الحكومة في الوضع الخاص لكلّ أسرة ونقاط ضعفها قبل طردها من المخيمات".
وبتواصل "العربي الجديد" مع مسؤول في وزارة الهجرة والمهجرين العراقية، يقول إنّ "الوزارة تعلم بما يدور في الإعلام وحجم الانتقادات التي وصلت إلينا بعد التوجيهات التي نفذتها فرقنا في إغلاق أكثر من 20 مخيماً، لكنّ هذه توجيهات الكاظمي (رئيس الحكومة) وفريقه، ونحن نفذنا ما أمر به". يؤكد أنّ "فريقاً استشارياً من وزارة الهجرة خاطب الكاظمي، بأنّ هناك تحديات كبيرة ستواجه النازحين في حال إجبارهم على الخروج من المخيمات، وقد اقترحنا نقل بعض المخيمات من خارج المدن إلى مدن النازحين الأصلية، بعد فرزهم بحسب مناطقهم، لكنّ الكاظمي لم يجب على أيّ مقترحات من الوزارة، وكان هناك تأثير حزبي كبير على الوزارة، وبالتالي لم يكن بأيدينا غير التنفيذ". ولا يجيب المصدر عن سؤال "العربي الجديد" حول أسماء الأحزاب التي تتدخل في عمل وزارة الهجرة، لكنّه يقول إنّ "التأثيرات كبيرة، وهناك جهات مسلحة وأخرى نافذة في القرار العراقي، تريد إنهاء ملف النازحين ومنع أيّ حديثٍ عنه في الانتخابات المقبلة، كما أنّ بعض هذه الجهات تريد السيطرة على الأراضي التي تقوم عليها المخيمات، وأخرى تريد تغييراً ديموغرافياً في بلدات تتبع المدن المحررة". ويشير إلى أنّ "ملف النازحين معقد، وقد حوّلته بعض القوى السياسية المسلحة إلى أداة للتصفيات والإسقاط السياسي والتحدي مع الآخرين، فيما النازحون وحدهم هم المتضررون من كلّ ذلك".
من جهته، يكشف عضو لجنة الهجرة في البرلمان العراقي ماجد شنكالي، أنّ "وزارة الهجرة حين اتخذت قرار إجبار النازحين على الخروج من المخيمات، كان عليها أن تسبق قرارها بأكثر من اجتماع لوضع تحضيرات أو معالجات لما بعد عودة النازحين إلى مدنهم الأصلية، وكان عليها بحث ملف إيجاد منازل لهم، لا سيما أنّ غالبية منازلهم مهدمة بفعل الحرب على "داعش" بالإضافة إلى التأكد من توفير الأمن في مناطقهم، وعدم دفعهم إلى مواجهة الفصائل المسلحة والميليشيات، وتعريضهم إلى مجازر جديدة مثل التي وقعت في بلدة الفرحاتية في محافظة صلاح الدين، حين أقدمت جماعة مسلحة على إعدام عدد من المواطنين. يؤكد شنكالي لـ"العربي الجديد" أنّ "هناك مناطق عدة تشهد اضطراباً أمنياً وعدم استقرار سياسي، مثل سنجار التابعة لمحافظة نينوى، إذ تسيطر عليها ميليشيات لا تخضع للدولة، ولا بدّ من حلّ مشاكلها قبل إجبار النازحين على العودة إليها، ومثلها بلدة جرف الصخر، في محافظة بابل، ولذلك فإنّ وزارة الهجرة تسرعت في قرارها الأخير". ينتقد في الوقت نفسه لجنته البرلمانية (لجنة الهجرة) كونها "لم تتحدث عن الإجراءات التعسفية بحق النازحين العراقيين، فهي مثل الحكومة تريد إنهاء ملف النازحين على الورق فقط، لكن في الحقيقة، هناك أزمة إنسانية مرتقبة" بحسب قوله.
بدوره، يقول الناشط العراقي في شؤون النازحين، محمد جدوع الجنابي، إنّ "بعض النازحين استوطنوا في مناطق المخيمات، وباتوا يرفضون العودة إلى مناطقهم حتى مع توفر الأجواء الآمنة لعودتهم إلى منازلهم الأصلية، وليس أمام الحكومة إلاّ خيار إغلاق ملفهم وإخراجهم من المخيمات، لكنّ الغالبية العظمى من النازحين، هم حالياً أمام مصير مجهول، لا سيما النازحين من المدن التي باتت منكوبة وبلا أيّ خدمات، وأخرى تسيطر عليها الجماعات المسلحة، مثل بلدة جرف الصخر". يتابع لـ"العربي الجديد" أنّ "إغلاق المخيمات أدى إلى موجة ثانية من نزوح النازحين إلى مناطق جديدة هذه المرة، لأنّ مناطقهم الأصلية تفتقر إلى أيّ مقومات للحياة". ويلفت إلى أنّ "غالبية النازحين الذي اضطروا إلى الخروج من المخيمات التي أغلقت أبوابها استأجروا منازل في مناطق غير مدنهم الأصلية". ويؤكد أنّ "على الحكومة العراقية أن تجيب على سلسلة من التساؤلات، وأبرزها: هل تابعت النازحين بعد خروجهم من المخيمات؟ وهل عملت على تصفير مشاكلهم العشائرية والاجتماعية في مناطقهم الأصلية؟ وهل وفرت لهم الحماية؟ وهل ساعدتهم في الحصول على أوراق ثبوتية، خصوصاً أنّ معظهم ضاع كلّ ما يملكون من وثائق ومستندات وغيرها خلال هجوم داعش على مناطقهم؟". يتابع أنّ "أبرز ما يواجه النازحين بعد خروجهم من المخيمات، هي المشاكل المجتمعية في مدنهم الأصلية، خصوصاً ملف الاتهام بالانتماء إلى داعش، وهذا الملف من أخطر المشاكل التي قد تحدث" مشيراً إلى أنّ "الدوائر الحكومية في العراق، تعاني من البيروقراطية وبسببها يتأخر النازحون في الحصول على أيّ أوراق ثبوتية تؤكد عدم انتماء أحدهم إلى التنظيم الإرهابي، أو على الأقل الحصول على هويات مدنية جديدة".