استمع إلى الملخص
- تواجه العائلات صعوبات كبيرة في العثور على مأوى مناسب، حيث يضطرون للمبيت في الشوارع أو خيام مؤقتة تفتقر لمقومات الحياة الأساسية، ويعتمدون على المساعدات الغذائية الخيرية.
- يعاني النازحون من إصابات جسدية ونفسية، مثل عماد صبح الذي أصيب بجروح خطيرة ويعتمد على جمع أكياس النايلون للتدفئة، مما يزيد من معاناته اليومية.
تضطر مئات العائلات الفلسطينية التي نزحت من مناطق شمالي قطاع غزة إلى وسط مدينة غزة وغربها إلى المبيت في العراء رغم البرد القارس بعدما تقطعت بأفرادها السُبل وأصبحوا بلا مأوى في أعقاب العملية العسكرية الإسرائيلية المتواصلة منذ الخامس من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، والتي أدت إلى تدمير المناطق الشمالية وتهجير سكانها.
ويطبق الاحتلال حصاره على مخيم جباليا وبلدة بيت لاهيا ومشروعها وبيت حانون منذ أكثر من 80 يوماً، ويواصل ارتكاب أبشع المجازر بحق مئات العائلات، ما خلف أكثر من 4200 شهيد وآلاف الجرحى، إضافة إلى نسف وحرق مئات المنازل والمنشآت الخدمية، وآخرها مستشفى كمال عدوان.
ويطالب هؤلاء النازحون الجدد الذين أجبرهم جيش الاحتلال على ترك منازلهم أو مراكز النزوح التي كانت تؤويهم بضرورة توفير خيام تؤوي عائلاتهم، خاصة في ظل أجواء الشتاء الباردة.
نزحت سهام أبو سمرة قبل أسبوعين من مدرسة أبو تمام في بيت لاهيا، بعدما طالبت طائرات مُسيرة من نوع "كواد كابتر" عبر مكبرات الصوت بضرورة الإخلاء الفوري للمدرسة بذريعة أنها "منطقة قتال خطيرة". أخذت أبو سمرة أطفالها الأربعة وانتقلت إلى منطقة "اليرموك" في وسط مدينة غزة من دون أن تحمل معها أي ملابس أو أغطية تقيها هي وأطفالها من البرد القارس، في حين أجبر زوجها الذي أُصيب برصاص الاحتلال على البقاء في المدرسة، وحين وصلت إلى مدينة غزة لم تجد مكاناً يؤوي أسرتها، فاضطرت إلى المبيت في الشارع.
تقول أبو سمرة لـ"العربي الجديد": "قضينا الليلة الأولى في الشارع بين سيارتين على قارعة الطريق، على أمل أن نجد في اليوم التالي أي مأوى، لكن سرعان ما تبدد هذا الأمل. نقضي النهار بين الخيام والسيارات، وفي الليل أغطي أطفالي بملابسي على أمل توفير الدفء لهم. في الليالي الباردة نضطر للمبيت عند عائلة نازحة وافقت على استضافتنا في خيمتها المنصوبة على حافة الطريق قرب مفترق السرايا، وتضاعفت أزمتنا بعدما علمت باعتقال جيش الاحتلال زوجي أثناء محاولته النزوح للحاق بنا. أصبحت بلا مأوى، وبلا زوج يُعينني في حمل أعباء الحياة، وأعتمد على تكيّات الطعام الخيرية لسد جوع أطفالي يومياً".
إلى جانب أبو سمرة تجلس النازحة اعتدال سلمان على قارعة الطريق أيضاً، وقد نزحت من بلدة بيت حانون قبل عدة أيام، ولم تجد مكاناً يؤويها مع أطفالها الستة، فقررت البقاء خلف شادر قصير نصبته على حافة الشارع في سبيل توفير القليل من الدفء، إلى حين توفير خيمة مناسبة تؤوي العائلة.
تقول اعتدال، التي استشهد زوجها خلال العدوان، لـ"العربي الجديد": "نزحنا من دون اصطحاب أي مستلزمات، سواء الملابس أو الأغطية، بفعل شدة القصف. تتضاعف المعاناة في ظل عدم القدرة على توفير مأوى، كما نعاني لتوفير الطعام والشراب يومياً، ونعتمد بشكل أساسي على تكيّات الطعام. مخاوفي تزداد يوماً بعد آخر، خشية تعرض أطفالي لحوادث السير في المنطقة المكتظة بالنازحين والسيارات والعربات التي تجرها الدواب والدراجات الهوائية".
تتجرع سحر مسلم كأس المعاناة ذاته، إذ تعيش على قارعة الطريق بالقرب من ملعب "اليرموك" في وسط مدينة غزة، بعدما لم تجد مكاناً بداخله بسبب شدة اكتظاظه بالنازحين، وتقول لـ"العربي الجديد": "نزحت مع أطفالي من بلدة بيت لاهيا قبل 15 يوماً، وحين وصلنا إلى ملعب اليرموك الذي تحوّل إلى مخيم نزوح، فوجئت بعدم وجود مكان لنا، فاضطررنا للمبيت بين الخيام المنتشرة خارج الملعب. الطقس بارد ولا يتحمله أطفالي، ونضطر إلى النوم في خيمة تضم أربع عائلات، ولا يتوفر فيها أي من مقومات الحياة أو الاستقرار، وينام كل ثمانية أفراد على فرشتين".
تضيف مسلم: "عادة ما يكرر أحد أطفالي القول إنه يشعر بالبرد، لكني لا أملك فعل شيء، وأردد دائماً إن شاء الله تفرج علينا قريباً. أحد أطفالي الصغار يعاني من تبول لاإرادي، وتتفاقم معاناته كلما اشتدت الأجواء برودة، كما أنني أعتني بزوجي الذي يعاني من إعاقة دائمة ألزمته البقاء على كرسي متحرك، وهو أيضاً لا يتحمل الأجواء الباردة، ولا أملك سوى محاولة توفير بعض الأغطية من العائلات التي تعيش في الخيام الممتدة على قارعة الطريق".
نزح عماد صبح من بيت لاهيا قبل أكثر من 50 يوماً، ولم يجد مكاناً داخل ملعب اليرموك نتيجة اكتظاظه الشديد بالخيام التي تؤوي مئات العائلات النازحة من شمالي القطاع. وحين أصبحت الخيارات محدودة، اضطر إلى نصب أربعة أعواد من الخشب، وغطاها بقطع من القماش البالي فوق سطح أحد المنازل المدمرة المجاورة للملعب، في محاولة منه لحماية عائلته من البرد.
أصيب صبح في أكتوبر 2023، بطلق ناري متفجر في الظهر، أدى إلى تهتك أجزاء من الأمعاء والمعدة قبل خروجه من البطن، وذلك خلال استهداف الاحتلال مدرسة الفاخورة بمخيم جباليا، والتي نزح إليها في بداية العدوان، كما أُصيب برصاصة أخرى في قدمه اليسرى أدت إلى قطع أحد شرايين الفخذ، ويقول إنه يعاني من آلام شديدة من جراء إصابته خلال مبيته في العراء مع أسرته المكونة من سبعة أفراد، وعائلة نجله التي تتكون من سبعة أفراد أيضاً.
يضيف متحدثاً لـ"العربي الجديد": "أنام في الشارع، وأعيش وضعاً مأساوياً، ولا أملك أموالاً تمكنني من شراء ما يلزم عائلتي، وأعتمد بشكل أساسي على تناول طعام التكيّات، وهو العدس والأرز والمعكرونة. أخرج في كل صباح لجمع أكياس النايلون من أكوام القمامة من أجل استخدامها لإشعال النار، إذ لا أستطيع شراء الحطب بفعل تعطلي عن العمل منذ بداية الحرب، وإصابتي التي جعلتني غير قادر على العمل".