مُثلّث الاقتصاد الأردني

03 ديسمبر 2014
التنوع الاقتصادي حاجة حتمية(صالح ملكاوي/getty)
+ الخط -
يعتمد الاقتصاد الوطني في أي بلد في العالم، ثلاث ركائز أساسية، تماماً كما ‏يعتمد المثلث في ثباته على متانة أضلاعه الثلاثة وصلابتها. ‏وللمقاربة الاقتصادية، فإن ميزان التبادل التجاري هو بمثابة الضلع-القاعدة الذي ‏يرتكز عليها مثلث الاقتصاد، في حين تُشكّل الموازنة العامة وحجم المديونية ‏الدعامتين المساندتين لهُ. وأي تصدُّع وتشقُّق يصيبان قاعدة المثلث (الميزان ‏التجاري)، فإنهما سيهددان سلامة البناء الاقتصادي الوطني، وربما يؤديان إلى ‏انهياره إذا استمر الوضع على ما هو عليه. ‏

اداء سلبي 
وقد أظهرت البيانات الاقتصادية الرسمية الأخيرة أن المثلث الاقتصادي في الأردن ‏في حاجة ماسة إلى دعائم صلبة نظيفة من الشوائب، كي يبقى البناء متماسكا مهما ‏تغيرت الظروف الاقتصادية، حيث واصل الأداء الاقتصادي منحناه السلبي، متأثراً ‏بتزايد قيمة العجز التجاري خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي، والذي بلغ ‏‎6.8‎‏ مليارات دينار (‏‎9.6‎‏ مليارات دولار)، مرتفعاً ما نسبته 4.1% مقارنة بنفس الفترة ‏من عام 2013‏‎.‎
وبحسب بيانات دائرة الإحصاءات العامة الحكومية، فقد جاء هذا الارتفاع في ‏العجز التجاري رغم تحسن الصادرات الأردنية التي ارتفعت بنسبة 6%، مقابل ‏تراجع قيمة المستوردات بنفس النسبة تقريباً. إلّا أن ذلك لم يمنع من تحقيق عجز ‏تجاري من الناحية النسبية ومن ناحية الرقم المطلق. إذ ما تزال الفجوة تتعمق بين ‏المستوردات والصادرات، إلى أن وصلت نسبة تغطية الصادرات الكلية لإجمالي ‏المستوردات إلى 37% فقط، بعد أن كانت تشكل ما نسبته 46% قبل أربعة أعوام.‏
والمعروف بأن زيادة المستوردات عن الصادرات بشكل كبير من شأنه أن يُقلّص ‏حجم الاحتياطيات من العملات الصعبة، وقد يتسبب أيضاً في حدوث عجز مالي في ‏الموازنة العامة. وفي هذا الصدد، تشير البيانات الأخيرة إلى ارتفاع العجز المالي ‏في الموازنة العامة، خلال نفس الفترة، بنسبة 20% حتى وصل إلى 591 مليون ‏دينار (833 مليون دولار)، وإذا ما تم استثناء المنح الخارجية، فإن العجز المالي ‏يقترب من ضعف هذه القيمة.‏
ومع استمرار العجز المالي والتجاري بل وتفاقمهما، أيقنت الحكومة ‏من أنه لا مناص من ذلك إلّا بالاستدانة، فبعد أن كانت قيمة المديونية في عام ‏‏2010 لا تتجاوز 11 مليار دينار (15.5 مليار دولار)، فإنها وصلت اليوم إلى ‏‏20.2 مليار دينار (28.5 مليار دولار)، وهي آخذة في الارتفاع الشديد.‏
وإذا كان الداء في ارتفاع العجز التجاري وامتداد آثاره السلبية لتشمل العجز في ‏الموازنة العامة والارتفاع في المديونية، فأين يكون الدواء؟
لا شك في أن تفاقُم العجز التجاري تأثّر سلباً في السنوات الأخيرة بارتفاع كُلف ‏استيراد النفط ومشتقاته في ظل ارتفاع أسعار النفط العالمية، حيث باتت الفاتورة ‏النفطية تُشكّل 28% من قيمة المستوردات. وفي حين يستورد الأردن أكثر من ‏‏%98 من احتياجاته من الطاقة، فإن التجربة الإستونية تُمثّل بارقة أمل في حل ‏مُعضلة الطاقة في الأردن والمساهمة في توفير أموال طائلة على خزينة الدولة، ‏حيث تقوم جمهورية إستونيا بتغطية كافة احتياجاتها من الكهرباء عن طريق الحرق ‏المباشر للصخر الزيتي، وهو ذات الصخر المتواجد في الأردن بكميات تكفي ‏لـ900 عام من الآن.
وعلى الرغم من أن دخول الأردن في منظمة التجارة العالمية قد ساهم في تعميق ‏الفجوة بين المستوردات والصادرات، نتيجة عدم اتخاذ الحكومة لقرارات مهمة ‏تساهم في تعزيز منظومة الصادرات في الأردن، إلّا أن فشل القطاع الخاص في ‏تحفيز الاقتصاد قد أضعف أيضاً من القُدرات التصديرية في إنعاش الوضع ‏الاقتصادي. وبالتالي، فإنه يستحيل للاستثمارات الصناعية، على سبيل المثال، أن ‏تنمو كمّاً ونوعاً في ضوء تشدُّد المصارف المحلية في سياساتها الائتمانية، فهي ‏استثمارات تحتاج إلى قروض ائتمانية طويلة الأجل وبفائدة مناسبة لتتمكن من ‏تمويل مشاريعها الصناعية.‏
إن عدم مواجهة مثلث الرعب في الاقتصاد الأردني، والمتمثل في تفاقم عجزي ‏الميزان التجاري والموازنة العامة وارتفاع مستوى المديونية، سيجعل من الصعب ‏على الدولة أن تدعم العملية الاقتصادية التنموية من غير طلب المساعدة من ‏الخارج، فالأصل أن تكون خزانة الدولة هي المصدر الوحيد للتنمية الاقتصادية ‏المستدامة. ‏
المساهمون