مهربو البشر يعاودون نشاطهم في ليبيا

20 أكتوبر 2020
وصلوا إلى لامبيدوزا الإيطالية من ليبيا (لورينزو باليزولو/ Getty)
+ الخط -

يستغل تجار ومهربو البشر تدهور الأوضاع الأمنية مجدداً في ليبيا، وانشغال سلطاتها بالحراك السياسي وأزمة كورونا لاستعادة نشاطهم الذي شهد تراجعاً خلال الأشهر الماضية. في هذا الإطار، يؤكد محمد أبو صبيع، الضابط في "جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية" في طرابلس، عودة نشاط المهربين بشكل ملحوظ خلال فصل الصيف الماضي، مشيراً إلى أنّ المهربين باتوا يعملون وفق خطط تتبنى تغيير مواقعهم بين فترة وأخرى.
من جانبها، كشفت منظمة "هاتف الإنقاذ" الإنسانية رصدها مقتل 190 مهاجراً قبالة سواحل ليبيا، خلال سبتمبر/ أيلول الماضي، معبرة عن استيائها من موقف دول الاتحاد الأوروبي وخفر السواحل الليبي بشأن إجبار المهاجرين على العودة إلى سواحل ليبيا بدلاً من إنقاذهم في عرض البحر. وأكدت المنظمة الارتفاع الكبير في حوادث غرق سفن المهاجرين قبالة سواحل ليبيا بعد تلقيها اتصالات عدة من مئات الأشخاص على متن قوارب قبل أن يفقد الاتصال بهم. ونقلت عن بعض الناجين من تلك القوارب شهادات تفيد بغرق 190 مهاجراً من رفاق الناجين. وبالإضافة لاتهامها السياسة الأوروبية "القاسية" في التعامل مع قضية المهاجرين، أكدت المنظمة أنّ خفر السواحل الليبي أجبر مهاجرين على العودة بقواربهم إلى ليبيا مع ما في ذلك من تعريض لخطر الغرق، بدلاً من إنقاذهم، وهو ما ينفيه أبو صبيع.

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

كذلك، يؤكد أبو صبيع عودة نشاط المهربين في نقاط جديدة على الساحل الليبي، مشيراً إلى أنّ التمركزات الجديدة للمهربين تستغل الظروف التي تمر بها البلاد خصوصاً عبر خطوط التهريب من الجنوب إلى الشمال. ويوضح أنّ "سيطرة القوات المتصارعة على مناطق وسط البلاد وصولاً إلى الجفرة الواقعة على خط التهريب الرئيسي حدّت بشكل كبير من قدرة جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية على متابعة عمله، وأدت إلى مرور المهربين بكلّ سهولة".
وبحسب شهود عيان تحدثوا إلى "العربي الجديد" فإنّ المهربين يظهرون بشكل كثيف في مناطق على شاطئ البحر محتمين بالتعرجات الطبيعية في بعض الخلجان أو يتخذون من المصايف على الشاطئ مقرات مؤقتة لهم تتغير كلّ فترة. وأكد الشهود أنّ المدن المعروفة بنشاطها في تهريب البشر الواقعة من الزاوية، غرب طرابلس، وصولاً إلى زليتن شرقها، ما زالت نشطة حتى الآن، لكنّ المهربين اتخذوا المصايف الشاطئية والقرى السياحية، التي تزدحم إما بالمصطافين أو النازحين من مدن الحرب الذين خصصت لهم السلطات قرى سياحية، وذلك للاحتماء بها مؤقتاً وتغييرها لاحقاً. وهي الأسباب التي يؤكد أبو صبيع أنّها تحول دون قدرة الجهاز على متابعة نشاط المهربين خصوصاً مع الهدوء النسبي الذي يشهده البحر في أغلب أشهر الصيف، مشيراً إلى إمكانية تراجع نشاط المهربين خلال الشتاء بسبب أمواج البحر العالية خلال هذا الفصل.
وأشار تقرير من الأمم المتحدة في العشرين من سبتمبر/ أيلول الماضي إلى مغادرة 9500 مهاجر سري من سواحل ليبيا عبر البحر، بين مارس/ آذار الماضي ونهاية يوليو/ تموز الماضي. تابع أنّ طرابلس والزاوية من بين المدن الليبية الأكثر نشاطاً في تهريب المهاجرين. ويوضح التقرير الأممي أنّ 13 في المائة من بين 9500 مهاجر سري كانوا أطفالاً و82 في المائة رجالا و5 في المائة نساء، مقارنة بـ 6636 مهاجراً سرياً في الفترة نفسها من العام الماضي. 
ولا يشكك سالم نصيص، المسؤول بإحدى فرق خفر السواحل الليبي بمنطقة القربولي شرقي طرابلس، في صحة هذه الأرقام لكنّه يلفت إلى التضخيم الذي تنتهجه المنظمات الدولية والأممية. ويتساءل نصيص حيال الاتهامات بشأن نقص الطعام والأمن في أوساط المهاجرين في عدة تقارير لمنظمات دولية وأممية، قائلاً: "لم تتحدث تلك المنظمات عن جهودها وحجم وجودها في مراكز المهاجرين في ليبيا ولم تتحدث بصدق ودقة عن الصعوبات التي نواجهها"، مشيراً إلى أنّ خفر السواحل يعالج قضية نقاط التهريب على ساحل البحر. 
ويضيف نصيص لـ"العربي الجديد" أنّه "من غير الخفي أنّ المهاجرين يأتون عبر الحدود الجنوبية، فكيف يمكنهم أن يعبروا آلاف الكيلومترات إذا لم يكن هناك تسهيل من جانب مليشيات حفتر (اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي يحارب حكومة الوفاق المعترف بها دولياً) التي تستفيد من الأموال التي تجنيها من هذه التجارة". ويطالب المجتمع الدولي بـ"الحديث بحياد وجدية فهناك من يتاجر بالبشر وهم يعرفون ذلك، لكنّهم يوجهون الاتهامات إلينا ويصمتون عن الجناة".

وبين هذا وذاك، يشير الناشط الحقوقي، جهاد بوالخطابية، إلى أنّ "كلّ الأطراف المتصلة بملف الهجرة غير القانونية متورطة في هذه الجرائم سواء كانت محلية أم دولية"، متسائلاً: "هل يستطيع المسؤولون الليبيون نفي نشاط مدن ليبية من بينها العاصمة في تهريب البشر"؟ ويشرح بوالخطابية بحديثه لـ"العربي الجديد" أن "هناك تكتماً حول المجموعات المسلحة الليبية المتورطة في تجارة البشر، بالرغم من اتضاح مشاركة مليشيات حفتر التي تفتح طرقات التهريب الصحراوية". ويلفت إلى أنّ دور المنظمات التي تحمل شعار الإنسانية مشبوه أيضاً ليس في ليبيا فقط بل في مناطق أخرى تنشط فيها عمليات المتاجرة بالبشر. ويطالب الناشط الحقوقي بضرورة حصر مراكز إيواء المهاجرين الرسمية وإنهاء نشاط المراكز غير الرسمية التي تمثل خزانات تجميع للمهاجرين الآتين عبر الصحراء، معتبراً أنّ قرارات أممية أعلنت في السابق عن أسماء تجار بشر ليبيين، لم تفعل أيّ شيء ضدهم، وما زالوا يمارسون نشاطاتهم. 

المساهمون